آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » كاثرين بيغلو في «بيت الديناميت»: ديستوبيا تُفجّر أسطورة الأمن الأميركي

كاثرين بيغلو في «بيت الديناميت»: ديستوبيا تُفجّر أسطورة الأمن الأميركي

 

شفيق طبارة

 

 

في «بيت الديناميت» (2025) المتوافر على نتفليكس، تقدّم كاثرين بيغلو رؤيةً ديستوبية عن أميركا المهووسة بالأسلحة والخطر النووي. داخل مخبأ سري، يتخذ قادة الدولة قرارات مصيرية خلال دقائق قد تُفني البشرية. بفيلم متوتر وبارد، تفكك بيغلو بنية السلطة الأميركية، مظهرةً هشاشتها الأخلاقية والتقنية في عالمٍ يترنّح على حافة الانفجار

 

 

تناول سيدني لوميت أزمة الصواريخ الكوبية في فيلم «فشل آمن» (1964 ـــ Fail Safe)، خلال الأزمة مع الاتحاد السوفياتي. كان السيناريو المعروض في ذلك الفيلم (بطولة هنري فوندا) أنّ هناك مخبأ سرّياً يتخذ فيه قادة العالم قراراتهم عبر الهاتف، بعواقب وخيمة على البشرية.

 

كاثرين بيغلو: الولايات المتحدة في خطر

تستعيد المخرجة الأميركية كاثرين بيغلو (أول امرأة تفوز بجائزة أوسكار أفضل مخرج عن فيلمها The Hurt Locker، سنة 2008) في فيلمها الجديد «بيت الديناميت» (2025 ـــ A House of Dynamite) المنطق نفسه تقريباً في قصة ديستوبية تبدو مألوفة جداً في عالمنا اليوم: في مخبأ، تراقب العيون الشاشات. حشد من البشر يرتدون بدلات رسمية وسماعات رأس، يحدقون في رموز تتحرك على خلفية البيت الأبيض. وجوههم مشدودة، لا مجال للابتسامة. الولايات المتحدة في خطر، مجدداً!

 

 

هذه المرة، صاروخ نووي مجهول المصدر، أفلت من قبضة أنظمة الدفاع الصاروخي، ويتوجه بثقة نحو شيكاغو. لا أحد يعرف مَن أطلقه. ربما دولة غاضبة، ربما خطأ تقني. الخرائط تومض، والوجوه تتجمد، والمدينة تستعد لتوديع نفسها.

 

تبني بيغلو قصة تروى فيها الدقائق القليلة التي يجب فيها اتخاذ قرارات قد تكلف ملايين الأرواح، من وجهات نظر مُختلفة: من مسؤولين من الصف الثاني والثالث إلى الرئيس.

 

هوس الأسلحة

في البداية، يبدو أن الشخصية الرئيسية ستكون الكابتن أوليفيا ووكر (ريبيكا فيرغسون)، ثم وزير الدفاع (جاريد هاريس)، ثم الرئيس نفسه (إدريس إلبا). لكن ما يتبقى هو قصة مُتكاملة تكشف عن بيروقراطية قاتلة. رغم امتلاكها مليارات الدولارات من الميزانية لدعم أحدث التقنيات العسكرية، إلا أنها غالباً ما تُثبت عدم كفاءتها وعدم أهليتها، تاركة القرارات لتقدير أشخاص لا يملكون حتى المعلومات اللازمة.

 

بأسلوب استفزازي، ومزعج، ومتوتر، وآسر في آن واحد، يُكمل فيلم «بيت الديناميت»، بطريقة ما هوس السلطة الأميركية بالأسلحة، التي تشمل أيضاً فيلمي The Hurt Locker (2008)، وZero Dark Thirty (2012). المنزل المليء بالديناميت المشار إليه في العنوان، هو، في النهاية، كوكبنا كاملاً، المليء بالأسلحة النووية التي قد تقودنا في أي لحظة إلى مواقف مثل تلك التي تصوّرها بيغلو.

