من خلال دراستي للنحل و كيفية إنتاجه للعسل خطر لي سؤال، هل يوجد كائن آخر ينتج العسل غير النحل؟.
بعد البحث و العودة للمصادر والمراجع، وجدت أن هناك كائناً حياً آخر ينتج العسل، و هو نوع من أنواع النمل الغريب العجيب الذي يعيش في المناطق القاحلة والجافة كصحارى أمريكا وأستراليا وإفريقيا، ولأن هذا النوع من النمل لم يدرس دراسة وافية ولا يوجد عنه أي مرجع عربي يؤكد دراسته وإجراء البحوث عليه، للوقوف على إمكانية استئناسه وتربيته بهدف الاستفادة من عسله تجارياً وطبياً، قادتني الفكرة لوضع أول بحث عن نمل العسل الذي نشرته جامعة دمشق 2022.
بهذا الوصف السابق يوضح لـ “تشرين” الباحث و الخبير الزراعي المهندس حسام قصار، مبيناً أن الأمر غير مطروح على بساط البحث في سورية، والكثير لا يعرفونه لدرجة أن بعض خبراء الحشرات بسؤالهم عن مدى معرفتهم بنمل العسل، أجابوا بالنفي المطلق، وبعضهم ظن أن المقصود هو النمل الذي يهاجم خلايا النحل ليسرق العسل منها، مستغربين وجود نمل ينتجه، مضيفاً بعدم وجود أي دراسة سابقة عن الموضوع في بلدنا وإنما هناك دراسات عن أنواع النمل بشكل عام و هذا النوع من النمل غير متوفر في البيئة السورية.
و يشير قصار في بحثه إلى أن نوعاً غريباً من النمل يسمى (نمل قدور العسل)، يعيش في مستعمرات هرمية على مستوى عالٍ من الدقة والتنظيم وفيه عاملات تجمع رحيق الأزهار والمواد السكرية وتتغذى على نسغ النباتات والأغذية في الوسط المحيط بها، وتخزنه في بطونها الذي قد يصل لحجم حبة العنب وأكبر من وزنها الأصلي بـ 8 أضعاف، مشيراً إلى أن مجتمع هذا النمل منظم بدقة عالية فيه النمل الناقل الذي يجمع الغذاء وينقله للخلية، ويفرغه في بطون النملات الخازنات من أجل تأمين الطعام لبقية أفراد المستعمرة حفاظاً على الأمن الغذائي.
و يمكن العثور على نمل قوارير العسل في الصحراء وتحديد موقعه والحفر بعناية للحصول على تلك النملات الممتلئات بالعسل وتناوله من قبل بعض الشعوب كهنود المكسيك وكولورادو، والتلذذ بتذوقه حيث يعتبرونه من الحلوى اللذيذة والنادرة، رغم أنه ليس عسلاً حقيقياً كعسل النحل، بل مجموعة من السكريات البسيطة 60٪ (جلوكوز و الفركتوز) إضافة لطعم حامضي كما ذكر.
وتابع قصار: وجد الباحثون أن عسل النمل أكثر سلاسة لاحتوائه على محتوى مائي أعلى من عسل النحل ورائحته متوافقة مع عسل النحل، و له عدة فوائد من حيث قتل البكتيريا في المكورات العنقودية المسببة لالتهابات الجلد والأنسجة الرخوة والرئة والدم حيث استخدمه الأستراليون في علاج التهاب الحلق والجروح وتقرحات الجلد لإنتاجه ببتيد مضاد للميكروبات كما أشار في بحثه.
وحول إن كان هذا النمل بديلاً للنحل قال: بالطبع لن يكون بديلاً عنه، لأن نمل العسل لا يعيش في كل البيئات كالنحل وإنما المناطق الجافة فقط، وإنتاجه من العسل ليس بالإنتاج الوفير، إضافة لصعوبة الحصول عليه وضعف إمكانات تربيته حالياً لأنهم لم يتوصلوا لتربيته تربية مزرعية ولم تتم تربيته تربية تجارية ضمن خلايا كالنحل لأن ظروف معيشته مختلفة عن معيشة النحل.
وأضاف: لم أسمع عن تربيته على مستوى محلي ريفي أو منزلي حتى في بلدان موطنه الأصلي، وإنما يبحث عنه سكان الصحارى لأنهم يعرفون أوكاره ومستعمراته من خلال دلائل تشير إلى وجوده فيحفرون في الأرض ويتناولونه كاملاً أي النملة وعسلها.
وبيَّن أننا لا نستطيع الحكم على جدواه الاقتصادية لكونه لم يدرس علمياً بشكل كاف لتتم دراسته اقتصادياً، عدا عن الصعوبات التي تعتريه من حيث اكتشافه وتجميعه ودراسة بيئته وإمكانيات تربيته وتأمين الظروف المناسبة له التي لا تجعل له أي جدوى اقتصادية في المدى القريب، والغاية من البحث هو مجرد دعوة للباحثين للخوض في دراسته وكشف أسراره وسبر أغواره ودراسة إمكانية استثماره لكونه يشكل مدرسة لتعليم الإدارة الرشيدة للمخزونات الغذائية حفاظاً على الأمن الغذائي وتنظيم العمل وتوزيعه حسب الاختصاصات ودراسته دراسة مستفيضة لاستخلاص العِبر بما يتعلق بالتكيف مع التغييرات البيئية والمناخية كالجفاف والاستفادة مستقبلاً منه في عدة أمور كالحصول على الغذاء وحفظه وتوزيعه بالشكل الأمثل وإمكانية أن يكون مصدراً غذائياً للإنسان مستقبلاً.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين