| محمد عبد الكريم أحمد
أفريقيا في أجندة «بريكس»: توسّع «الجنوب العالمي»
حضرت أفريقيا في أجندة قمّة «بريكس» الأخيرة، ولا سيّما في ملفّ توسيع عضوية المجموعة، حيث حقّقت القارة إنجازاً بانضمام دولتَين منها إلى التكتّل، فيما تَمثّل الاستثناء الأبرز في حالة نيجيريا، وربّما الجزائر بدرجة أقلّ. كما جاءت مسألة وضع عملة مشتركة بين دول «بريكس» لتمسَّ شاغلاً أفريقياً هامّاً تترقّب حسمه أغلب دول القارة التي تعاني من عدم توفّر العملات الصعبة أو الانخفاض المزمن في أسعار عملاتها. وفي هذا الإطار، قرّرت القمّة تعميق المناقشات حول فكرة العملة المشتركة في الفترة المقبلة، مع توقّع ألّا يتمّ البدء فعلياً بخطوات على طريق تحقيقها قبل كانون الثاني المقبل، علماً أنها ستمثّل، في حال تَحقّقها، طوق نجاة هامّاً لاقتصادَي الدولتَين الأفريقيتَين المترقّب بدء عضويتهما في ذلك الوقت: مصر وإثيوبيا.
وفي مسار آخر، حضرت أفريقيا من بوابة مواصلة جنوب أفريقيا جهودها الحثيثة والجادّة لتعضيد المبادرة الأفريقية الهادفة إلى تسوية الأزمة الروسية – الأوكرانية، وسط تصاعد التنسيق بين بريتوريا وبكين بشكل واضح في هذا الشأن، حيث اتّفقتا على أن «الحوار والتفاوض هو الخيار الوحيد المتاح لتسوية الصراع في أوكرانيا». ويبدو أن جنوب أفريقيا تميل مرحلياً إلى حشد المواقف الأفريقية خلف خطّة السلام الصينية المكوَّنة من 12 نقطة، تشمل وقفاً لإطلاق النار، واستئناف محادثات السلام، وإنهاء العقوبات الأحادية ضدّ روسيا (التي أيدت بقوة مسار توسّع عضوية «بريكس»، في ما وصفه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمته الافتراضية، في ختام القمة بـ«التفوّق الديبلوماسي الفريد»)، والدعوة إلى تأمين سلامة مفاعلات الطاقة النووية من قبل الجانبين، والتعهد بعدم استخدامهما للأسلحة النووية.
ومع إعلان الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا داسيلفا، في بدء القمة، عن اتفاق القادة على وضع آليات لقبول عضوية مزيد من الدول، فإن ملفّ ضمّ دول أفريقية أخرى، وفي مقدمتها نيجيريا والجزائر، سيظلّ مفتوحاً. وفي الانتظار، فإن ما تَحقّق إلى الآن سيدفع ما تحوزه «بريكس» من نسب كبيرة عالمياً في الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان وحجم الانتشار الجغرافي والجيواستراتيجي إلى آفاق جديدة، من مثل إضافة نحو 410 ملايين نسمة (وفق تقديرات 2021) العام المقبل إلى «بريكس»، التي تمثل حالياً 40% من سكان العالم، ما يجسّد اتساع خريطة تعاون «الجنوب العالمي».
خرجت الصين من قمة «بريكس» كقوة دولية تنجح في قيادة نظام إقليمي (الجنوب العالمي) موسّع
مصر وإثيوبيا: التوافق من بوابة عضوية «بريكس»
بدا قبول عضوية مصر وإثيوبيا خطوة هامة في مسار تحوّل حقيقي على مستوى العالم، عبّر عنه الخطاب الحماسي الذي ألقاه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في خلال القمة، بالقول إن «بريكس» ماضيةٌ في «إعادة تشكيل مسار التاريخ». وتَبرز أهمّية تلك الخطوة في حقيقة أن مصر واحدة من أكبر الاقتصادات الأفريقية (مع جنوب أفريقيا ونيجيريا)، وتملك قاعدة سكّانية هامة إضافة إلى موقعها الاستراتيجي، وكذلك احتضانها لقناة السويس التي يمرّ عبرها جزء كبير من التجارة الدولية، ومن بينها تجارة دول «بريكس» الخمس (سابقاً)، وهو ما بدا مبرِّراً تماماً لما أشارت إليه تقارير صحافية جنوب أفريقية من دعم بريتوريا لمسار انضمام مصر منذ البداية، وصولاً إلى نيله إجماعاً من أعضاء «بريكس». أمّا إثيوبيا، التي ترتبط بشراكة استراتيجية مع الصين وتملك علاقات ثنائية بالغة التميّز مع جنوب أفريقيا، كما يتّضح في تعاونهما الإقليمي في ملفّات عدّة من مثل السودان والقرن الأفريقي، فارتكزت مسوّغات ضمّها إلى «بريكس» على دورها التاريخي في أفريقيا كقوة مؤسِّسة لـ«منظمة الوحدة الأفريقية» ومقرّ «الاتحاد الأفريقي»، فضلاً عن تمتّعها بموارد طبيعية ومقدّرات اقتصادية (زراعية وخدمية بالأساس) تؤهّلها لأن تكون قاعدة هامّة للتكتل في القرن الأفريقي، وشرق أفريقيا ككل.
