- سرى جياد
- الأربعاء 18 آب 2021
بغداد | واجهت استعدادات بغداد لاستضافة قمّة إقليمية لدول الجوار العراقي، مع عدد من الدول الغربية المعنيّة، انتكاسة مبكرة، في ظلّ تفجُّر خلاف داخلي عراقي حول دعوة سوريا للمشاركة فيها، بعد ضغوط غربية مورست على بغداد للامتناع عن توجيه هذه الدعوة، توجّساً من عودةٍ ظافرة لدمشق إلى الساحات الإقليمية والعالمية. سوى ذلك، فإن فكرة القمة التي يُفترض أن تجمع أهمّ اللاعبين الإقليميين والعالميين، تبدو «أجمل» من أن تكون واقعية، أو أن تفضي إلى ما يصبو إليه البلد المضيف، إلّا من ناحية التوظيف الداخلي لسلطات هذا البلد، على بعد أقلّ من شهرين من الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرَّرة في تشرين الأول المقبل
هل يُصلح رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في الشهرَين الأخيرَين من عمر حكومته، ما أفسدته دهور الحروب والصراعات القاسية في الشرق الأوسط، والتي خلّفت عداواتٍ مريرة، أثبتت حتى الآن أنّها عصيّة على الحل؟ النّظر إلى القمّة التي دعا الكاظمي إلى عقدها في بغداد في 28 آب الجاري لعدد من دول الجوار العراقي والدول المعنيّة عالمياً، من هذه الزاوية، يخفّف كثيراً من الآمال المعقودة عليها، لاسيما وأنّها واجهت مبكراً انتكاسة تمثّلت في عدم توجيه دعوة إلى سوريا للمشاركة فيها، وخروج الخلاف العراقي الداخلي على هذه المسألة إلى العلن، بعد تقارير عن أن رئيس «هيئة الحشد» الشعبي، فالح الفياض، سلّم الرئيس السوري، بشار الأسد، دعوةً لحضور القمّة، ثمّ إصدار وزارة الخارجية العراقية بياناً تؤكد فيه أن الحكومة العراقية غير معنيّة بتلك الدعوة، ثمّ إصدار الفياض بياناً مضادّاً بيّن فيه أنه نقل إلى الأسد رسالة الكاظمي التوضيحية في شأن «عدم توجيه دعوة الحضور للجانب السوري»، والذي «لا يعبّر عن تجاهل العراق للحكومة السورية الشقيقة ومكانتها الراسخة»، مستغرباً «البيان المتسرّع» للخارجية، و«الذي انساق وراء تسريبات من جهات إعلامية غير مطّلعة».
ويتعرّض العراق لضغوط غربية لعدم توجيه دعوة إلى سوريا، على رغم ما تُمثّله الأخيرة بالنسبة إليه بالذات، بحيث يمكن وصفها بـ«شقّ التوأم» له، نظراً لما بين البلدين من مشتركات في أكثر الملفّات حساسية، التي تبدأ من مواجهتهما جماعات إرهابية واحدة ما زالت تنشط في بعض أراضيهما، واحتلالاً أميركياً وغربياً واحداً، ولا تنتهي بعلاقتهما الطيّبة بإيران. لكن في حالة النزاعات التي تدور بين دول مختلفة مِن مِثل تلك المدعوّة إلى القمّة، فإن مجرّد اللقاء هو تطوّر كبير، بل إن فكرة القمّة، بحدّ ذاتها، «جميلة» إلى درجة تجعل المراقب متهيّباً حتى اللحظة الأخيرة إمكانية إلغائها أو إرجائها، أو التأثير عليها بخفْض مستوى التمثيل، أو مقاطعتها من بعض الدول. للكاظمي قطعاً أهداف داخلية عراقية من قمّة بغداد، خاصة أنها تأتي قبل أقلّ من شهرين على الانتخابات المبكرة، والتي يراهن رئيس الوزراء، من دون أن يشارك فيها، على أن تأتي بتحالف يمنّي النفس بأن يدعم استمراره رئيساً للحكومة، لولاية ثانية كاملة. أمّا الملفّات الثقيلة والمزمنة، فيجري التفاوض بشأنها على مستويات ثنائية أو ثلاثية. وما لم يُحلّ على هذه المستويات، فلن يُحلّ في قمة تستمرّ يوماً واحداً أو يومين. مع ذلك، يمكن أن يشكّل الحدث فرصة للقاءات قد تكسر جموداً وعداوات. ولربّما يرى رئيس الوزراء العراقي أن بعض التسويات صارت ناضجة في العديد من بؤر التوتر، بين إيران وبين كلّ من أميركا والسعودية، وأيضاً بين مصر وتركيا، حيث يُتوقّع، في هذا الصدد خصوصاً، أن يَتحقّق اختراق بانعقاد لقاء ثنائي بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، وفق ما قال النائب العراقي عن تحالف «الفتح»، حامد الموسوي، في حديث إلى «الأخبار».
