علي إسماعيل:
يشهد “الكونغرس” الأميركي مناقشات ومداولات تشريعية، عبر مختلف القنوات الحزبية، حول إلغاء “قانون قيصر”، ما ينبئ بقرب حدوث تحول نوعي إيجابي حُدد موعده خلال فترة أسبوعين على أقل تقدير، خاصة أن أشد نواب “الكونغرس” معارضة للإلغاء الكامل للعقوبات المفروضة على سوريا، النائب الجمهوري برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، قد أعلن الجمعة، أنه سيؤيد إلغاء العقوبات الواسعة المفروضة على سوريا.
إنجاز دبلوماسي جديد يلوح بالأفق، ويتلخص بالإلغاء الكامل للعقوبات الأميركية على سوريا، وأبرزها “قانون قيصر” الذي لا يزال يعرقل التعامل المالي أو التجاري مع دمشق، ويقف عائقًا أمام دخول الاستثمارات الأجنبية والبدء بمرحلة إعادة الإعمار.هذه الخطوة ستفتح الباب على مصراعيه نحو أفق جديد للعلاقات الأميركية السورية، وما يترتب عليها من نتائج عملية مختلفة عن كل ما تم إنجازه حتى الآن؛ فهي نقطة تحول نوعية بامتياز سياسيًا واقتصاديًا، وهدف معلن سعت إليه القيادة السورية بكل وسائلها الدبلوماسية، واستطاعت تحقيق الكثير من التقدم في سبيل تذليل العوائق للوصول إلى الهدف المنشود.لا ينتظر السوريون وحدهم قرار الإلغاء الكامل للعقوبات الأميركية على سوريا، لا سيما “قانون قيصر” الأشد من بين تلك العقوبات، وإنما ينتظر هذا القرار طيف واسع من الشركاء الإقليميين والدوليين، ليبدأ معه سيل من الاستثمارات الموقعة والمتوقعة بالتدفق إلى الواقع السوري الاقتصادي والتنموي الصعب نوعاً ما.
النائب الجمهوري ماست أكد لصحيفة “ذا هيل” أن موقفه لا يصطدم برغبة الرئيس دونالد ترامب الذي يدفع باتجاه إلغاء العقوبات بالكامل، موضحاً أن الرئيس يملك حاليًا سلطة تعليق العقوبات لستة أشهر فقط في كل مرة، بينما يسعى “الكونغرس” إلى صيغة دائمة داخل قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA).
وأشار ماست إلى أنه يجري محادثات يومياً مع “البيت الأبيض”، في محاولة للتوفيق بين دعوات الإلغاء الكامل ومخاوف فئات سياسية ترى أن إسقاط العقوبات بدون ضوابط يعرض الالتزامات السورية الجديدة للاهتزاز.
وتقول الصحيفة: إن ماست يمشي على خط دقيق، إذ يمنح ضوءاً أخضر لرفع العقوبات الشاملة المنصوص عليها في “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، لكنه يدعو في الوقت نفسه إلى وجود شروط لاحقة، وهو طرح بدأ يثير اعتراضات بين مؤيدي الإلغاء الذين يخشون أن مجرد التهديد بإعادة فرض العقوبات قد يضعف فرص إعادة إعمار سوريا واستعادة اقتصادها. ويرى مؤيدو الإلغاء أن التردد الأميركي، أو احتمال التراجع عن الإلغاء، قد يجعل الشركات الأميركية والدول المتحالفة مع واشنطن مترددة في الاستثمار داخل سوريا، وأن استمرار منظومة “قيصر” يعرقل حتى عمليات البحث عن مصير الأميركيين المختفين خلال سنوات الصراع.وفي هذا السياق، أكد الناشط والمحلل السياسي، الدكتور عبد الحفيظ شرف، في حديثه لصحيفة “الثورة”، أن “التطورات الأخيرة في العاصمة الأميركية واشنطن تشكل منعطفاً بارزاً في مسار الملف السوري، وتحديداً بالنسبة إلى قانون قيصر. فقد أعلنت قيادة اللجان المعنية في مجلس النواب الأميركي ومجلس الشيوخ الأميركي أنها توصلت إلى اتفاق نهائي حول صياغة مشروع قانون ميزانية وزارة الدفاع (NDAA) يُدخل تعديلاً جوهرياً يقضي بإلغاء قانون قيصر بالكامل، وهو الأمر الذي يمثل خطوة تاريخية في علاقات الولايات المتحدة مع سوريا”.
