وائل علي
قد يكون مصنع اسمنت طرطوس الذي دخل طور الإنتاج مطلع ثمانينيات القرن الماضي حاجة ملحة بشكل من الأشكال – حينها – لكنه تحول اليوم بعد دخول أفرانه ومطاحنه وسيوره الناقلة سن التقاعد والهرم الذي لم تعد تنفع معه حقن الإنعاش والصدمات الكهربائية لقلبه وشرايينه واستبدال شبكاته التي صارت مصدرا من مصادر الهدر واستنزاف المال العام وقضم الجبال الخضراء التي يتوسطها وتصحيرها وانتهاء الجدوى الاقتصادية لمناجم المواد الأولية من الكلينكر والتربة والصخور الكلسية وانتفاء الغاية من قربه من الميناء البحري بهدف التصدير كما كان مخططا ما جعل مصنع اسمنت طرطوس كارثة صناعية بيئية صحية وجمالية بكل ما للكلمة من معنى تهدد حياة مئة ألف إنسان على الأقل يقطنون في ثلاثين قرية ومزرعة وبلدة وناحية تحيط وتطوق تلك البؤرة التي تصدر الأمراض التنفسية والمزمنة المستعصية، والتي غالبا ما تنتهي بمآس وفواجع، عدا تراجع انتاج الهكتارات من بيارات الليمون والحمضيات وكروم الزيتون والزراعات المحمية والأشجار الاستوائية البديلة والموز ومشاتل الورود والأزهار، إن نقل إبادتها وخروجها من الخدمة والانتاج القسري.
وإذا قارنا تلك الهكتارات من الأراضي الزراعية التي يشغلها المعمل المغذاة بالمياه الجوفية الغزيرة والأجواء المطيرة والإطلالات الساحرة البديعة والمناخ المعتدل على مدار السنة، بما يقدمه المصنع “الهرم” (بالمعنى الاقتصادي والإنتاجي والوظيفي)، فسنجد أن كفة ميزان سيئاته وأضراره وكوارثه تتفوق بكثير على كفة ميزان حسناته.. وهذا يستدعي فيما يستدعيه – لو فكرنا بشيء من العقلانية وبفكر اقتصادي واقعي منفتح – اتخاذ قرار جريء يقضي بالاستغناء وإنهاء خدمات مصنع اسمنت طرطوس وإحالته للتقاعد بعد ما يقرب من نصف قرن من عذابات الجوار وهدر المال العام والشبهات التي تدور حوله وتحويل موقعه لجزيرة سياحية خضراء تستقطب الاستثمارات السياحية العملاقة المولدة لآلاف فرص العمل، والقادرة على ضخ وتغذية المليارات لصالح الخزينة العامة وإعادة الهدوء والسكينة للأرواح والنفوس التي تعبت والنقاء والصفاء للبيئة التي تلوثت…
ترى هل يكون قرار إلغاء مصنع اسمنت طرطوس باكورة وأول القرارات الجريئة التي ينتزعها ممثلينا للقبة البرلمانية مع بداية انطلاق أعمال الدور التشريعي الرابع؟
(سيرياهوم نيوز 1-البعث)