ومثّل إعلان العضوية، للقاهرة وأديس أبابا، انفراجة هائلة ستكون لها تداعياتها في تعزيز التعاون بين البلدين، وربّما تسوية الكثير من الملفات العالقة في علاقاتهما، ولا سيّما في ما يخصّ ملفّ «سد النهضة». وممّا يعزّز هذا التوقّع، التحسّن الذي شهدته علاقات البلدين منذ زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، للقاهرة منتصف تموز الفائت. ورحّب الأخير بالموافقة على طلبات العضوية التي شملت بلاده، واصفاً ذلك بأنه «لحظة عظيمة»، معلناً استعداد بلاده للتعاون مع الجميع من أجل نظام عالمي شامل ومزدهر.
ماذا بعد؟
يشكّل اقتراب «بريكس» من أفريقيا قفزة كبيرة للغاية، مع ملاحظة حضور الصين القوي في إثيوبيا، وعلاقاتها الوثيقة مع مصر، وكذلك ما تردّد في الأشهر الأخيرة عن مشروعات روسية – إماراتية في مصر، وتحوّل إثيوبيا إلى وجهة للاستثمارات الخليجية (السعودية والإماراتية) في قطاع الزراعة، فضلاً عن قيادة السعودية خطّتها الطموحة المعروفة بـ«رؤية 2030»، ومن ضمن محاورها تنمية مشروع «نيوم» في البحر الأحمر، والذي تشكّل مصر أحد أضلاعه الهامّة. ويُضاف إلى ما تَقدّم، ما تمثّله مصر وإثيوبيا لبقية دول المجموعة، سواءً كشريكَين تجاريَين هامَّين أو كمركزَين إقليميَين، ستتعاظم أهميتهما مع إطلاق منطقة التجارة الحرة الأفريقية، أو كسوق كبيرة مع تجاوز عدد سكان إثيوبيا 120 مليون نسمة، ومصر 110 ملايين نسمة (وفق تقديرات 2021).
وإذ ستظلّ بقيّة دول أفريقيا في مرمى بصر مجموعة «بريكس»، التي ربّما تشهد عملية توسعتها أفريقياً انطلاقة جديدة مع مطلع عام 2024، فإن أفريقيا ستظلّ في حالة إشكالية في ما يتعلّق بالمجموعة، في ظلّ «استقطابات» بين قواها الرئيسة؛ إذ تمثّل الصين قوة عالمية عظمى يرشَّح أن تتصدّر قائمة اقتصادات العالم في غضون عقد تقريباً لتتفوّق على الولايات المتحدة للمرّة الأولى منذ قرون، بينما تمثّل البرازيل مصدراً زراعياً في المقام الأول، وتحتفظ الهند بسياساتها التقليدية القائمة على عدم الانحياز، وتبقى السعودية والإمارات وإيران محور تساؤلات حول سقف التنسيق والتعاون المتوقّع معها بعد التحاقها بالمجموعة. ومن هنا، يبدو أن أفريقيا ستبقى – حتى في حال إضافة دول جديدة منها – مترقّبة لتوافق رؤى قوى «بريكس» بشأن قضاياها وشكل مساهمتها في التكتّل.
في كلّ الأحوال، خرجت الصين من قمة «بريكس» محققةً علامة كاملة، كقوة دولية تنجح في قيادة نظام إقليمي (الجنوب العالمي) موسّع، يمتدّ إلى عمق مناطق تأثيرٍ أميركية في أفريقيا، باستثناء فشلها في إلحاق باكستان بالمجموعة بـ«فيتو» هندي. كما خرجت جنوب أفريقيا، التي دعمت انضمام مصر وإثيوبيا، في صورة القوة الإقليمية الأبرز في القارة الأفريقية، والأكثر قدرة على مجاراة متغيّرات السياسة الدولية بسلاسة ومهارة واضحتَين. كذلك، خرجت مصر وإثيوبيا فائزتين، على نحو فردي ومشترك في سباق أفريقيا، عبر اللحاق بركب «بريكس» مطلع 2024، وما قد يقود إليه هذا من تخفيف أعبائهما الاقتصادية الثقيلة، وتوفير مسار «مضمون دولياً» لتحقيق تعاون اقتصادي بين البلدين، ستتّضح، في خلال الأشهر المقبلة، مدى جديّته وطبيعة آثاره على الإقليم.