ويضيف شرف: “قد شهدنا قبل ساعات قراراً حاسماً من النائب الجمهوري برايان ماست بتغيير موقفه، إذ أعلن عن تأييده لرفع الحظر عن سوريا بموجب قانون قيصر – شريطة أن تتضمن الصياغة النهائية آليات تسمح بإعادة فرض عقوبات في حال لم تفِ دمشق ببعض الالتزامات المحددة.
وهذا التراجع يأتي بعد اجتماع جمعه بالرئيس الشرع، الذي أعاد تأكيد الالتزام السوري بالتعاون مع الولايات المتحدة في ملف مكافحة الإرهاب وإعادة بناء الدولة”.وبحسب ما أوضح الدكتور شرف، “إن ما حصل ليس تغييراً شكلياً أو مؤقتاً، بل تحولاً جذرياً يعكس تراجعاً واضحاً في الضغط الأميركي التقليدي، وإعلاناً بأن مسارات إعادة البناء السوري والدبلوماسية قد دخلت منعطفاً جديداً”. مشيراً إلى أن “رفض النائب ماست لموقفه السابق – والذي كان من أشد المعارضين لرفع العقوبات – يُعد بمثابة الإشارة الأقوى حتى اليوم بأن الغالبية في الكونغرس الأميركي باتت تميل إلى إنهاء قانون قيصر”.
التحول النوعي الذي أظهره ماست كان قبل ذلك الإعلان، عندما التقى الرئيس الشرع في اجتماع مطول في واشنطن، بحثا خلاله العقوبات المفروضة على دمشق وسبل تخفيفها، وذلك قبل ساعات من لقاء “تاريخي” مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في “البيت الأبيض” في نفس اليوم.
وحسبما ذكرت “الإخبارية السورية” حينها، قال ماست: إن الوقت حان لإعادة النظر في مقاربة واشنطن تجاه الملف السوري، وأبدى تفهماً لموقف دمشق إزاء تداعيات العقوبات على حياة المدنيين.
وكان ماست قد قال للصحفي مارك رود من موقع “Jewish Insider”، في 13 من تشرين الثاني/نوفمبر، إنه بعد لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، سيعيد التفكير في موقفه المتحفظ من إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر”.
وكان الرئيس السوري قد التقى ماست في واشنطن في 9 من تشرين الثاني/نوفمبر.
من جهته، قال رئيس التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار، طارق كتيلة، في منشور له عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حسبما نُقل عن مقربين من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، برايان ماست، أنه جرى الاتفاق بالفعل على لغة القانون والتي تنص على رفع كامل العقوبات، مع “شروط غير ملزمة تدعو الحكومة الأميركية للنظر في إعادة العقوبات فقط إذا لم تلتزم الحكومة السورية ببعض البنود”، أي إنها ليست شروط إيقاف أو تعطيل.
مضيفاً أن الإعلان الرسمي للصيغة النهائية سيكون يوم الإثنين في الأول من كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وبعد صدور الصيغة النهائية، سيدخل النص مرحلة الحسم في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين.
وأشار إلى أنه سيتم التصويت على مشروع الميزانية الشامل المتضمن إلغاء “قانون قيصر” بالكامل خلال أسبوع إلى أسبوعين فقط.
ووفق منشور كتيلة، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيقوم بالتوقيع على القانون في منتصف كانون الأول/ديسمبر المقبل، بحسب التوقعات الداخلية.
وقال كتيلة في منشوره: “نحن لسنا أمام إشاعة أو تمنٍّ… بل أمام مسار تشريعي حقيقي ومواعيد دقيقة تم الحصول عليها من داخل الدائرة الضيقة لرئيس لجنة العلاقات الخارجية”.
وأضاف أنه “إذا سارت الأمور كما هو متوقع، فسنشهد خلال أسابيع قليلة أكبر تحول سياسي واقتصادي في ملف سوريا منذ 14 عاماً”.
وكانت قد بدأت جلسات استماع الكونغرس بعنوان “أعطوا سوريا فرصة”، في 20 من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، لمناقشة مستقبل العقوبات على سوريا بعد التطورات السياسية الأخيرة، وفق الإعلان الرسمي للجلسة الذي نُشر الجمعة 14 من تشرين الثاني/نوفمبر.
وبحسب نص الدعوة، تركز الجلسة على دراسة ما تصفه بمرحلة “الفرصة الجديدة” التي تمر بها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وعلى بحث كيفية دعم “سوريا موحدة ومزدهرة ومستقلة” بما يعزز السلام الإقليمي ويحد من نفوذ روسيا وإيران والصين.
ويؤكد المنظمون أن هذا المسار يتطلب إعادة النظر بالعقوبات الأميركية.
وتستضيف الجلسة ثلاثة شهود رئيسين، هم فريد المذهان (“قيصر”)، الذي سُمي القانون باسمه، ويوسف حمرا، كبير حاخامات الطائفة الموسوية في سوريا، وميرنا برق، رئيسة منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”.
ويناقش الشهود، وفق البرنامج المعلن، أهمية الانخراط الأميركي في دعم “سوريا الجديدة” وإمكانية رفع العقوبات أو تعديلها، إضافة إلى بحث كيفية تعزيز موقع الولايات المتحدة في مواجهة محاولات خصومها تقويض التحول السياسي القائم.
وقال النائب جو ويلسون عبر حسابه في منصة “إكس”: “ممتن لرئاستي هذه الجلسة الأسبوع المقبل لمناقشة حاجتنا إلى إلغاء كامل وشامل لعقوبات قيصر لإعطاء سوريا فرصة”.
“قيصر”.. مسار تشريعي للإلغاء
البداية كانت من خلال نجاح الدبلوماسية السورية، مدعومة بثقل إقليمي مركزه الرياض، بإقناع ترامب بضرورة وأهمية إلغاء العقوبات على سوريا وإعطائها الفرصة للنهوض والعودة إلى موقعها الطبيعي.
استضافت الرياض أول لقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأميركي، لينطلق بعد هذا اللقاء المسار التنفيذي لرحلة الإلغاء الكامل لـ”قانون قيصر” وبقية العقوبات الأميركية على سوريا، وما تخللها من تعليق لعقوبات لا تحتاج إلى مسار تشريعي.
وفي 13 من أيار/مايو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه قرر رفع العقوبات عن سوريا “لمنحها فرصة”.
وفي كلمة له بمنتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض، قال ترامب: “قررت رفع العقوبات عن سوريا بعد مناقشة هذا الأمر مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.
وكشف ترامب أن إدارته اتخذت الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع سوريا، مذكراً أنها “عانت من بؤس شديد وموت كبير، ونأمل أن تنجح الإدارة الحالية في إحلال السلام والاستقرار”.
وقد رحب حينها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بتصريحات الرئيس الأميركي بشأن رفع العقوبات عن سوريا، ووصف القرار بأنه “نقطة تحول محورية للشعب السوري”.
وتبع الإعلان الأميركي اللقاء الأول بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأميركي في الرياض، والذي حدث في 14 من أيار/مايو الفائت.
وفي 1 تموز/يوليو 2025، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً ينهي برنامج العقوبات الأميركية على سوريا للسماح بإنهاء عزلة دمشق عن النظام المالي العالمي.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، في إفادة صحفية :إن “الإجراء سيسمح للولايات المتحدة بالإبقاء على العقوبات المفروضة على الرئيس السوري السابق وشركائه، ومنتهكي حقوق الإنسان وتجار المخدرات والأشخاص المرتبطين بأنشطة الأسلحة الكيماوية وما يعرف بتنظيم داعش والجماعات التابعة له، إلى جانب الجماعات المتحالفة مع إيران”.
وقال حينها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني: إن قرار ترامب بإنهاء برنامج العقوبات المفروضة على سوريا سيفتح “أبواب إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها”.
وأضاف في منشور على منصّة “إكس” :إن هذه الخطوة ترفع “العائق الكبير أمام التعافي الاقتصادي” وتسهم في “الانفتاح على المجتمع الدولي”.
وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، للصحفيين في مؤتمر صحفي: “يجب منح سوريا فرصة، وهذا ما حدث”.
ووصف الخطوة، حينها، بأنها “تتويج لعملية شاقة ومعقّدة ومؤلمة للغاية، وهي كيفية رفع هذه العقوبات”.
أما “البيت الأبيض” فذكر في بيان :إن “الأمر التنفيذي يوجه وزير الخارجية الأميركي بمراجعة تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، بالإضافة إلى تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب”.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، رفضت لجنة القواعد والأحكام ضمن مجلس النواب الأميركي تضمين المادة المتعلقة بإلغاء القانون ضمن ميزانية الدفاع الأميركية.
وعملت جماعات الضغط السورية والإقليمية على هذا الخيار لاختصار الوقت بدلاً من اللجوء إلى العمل على طرح مشروع قانون جديد منفصل.