للكاظمي قطعاً أهداف داخلية عراقية من القمة، خاصة أنها تأتي قبل أقلّ من شهرين على الانتخابات المبكرة
لا ريب في أن الكاظمي أكثر ميلاً للابتعاد عن المحور الذي تقوده إيران، ولكنه يعلم، في الوقت نفسه، أن دون رغبته هذه الكثير من الكوابح، نظراً لما لإيران من علاقات متداخلة في هذا البلد، والمصالح الكبيرة المشتركة بين الدولتين. ولذا، فهو يسعى إلى استحداث موقع للعراق يعكس رغبته في «وسطية» ما في الاستقطاب المحوري الحادّ الذي تشهده المنطقة، بما يفيد تموضعه السياسي في الداخل العراقي، كوافد جديد إلى الساحة السياسية أوصلته ظروف خاصة إلى منصبه، كحلّ وسط بين تيارَين عريضَين تنقسم بينهما الساحة العراقية. ويَعتبر الكاظمي المحادثات السرّية السعودية – الإيرانية التي جرت برعايته في بغداد نموذجاً يُبنى عليه، وكذلك القمّة التي استضاف فيها السيسي والملك الأردني، عبد الله الثاني، في نهاية حزيران الماضي. ويَعتقد الموسوي أن استقرار المنطقة يقوم على ثُلاثيّتَين: واحدة تضمّ مصر والعراق والأردن ولها أبعاد اقتصادية وأمنية، والأخرى تضمّ السعودية وتركيا وإيران، وهي ذات أبعاد أكثر استراتيجية. ويَعتبر أن قمّة بغداد هدفها التأسيس لمرحلة قادمة في العلاقات بين «دول المحور الإسلامي والعربي»، باستضافة عراقية.
وجرى توجيه دعوات للمشاركة في القمّة إلى كلّ من إيران والسعودية وقطر والأردن والكويت ومصر وتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وتسري توقّعات بلقاء بين وفد أميركي وآخر إيراني لبحث الملفّ النووي الإيراني، وسبل وقف المصادمات التي تتعرّض لها مصالح الطرفين في دول الشرق الأوسط، فضلاً عن اجتماع آخر يضمّ طهران والرياض لاستكمال بحث المشكلات بينهما. كذلك، إذا كان التمثيل عالي المستوى، فإن جمْع الإمارات والسعودية وقطر على طاولة واحدة يُعتبر إنجازاً. لكن، في ظلّ انخفاض الرهانات على تحقيق اختراقات سياسية كبيرة، تَبقى للقمّة وظائف اقتصادية وأمنية مهمّة، كونها ستتعامل مع مواضيع مِن مِثل الربط الكهربائي بين مصر والأردن والعراق، أو الحصص المائية، حيث تأمل مصر بأن تنال دعماً واسعاً في صراعها مع إثيوبيا. ويمثّل الربط الكهربائي مسألة حيوية بالنسبة إلى العراق، الذي يعاني مشكلة كهربائية حادّة أوصلته إلى العتمة الشاملة في الأسابيع الأخيرة، ويمكنه الاستفادة كثيراً من الربط مع الأردن ومصر، كما أن جزءاً كبيراً من طاقته الكهربائية يُستجرّ من إيران.
ويلفت النائب عن «تحالف سائرون»، أمجد هاشم العقابي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن أهداف القمّة أمنية واقتصادية، وتتعلّق بتقوية العلاقات بين الدول المشاركة، مستبعداً أن تجلس إيران وأميركا على طاولة واحدة من دون شروط من الطرفين. ويرى العقابي أن «العراق سوف ينتفع من هذه القمّة، ربّما في تغيير واقعه الاقتصادي والأمني نحو الأفضل. أمّا إذا كانت من أجل منافع خارجية، فذلك مرفوض»، مضيفاً أن «اللقاءات والزيارات مع دول الجوار والعالم مطلوبة، لكن بالحدود وللقضايا التي تنفع العراق». من جهته، يَعتبر الأستاذ الجامعي المقيم في الولايات المتحدة، هيثم الهيتي، أن «العراق أصبح ضعيفاً بالقدْر الذي لا يستطيع معه إثبات وجوده أو كيانه، وبالتالي أصبح ساحة صراع بين الأطراف الأخرى عسكرياً وأمنياً وسياسياً». ويلفت الهيتي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الصراع الأمني يتجسّد في الضربات التي تقوم بها أطراف موالية لإيران، وأطراف موالية للولايات المتحدة. أمّا سياسياً، فأصبح العراق صندوق بريد أميركيٍ – إيراني، أو صندوق بريد تركي – عربي، سعودي – إيراني، أو أنه عبارة عن طاولة لقاء تتفاوض عليها الأطراف المختلفة، ولكن للأسف لا منفعة للعراق، وهو سيكون عبارة عن ضحية لهذه التفاهمات، لأن كلّ طرف سيسعى ليس فقط لأن يُحقّق أهدافه مع الطرف الآخر، لكنه سيسعى لتحقيقها على حساب العراق».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)