 

حبكة مشوّقة ومشبّعة بالدراما وفانتازيا سياسية وحربية

 

 

الإثارة الحقيقية التي يطرحها الفيلم ليست ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكّن من إيقاف صاروخ العدو الذي يوشك على تدمير شيكاغو. السؤال الأقوى الذي يطرحه: هل ترد الضربة فور وقوعها أم لا؟ ما هي أسوأ العواقب؟

 

حرب عالمية ثالثة أو نهاية الكون

في النهاية، يمتلك رئيس الولايات المتحدة، كفرد واحد، سلطة اتخاذ القرار بشأن كيفية المضي قدماً. تكشف بيغلو أن رئيس الولايات المتحدة يحتفظ بكتيّب أنيق، يشبه قائمة طعام في مطعم فاخر. لكن بدلاً من الأطباق، يحتوي على جميع المواقع الإستراتيجية حول العالم التي يمكن قصفها. مصنّفة بعناية، تماماً كما يُصنّف الناس نضج قطعة اللحم: مطهو جيداً، نصف مطهو، أو شبه نيء. كلّ مدينة لها درجة حرارة مفضّلة. كلّ ضربة لها نكهة.

 

 

تبدأ نهاية العالم، أو بداية الحرب العالمية الثالثة، كما يحلو لكم تسميتها، بطريقة هادئة جداً، مع الهموم الدونية التي تجعلنا بشراً متساوين. ثم يظهر الصاروخ على الشاشة. لا تريد بيغلو صب الزيت على النار، بل تتجنّب نسب الهجوم إلى أي دولة محددة. من هناك، وفي زمن حقيقي وواقعي، تشيّد بيغلو، فيلمها مُكملة وجهات النظر والمواقف المختلفة في عدّ تنازلي واحد. وعندما يبدو أن التشويق قد بلغ منتهاه، نبدأ من جديد، من أول الفيلم، نلاحق شخصية أخرى.

 

«بيت الديناميت»، فيلم عن الممرات والهواتف، والاجتماعات السرّية، عن المخابئ وساعات الأذن، عن عالم مجهول للبشر العاديين. إنه عالم يحاول البقاء راكداً وصارماً وبارداً، لكن من يعملون فيه هم بشر، بحياتهم ودوافعهم ومشاعرهم التي لا بد من أن تتداخل مع هذه البروتوكولات النظرية الصارمة. الفيلم مليء بتلك المصطلحات العسكرية المُزدحمة بالاختصارات الغريبة مثل EKV و GBI و Defcon و Starcom التي تُجبرك على البحث عن معناها.

 

سينما الكوارث

قد لا يكون «بيت الديناميت» عملاً عظيماً، لكنه بلا شك قطعة ترفيهية متماسكة، قادرة على إثارة نقاشات سياسية وثقافية. تنسج بيغلو حبكة مشوّقة، مشبّعة بالدراما، وتفتح باباً لفانتازيا سياسية وحربية وإنذاراً مبكراً لسينما الكوارث. ينضح الفيلم ببراعة في الكتابة والإخراج والمونتاج، لكنه أيضاً تذكير بقدرة السينما على التلاعب بمخاوفنا، بعضها حقيقي، وبعضها الآخر مُفبرك ببراعة بصرية.

 

وحين تترسخ الفكرة، لا يعود الفيلم بحاجة إلى تفسير إضافي. لا شيء أكثر رعباً من الوحش الذي لا نراه. و«بيت الديناميت» يراهن على هذا الغياب، ويترك لخيالنا مهمة إكمال الكارثة التي قد تكون أقرب مما نعتقد.

 

في نهاية المطاف، تعكس أفلام بيغلو الحالة النفسية المتصدّعة لبلد بات ضحيةً لإمبرياليته الخاصة. ومن هذا المنظور، يصبح منطقياً ألا يكشف الفيلم عن هوية من ألقى الصاروخ، فأعداء أميركا كثر، إلى درجة أن الجاني قد يكون أيّاً منهم، أو لا أحد على وجه التحديد. لكن ما يكشفه الفيلم عن لا مبالاة وطنية لا سببه الغموض، بل القدرية. وفقاً لأطروحته، حتى حين يعمل النظام بكفاءة مثالية، سيخذل الأميركيين ليس لأنّ شخصاً أخطأ، بل لأن الخطأ مُدمج في البنية والمنظومة نفسها!

 

* A House of Dynamite على نتفليكس

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كإحياء لتقليد عريق.. مهرجان البردة الدولي حين توحدت المدن السورية واجتمع شعراء العرب احتفاءً بالرسول والوطن

أزهرت القلوب والفكر وتوحدت المدن السورية وفاضت الكلمات بأنوار مديح رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في مهرجان واحد انطلق بفيض الرحمة والجمال وروح ...