شهدت كوريا الجنوبية، أخيراً، انعقاد القمة الثالثة «من أجل الديموقراطية»، في العاصمة سيول، من 18 إلى 20 آذار. وكان لافتاً هذه المرة، التئام القمة وسط تغطية إعلامية متواضعة، ومشاركة أميركية «خجولة»، فيما بدا معظم المشاركين فيها أيضاً «أقل اندفاعاً»، مقارنة بالسنتين الماضيتين، أي منذ أن أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، عام 2021، إطلاقها بحضور أكثر من 100 دولة، في محاولة للترويج لرؤيته حول عالم قائم على صراع بين «الديموقراطيات والديكتاتوريات»، ولتحقيق أهداف حملته الانتخابية المتمثلة في «معالجة التحديات التي تواجه الديموقراطيات والحريات حول العالم»، ما جعل بعض المراقبين يتحدثون عن إمكانية أن يكون هذا «التقليد» الجديد نسبياً قد وصل إلى «نهايته». ويمكن القول إنّ أبرز ما أسفرت عنه هذه القمة هو زيادة نسبة التوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولا سيما بعدما عمدت كوريا الجنوبية إلى دعوة ممثل عن تايوان لحضورها – مع استثناء الصين طبعاً من الدعوة -، جنباً إلى جنب زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لسيول، ما أثار ردود فعل غاضبة من كل من بكين وبيونغ يانغ.ورأى بعض المراقبين أنّ مشاركة بلينكن السريعة، والتي اقتصرت على ترؤس وفد لحضور الافتتاح، ولقاء مع الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، في وقت سابق من صباح الاثنين، قبل أن يتوجه سريعاً إلى الفيليبين، تعكس «الاهتمام الأميركي المتراجع» بالحدث. على أنّ الهدف من زيارة وزير الخارجية الأميركي للفيليبين لا يختلف كثيراً عن الهدف الرئيسيّ لـ«قمة الديموقراطية»؛ إذ كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، قد أعلن، في وقت سابق، أنّ الزيارة تهدف إلى التأكيد على «التزامنا الثابت تجاه الحليف الفيليبيني»، فيما أجرى بلينكن مع المسؤولين الفيليبينيين، بمن فيهم الرئيس فرديناند ماركوس، مباحثات تركز على «التهديد الذي تشكله الصين»، علماً أنّ الأخيرة كانت قد اتهمت الولايات المتحدة باستخدام الفيليبين كـ«بيدق» في بحر الصين الجنوبي.
ردود الفعل
وكردّ فعل على زيارة بلينكن لسيول، أعلن الجيش الكوري الجنوبي أن كوريا الشمالية أطلقت عدة صواريخ باليستية قصيرة المدى في اتجاه البحر الشرقي، في تجارب هي الأولى لبيونغ يانغ منذ نحو شهر تقريباً. وأكدت وزارة الدفاع اليابانية، بدورها، أنّ بيونغ يانغ «أطلقت 3 صواريخ؛ اثنان معاً عند الساعة 7:44 صباحاً، والآخر بعد نحو 37 دقيقة»، فيما قال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، أمام جلسة برلمانية، إن الصواريخ سقطت في المياه بين شبه الجزيرة الكورية واليابان، وكلها خارج المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، لافتاً إلى أنّه لم يتم التبليغ عن أي أضرار أو إصابات.
في أعقاب القمة الأخيرة، حذّر مراقبون من أنّ المشروع الذي أطلقه بايدن بات مهدداً بـ«الانهيار»
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، إن القمة المشار إليها تستخدم الديموقراطية «كأداة وسلاح» لرسم خطوط وفرض تقسيم على أساس الأيديولوجيات، مؤكداً أنّ الصين تعارض بشدة دعوة سيول لتايبيه لحضور القمة. وأردف: «تحث الصين الجانب الكوري الجنوبي بقوة على الالتزام بمبدأ (الصين الواحدة)، والامتناع عن توفير منصة لقوات استقلال تايوان». كما نقلت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية عن مراقبين صينيين وصفهم لهذه القمة بـ«العرض التهريجي»، الذي عكس «الإفلاس الأميركي» في عيون دول العالم، واعتبارهم أنّ القرار بجعل كوريا الجنوبية تستضيف الحدث هذا العام يخدم «هدف بايدن المتمثل في تعزيز المنافسة الاستراتيجية التي تستهدف الصين».
نهاية «القمة»؟
وفي أعقاب القمة الأخيرة، حذّر مراقبون من أنّ «المشروع الذي أطلقه بايدن بات مهدداً بالانهيار»، وذلك لأسباب عدة، أبرزها «ازدواجية معايير» الولايات المتحدة في اختيار الدول المشاركة؛ فعلى سبيل المثال، تحدثت وسائل إعلام غربية عن أنّ واشنطن دعت «الأنظمة الاستبدادية المقربة منها، مثل الكونغو وبنغلادش وباكستان» إلى الحضور، فيما استثنت دولاً أخرى تصنف نفسها «ديموقراطية»، كتركيا. بمعنى آخر، فإنّ مثل هذا الحدث أصبح يزيد الانقسام بدلاً من توحيد الدول حول سياسة الإدارة الأميركية، في وقت لا يعدّ فيه مبدأ «تصدير الديموقراطية»، أولوية في السياسة الخارجية بالنسبة إلى الرأي العام الأميركي. كما بات معروفاً أنّ الدعم الأميركي للمجازر الإسرائيلية المستمرة في غزة أدى إلى ضرب السردية التي سعت القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى بثّها حول الحرب الروسية – الأوكرانية، ومحاولة تصوير الأخيرة على أنها صراع بين قوة «استبدادية» وأخرى تجسّد «ديموقراطية الغرب». وفي السياق، تقرّ المسؤولة المساعدة في تنسيق «مؤتمر القمة العالمي الثالث من أجل الديموقراطية» في سيول، سوك جونغ لي، في حديث إلى شبكة «سويس إنفو» السويسرية، بأنّ «الطاقة والدينامية التي كانت موجودة في البداية خلال (مؤتمر القمة من أجل الديمقراطية) قد تبخرت». وتتابع: «لا نعرف ما إذا كانت هذه القمة ستستمر بعد عامها الثالث، إذ يبدو الفتور واضحاً لدى العديد من الدول المشاركة».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية