في موقف متباين عمّا كان يصدر حول الزيارات السابقة لمسؤولين تايوانيين إلى الولايات المتحدة، تحاول واشنطن هذه المرّة بوضوح تجنّب إثارة المزيد من المشاكل مع بكين، في أعقاب توقّف نائب رئيسة تايوان، لاي تشينغ، المعروف أيضاً بويليام لاي، مرتين على الأراضي الأميركية خلال الأيام المقبلة. وفيما يميل لاي، المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في كانون الثاني المقبل، إلى تغيير نبرته «الحادة» تجاه جمهورية الصين الشعبية، ملتمساً مساعي واشنطن لتحسين العلاقات معها، يبدو أنّ ردة فعل بكين، في المقابل، لن تكون أقل «حدّة» عن سابقاتها.

وصل لاي إلى نيويورك السبت، في توقّف «عابر»، في طريقه إلى باراغواي، لحضور مراسم تنصيب رئيسها، على أنّ يتوقّف أيضاً في سان فرانسيسكو الأربعاء، أثناء عودته إلى تايبه. ومنذ شهر حتى الآن، تحاول الولايات المتّحدة تجنّب «الأضرار» التي قد تترتّب على هذا «العبور»، وسط استمرار المساعي الدبلوماسية الأميركية المكثّفة لتهدئة التوترات مع بكين، والتي تُعدّ تايوان جزءاً رئيساً فيها. عليه، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول أميركي تأكيده أنّ الرحلة ستكون «متواضعة»، حاثاً الصين على عدم «إثارة توترات» على خلفيتها. وكان مصدر مطّلع على برنامج الرحلة قد أشار إلى أنّ لاي سيلتقي بتايوانيين مغتربين في حفلات استقبال، خلال التوقف في نيويورك، ويلقي خطاباً، مشيراً إلى أنّ المسؤول التايواني لن يلتقي بنواب أميركيين، وسيُبقي الزيارة «متواضعة المستوى»، بما يتماشى مع موقف تايبه وواشنطن المتطابق، حول «إدارة المخاطر بشكل مشترك، عند مواجهة موقف استبدادي في هذا الوقت الحرج»، على حدّ تعبيره. من جهتها، قالت لورا روزنبرغر، رئيسة «المعهد الأميركي في تايوان»، وهي منظّمة غير ربحية معنية بالعلاقات غير الرسمية مع تايوان، مقرّها فرجينيا وتديرها الحكومة الأميركية، عبر موقع «إكس»، إنها ستلتقي مع لاي في سان فرانسيسكو لاحقاً.

يأتي هذا في وقت تكاد الثقة تكون معدومة بين بكين ولاي، ولا سيما أنّ الأخير يصف نفسه بأنّه «طرف ناشط من أجل استقلال تايوان»، ومعروف بدعمه لـ«الاستقلال الكامل» للجزيرة. وفي محاولة لـ«طمأنة» بكين، قال المسؤول الأميركي لـ«واشنطن بوست»، إنّ هذه الزيارة لن تختلف عن سابقاتها، مؤكداً أنّ المسؤول التايواني لن يمرّ بواشنطن، وأنّ الولايات المتّحدة «غير منحازة» إلى أي مرشح في الانتخابات القادمة. وتابع: «نحن لا ننحاز إلى أي جانب، ولن نتدخل في انتخابات تايوان، ونتوقع ألا تتدخّل بكين أيضاً».

تغيّر في «اللهجة»
والرغبة في عدم «إثارة المتاعب» لا تقتصر على واشنطن وحدها، بل على المسؤول التايواني نفسه. فالطبيب السابق البالغ من العمر 63 عاماً، والذي يستخدم اسم ويليام، وينتمي إلى أحد أجنحة «الحزب الديموقراطي التقدمي» في تايوان المعروف بانتقاداته اللاذعة للصين، ودعمه الكامل «لاستقلال تايوان»، وجد نفسه، أخيراً، تحت مراقبة، ليس بكين فقط، بل المسؤولين الأميركيين أنفسهم. في السياق، يؤكد تقرير أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن محللين تايوانيين، أنّ لاي، بصفته مرشحاً رئيسياً في السباق الرئاسي في تايوان، سيبدو «أكثر صمتاً»، خلال زيارته للولايات المتحدة، ومن المتوقّع أن يُظهر «ضبطاً للنفس»، بدلاً من إطلاق «خطاباته الحماسية». تزامناً مع ذلك، سيراقب المسؤولون، في تايوان والصين والولايات المتّحدة، بحسب الصحيفة، محطتيه في نيويورك وسان فرانسيسكو عن كثب، «لوضع تصور حول طريقة تعامله مع قضية تايوان مستقبلاً»، في وقت يريد المسؤول التايواني إثبات أنّه «على قدر المسؤولية» و«لن يثير المتاعب»، في وقت يبدو أنّ هنالك إجماعاً بين جميع الأطراف المعنية على منع تدهور الأوضاع. على إثره، وفي خطاب مقتضب في المطار قبل مغادرته إلى باراغواي، -وهي واحدة من 13 دولة فقط تحتفظ بعلاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان في العالم-، تحدّث لاي عن «تعزيز الدور العالمي لديموقراطية» جزيرته، مع الاكتفاء بذكر إقامته القصيرة في نيويورك بشكل مقتضب وعابر. وفي وقت سابق، وفي محاولة لطمأنة واشنطن على الأرجح، نشر لاي مقال رأي في صحيفة «وول ستريت جورنال»، في أوائل تموز، للتأكيد على التزامه بالحفاظ على «الوضع الراهن» في ما يتعلق بالجزيرة.

 

تبدو بكين متمسّكة، أكثر من أيّ وقت مضى، بمبدأ «الصين الواحدة»، وإعادة ضمّ تايوان إلى البر الرئيسي

ردّ «غير متواضع»
على أنّ وصف زيارة المسؤول التايواني بأنّها «متواضعة المستوى»، لا يعني بالضرورة أنّ الرد الصيني عليها سيكون كذلك، إذ إنّ بكين تبدو متمسّكة، أكثر من أي وقت مضى، بمبدأ «الصين الواحدة»، وإعادة ضمّ تايوان للبر الرئيسي. فقد ندّدت وزارة الخارجية الصينية، أمس، بزيارة لاي إلى نيويورك، واصفةً إياه بـ«الانفصالي» و«المثير للمشاكل»، ومعلنةً أنّ بكين «ستتخذ خطوات قوية» لحماية سيادتها، بعدما كانت قد أكّدت مراراً رفضها لهذه الزيارة أو أي زيارة أخرى «أياً كانت طبيعتها»، ولا سيما أنّ العداء الصيني مع لاي، بسبب أفكاره الانفصالية، كبير جداً. تزامناً مع ذلك، نشرت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية المملوكة للدولة تقريراً قبل الزيارة تحدّثت فيه عن زيادة لأنشطة «جيش التحرير الشعبي الصيني»، الأسبوع الماضي، قبل عبور «الانفصالي المتشدّد»، وبعد تصريحات «غير مسؤولة» لرئيس وزراء ياباني سابق خلال زيارته لجزيرة تايوان، والتي دعا فيها إلى «تعزيز الردع» و«الجهوزية للقتال».

كما نشرت قيادة المنطقة الشرقية في «جيش التحرير الشعبي الصيني»، المسؤولة عن المنطقة المحيطة بتايوان، على حسابها على منصة «وي تشات» الصينية، أمس، مقطع فيديو قصيراً يظهر طائرات مقاتلة تمارس تدريبات على مناوشات من مدى قريب في مكان غير معلوم، قائلة إن قواتها شاركت، أخيراً، في «تدريب جوي مكثّف جداً».

مرشّح واشنطن المفضّل؟
لدى سؤالهم عن المرشح الذي سيدعمونه في الانتخابات التايوانية، أجاب المسؤولون والخبراء الأميركيون بأن الولايات المتحدة «لا تدعم رسمياً أي مرشح أو حزب». ردّ لا يأخذ في الاعتبار، بحسب تقرير أوردته مجلة «ريسبونسبل ستيت كرافت» الأميركية، ميل واشنطن للتأثير بـ«مكر» أكبر على النتائج الانتخابية، بما يتماشى مع مصلحتها. ومن الأمثلة التي توردها المجلة، ما حدث في أعقاب زيارة رئيسة تايوان الحالية، تساي إنغ ون،
لواشنطن، خلال حملتها الرئاسية الأولى في أيلول عام 2011. آنذاك، صرّح مسؤول أميركي كبير لصحيفة «فاينانشيال تايمز» أنّ تساي تركت لدى إدارة الرئيس آنذاك، باراك أوباما، «شكوكاً واضحة» حول ما إذا كانت مستعدّة أو قادرة «على الحفاظ على الاستقرار في مضيق تايوان»، وهو تقييم ساهم في «جعل الناخبين التايوانيين يدعمون السياسات الأكثر تقرّباً من بكين»، والتي كان يعبّر عنها، في ذلك الوقت، الرئيس ما ينغ جيو، ما أدّى إلى إعادة انتخابه.