وكانت أعلنت وزارتا الخزانة والتجارة الأميركيتان تمديد تعليق تطبيق عقوبات “قانون قيصر” جزئياً لمدة 180 يوماً. وجاء في البيان المشترك بين الوزارتين، في 10 من تشرين الثاني/نوفمبر، أن القرار يستبدل الإعفاء السابق الذي صدر في 23 أيار/مايو الماضي، مشيرة إلى أن التعليق الجديد يوقف العمل بمعظم العقوبات المفروضة بموجب القانون، باستثناء تلك التي تشمل معاملات مالية أو تجارية مع روسيا وإيران.
لذلك، في 11 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أقر مجلس الشيوخ الأميركي إلحاق مشروع إلغاء “قانون قيصر” بقانون التفويض الدفاعي الخاص بالميزانية الدفاعية الأميركية لعام 2026، لتكون هذه بمثابة خطوة مهمة ومقدّمة كبيرة لإلغاء القانون
لكن إلغاء القانون بشكل كامل يتطلب مصادقة مجلس النواب، الذي سيناقش كلّ بنود قانون التفويض الدفاعي قبل إقراره وإحالته إلى الرئيس الأميركي للمصادقة عليه، ليصبح إلغاء العقوبات عن سوريا .
وبحسب الأوساط السياسية والمحللين السياسيين، تبرز أهمية خطوة مجلس الشيوخ في أن المسار التشريعي الحالي يتيح إبطال “قانون قيصر” بشكل كامل في حال وافق مجلس النواب على المشروع، وليس مجرد قرارات تنفيذية تتضمن تعليق العقوبات فقط. وبالتالي، فإن إعادة فرضها تحتاج إلى خطوات تشريعية جديدة، ولن تعود بمجرد انتهاء فترة التعليق من قبل السلطة التنفيذية.وأكد النائب الجمهوري جو ويلسون حين قدم مقترح التعديل لإلحاقه بقانون ميزانية الدفاع أن “نجاح سوريا يعتمد الآن على الإلغاء الكامل والشامل لهذا القانون”.ويعتبر ويلسون مقرباً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو نائب عن ولاية كارولاينا الجنوبية التي تعتبر من معاقل الحزب الجمهوري.
ومن جهتها، اعتبرت كبيرة النواب الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية ضمن مجلس الشيوخ، جين شاهين، أن إقرار المجلس لمشروع إلغاء “قانون قيصر” يعد إنجازاً تاريخياً في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، وخطوة ضخمة نحو تحقيق الاستقرار، وطالبت مجلس النواب بإقرار التشريع.
ما هي العقوبات المفروضة على سوريا؟ وما هو “قيصر”؟بدأت العقوبات الأميركية على سوريا عام 1979، عندما أُدرجت دمشق على أول قائمة استحدثتها الولايات المتحدة لما وصفته بـ”الدول الراعية للإرهاب”.وقد ترتب على هذا التصنيف فرض قيود على المساعدات الأميركية لسوريا، وحظر بيع أسلحة لها، وإخضاع معاملات البنوك الأميركية مع الحكومة السورية السابقة والكيانات المملوكة لها لضوابط مشددة، فضلاً عن فرض عقوبات على عدد من المسؤولين والكيانات الحكومية السورية السابقة.
وفي عام 2005، مرر الكونغرس الأميركي “قانون محاسبة سوريا”، بعد اتهامها بالسماح باستخدام أراضيها من قبل من وُصفوا بـ”الإرهابيين لتقويض استقرار العراق ولاحقًا لبنان”.
تضمن القانون فرض قيود على تصدير السلع الأميركية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والدواء، ومنع شركات الطيران السورية من السفر إلى الولايات المتحدة، وتوسيع العقوبات بحقّ عدد من المسؤولين السوريين.
لكن استيراد السلع من سوريا، بما فيها المواد النفطية، والمعاملات المصرفية معها، بقيتا خارج نطاق العقوبات التي أقرها القانون، وكذلك الحال بالنسبة للاستثمارات الأميركية في سوريا التي لم يطلها المنع.
وجاء التحول الحقيقي في العقوبات بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، وقمع النظام لها، إذ جرى فرض عقوبات أكثر شمولاً وتشدداً استهدفت قطاعات حيوية، مثل النفط والغاز والطيران، والقطاع المصرفي بما فيه المصرف المركزي، إضافة لفرض قيود على تصدير سلع أساسية وتكنولوجية إلى سوريا، إلا أن التغيير الأكبر جاء مع إقرار “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا”، الذي سُمي نسبة إلى “قيصر”، وهو اسم مستعار للمصور العسكري السوري فريد المذهان الذي انشق عن النظام عام 2014، وسرب نحو 55 ألف صورة توثق تعذيب وقتل أكثر من 11 ألف معتقل في السجون السورية، لتصبح دليلاً دولياً على الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري المخلوع.
وأدت هذه التسريبات إلى إصدار الولايات المتحدة عام 2020 “قانون قيصر”، الذي فرض عقوبات اقتصادية صارمة على الحكومة السورية وكل من يتعامل معها، بهدف الضغط لإنهاء الانتهاكات ودعم الحل السياسي في سوريا آنذاك.
ماذا يعني إلغاء “قانون قيصر”؟
العقوبات الأميركية بمختلف مسمياتها، لا سيما “قانون قيصر”، وفي حال استمرارها على سوريا، فإنها ستحرم الحكومة السورية الحالية من القدرة على استقطاب المشاريع، خاصة في مجال العقارات والبناء وإعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية.
وأيضاً سيكون صعباً للغاية على الجيش السوري تحديث معداته أو الحصول على تقنيات عسكرية جديدة.
لذلك، تسعى الحكومة السورية إلى تحويل مذكرات التفاهم إلى تنفيذ عملي عبر تعزيز الاستقرار وتوفير البيئة القانونية الملائمة، ومن ضمنها إزالة العقوبات التي ستشكل تحولاً نوعياً في عودة سوريا إلى موقعها الريادي الإقليمي والدولي.
وعن تداعيات هذا التحول، أوضح شرف: “إلغاء قانون قيصر سيحرر طريق إعادة الإعمار في سوريا، ويشكل رسالة إيجابية لإعادة إدماج دمشق في النظام الاقتصادي الإقليمي والدولي.
بالطبع، يبقى التنفيذ مرهوناً بضمان أن الصيغ النهائية تحتوي على ضمانات وُضعت لاحقاً، لكن جوهر الأمر أن القرار الأميركي تغير، وأن سوريا دخلت مرحلة جديدة من البناء والمشاركة”.
وختم الدكتور شرف: “نتوجه بالشكر لكل من عمل على هذا الملف من داخل وخارج الولايات المتحدة، ونؤكد أن الساحة السورية تتطلع الآن إلى استعادة قدرات الدولة وتفعيل الدور الوطني.
وإن ما بين أسبوعين من اليوم قد نشهد احتفالاً في دمشق بهذا الإنجاز”.
ويرجح الخبراء الاقتصاديون أيضاً أن يؤدي إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” إلى ضمان توفر السلع الرئيسة في السوق السورية مع استقرار أسعارها، نظراً إلى تقليل تكلفة الاستيراد وتعدد الأسواق التي يمكن أن توفر هذه السلع، بالإضافة إلى إتاحة المجال أمام الشركات العربية والأجنبية لإعادة التعامل مع المؤسسات والشركات الحكومية السورية. وأيضًا، من المتوقع أن يترك إلغاء العقوبات آثاراً إيجابية على قطاع البنوك، لأنه سيسهل عودة العلاقات البنكية بين البنوك في سوريا وخارجها.
وتعتبر سوريا من الممرات المهمة المحتملة للغاز والنفط باتجاه السوق الأوروبية عن طريق البحر الأحمر.
وينظر العديد من الدول المنتجة للطاقة إلى الجغرافيا السورية بأهمية بالغة، حيث فتح إلغاء العقوبات الطريق أمام استعادة سوريا لدورها كممر مهم للطاقة في المنطقة، خاصة في ظل موقعها الجغرافي الحيوي الذي يربط بين منابع النفط في الخليج والعراق وبين الأسواق الأوروبية عبر البحر المتوسط.
كما يفتح إلغاء “قانون قيصر” الطريق أمام بدء الاستثمارات في سوريا، وذلك مع دخول شركات مقاولات واستثمارات عربية ودولية كانت مترددة سابقاً في الدخول مع وجود القانون، إضافة إلى ذلك، ستنطلق مشاريع إعادة إعمار المناطق المدمرة والبنية التحتية الضخمة، وعودة العلاقات البنكية الدولية تدريجياً مع المصارف السورية، وهو ما يسهل عمليات التحويل والاستيراد، ويخفف من اعتماد السوق على الوسائل غير الرسمية.
كما ستبدأ بعض المصارف الإقليمية فتح خطوط ائتمان للتجارة مع سوريا، ما يعزز حركة الاستيراد والتصدير واستقرار سعر الصرف، ما سيتيح الانفتاح الاقتصادي ويزيد المنافسة ويرفع مستوى جودة السلع والخدمات.
أخبار سوريا الوطن١-الثورة
syriahomenews أخبار سورية الوطن
