آخر الأخبار
الرئيسية » الرياضة » «كباش» فرنسي ـ أرجنتيني… العنصرية «تقتل» اللعبة

«كباش» فرنسي ـ أرجنتيني… العنصرية «تقتل» اللعبة

حسين فحص

 

بُنيَ تاريخ المنتخب الفرنسي لكرة القدم وحاضره عبر أقدام المهاجرين. الغالبية العظمى من لاعبي «الديوك» الذين رفعوا كأس العالم في روسيا 2018 كانوا من أصول غير فرنسيّة، وهو حال مشابه، بنسبة أقل، في مونديال 1998 عندما حصدَ زين الدين زيدان ورفاقه النجمة الأولى ضمن الاستحقاق الكروي الأهم قارياً.المهاجرون حملوا أحلام الفرنسيين ووضعوهم على خريطة كبار منتخبات العالم، غاضّين النظر عن تاريخٍ طويل من الاستعمار والتنكيل. رغم ذلك، برزَ تمييز فرنسا «البيضاء» في أكثر من مناسبة وعبر جهات مختلفة، عبر اتخاذها قرارات عدة في المنتخب بناءً على أصل اللاعبين. ولعلَّ أبرز حالات التمييز في التاريخ الحديث جاءت عبر معاناة الفرنسي من أصل جزائري كريم بنزيما، وقبله الفرنسي ـ التونسي سمير نصري، في المنتخب ضمن رسالة واضحة قائمة على المصلحة مفادها: أنتم فرنسيون عندما نفوز، أما عندما نخسر فأنتم مهاجرون.

لطالما شكّلَ التاريخ الموثّق لكيفية نشأة منتخب «الديوك» مادةً دسمة في عالم الرياضة. الوسط الفرنسي كان، ولا يزال، منقسماً بين مؤيدٍ ومعارض لوجود لاعبين من أصحاب البشرة السمراء في المنتخب، لدرجة أنه حتى عند رفع الألقاب القارية، تعكّر صفو المجتمع الفرنسي بسبب نسب النجاح للمهاجرين.

هذا الجدال وظّفه لاعبو المنتخب الأرجنتيني أثناء احتفالهم بالتتويج ببطولة كوبا أميركا قبل أيام، راغبين في إشعال غضب الفرنسيين الذين خرجوا من نصف نهائي «اليورو» بعد تصريحات كثيرة من لاعبيهم بشأن علو كعب بطولة أمم أوروبا مقارنةً بكوبا أميركا، لكن التوظيف الأرجنتيني جاء بطريقة «خاطئة» إثر التحافه تحت رداء العنصرية.

فبعد تتويجها ببطولة كوبا أميركا على حساب كولومبيا (1-0)، انتشر فيديو لمتوسط ميدان الأرجنتين وتشيلسي الإنكليزي، إينزو فيرنانديز، وهو يحتفل مع زملائه في المنتخب مرددين أغنية «عنصرية» ضد لاعبي المنتخب الفرنسي. وشملت الأغنية عبارات تهكّمية «بغيضة» تجاه الأصول الأفريقية للاعبي منتخب «الديوك»، ما أثار موجةً غضب كبيرة في الوسط الرياضي.

فرنسا بتاريخها الاستعماري تطالب الهيئات الكروية التي تفشل دائماً في قمع التمييز بمعاقبة لاعبين أرجنتينيين

 

وبث فرنانديز فيديو مباشراً عبر تطبيق «إنستغرام» على متن حافلة الفريق بعد المباراة، مصوراً نفسه وزملاءه وهم يكررون ترنيمة مستفزّة يعود تاريخها إلى نهائيات كأس العالم 2022 عندما سُمعت عبر أفواه مشجعي الأرجنتين قبل المباراة النهائية ضد فرنسا، وصفها متظاهرون فرنسيون مناهضون للعنصرية في ذلك الوقت بأنها «تعبير عن أيديولوجية يمينية متطرفة»: «إنهم يلعبون لفرنسا، لكن والديهم من أنغولا. وأمهم من الكاميرون، بينما والدهم من نيجيريا. لكن جواز سفرهم مكتوب عليه فرنسي».

وبمعزل عن صحة بعض المعلومات المتداولة حول أصول اللاعبين الفرنسيين، طاولت الأغنية تحقيراً ضمنياً لجذور الأفارقة، أكثر من كونها تبخيساً بالإنجازات الكروية الفرنسية، وهو ما أثار نقمة عدد من اللاعبين الفرنسيين من أصل أفريقي، رغم تنديد بعضهم قبل ذلك بالعنصرية الفرنسية المتجذرة.

وبعد ساعات على انتشار الفيديو، أصدر الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، الثلاثاء، بياناً قال فيه إن رئيسه فيليب ديالو «يدين بأشد العبارات التصريحات غير المقبولة والتمييزية التي صدرت ضد لاعبي المنتخب الفرنسي». وأعلن الاتحاد أيضاً إنه سيقدم شكوى إلى الفيفا بشأن هذه التصريحات. أما على صعيد اللاعبين، قام زملاء إنزو فيرنانديز في تشيلسي، تحديداً الفرنسيين مالو غوستو، وأكسيل ديزازي، وبينوا بادياشيل، وليزلي أوغوتشوكو، وكريستوفر نكونكو، ومالانغ سار وويسلي فوفانا بإلغاء متابعة فرنانديز على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلّق فوفانا عبر «السوشيل ميديا» : «كرة القدم في 2024: عنصرية بلا قيود». كما ندّد عدد من اللاعبين العالميين الناشطين والمعتزلين على حد سواء، إضافة إلى جهات مختلفة، ما حدث.

وفي وجه الانتقادات اللاذعة، أصدر فرنانديز اعتذاراً رسمياً على وسائل التواصل الاجتماعي عن «اللغة المسيئة جداً»، وكتب: «أريد أن أعتذر بشدة عن مقطع الفيديو الذي نشرته على قناتي على إنستغرام خلال احتفالات المنتخب الوطني. تحتوي الأغنية على لغة مسيئة جداً ولا يوجد أي عذر على الإطلاق لهذه الكلمات. أنا أقف ضد التمييز بجميع أشكاله وأعتذر عن الانغماس في نشوة احتفالاتنا بكوبا أميركا». مضيفاً «هذا الفيديو، تلك اللحظة، تلك الكلمات، لا تعكس معتقداتي أو شخصيتي. أنا آسف حقاً».

اعتذارٌ لم يمنع الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، الأربعاء، من فتح تحقيق بحق لاعبي الأرجنتين، وذلك بعد وقت قصير من إعلان نادي تشيلسي الإنكليزي عن «إجراء تأديبي» بحق لاعب وسطه إنزو فرنانديز. وقال تشيلسي في بيان «نحن نقدر الاعتذار العلني الذي قدمه لاعبنا وسنستخدمه لرفع مستوى الوعي. اتخذ النادي إجراءً تأديبياً داخلياً».

 

دعم رسمي أرجنتيني

لكن، وعلى نسقٍ مغايرٍ تماماً، دعم عدد من الجهات البارزة في الأرجنتين لاعبيها. ودافعت نائبة الرئيس الأرجنتيني فيكتوريا فيلارويل عن إنزو والفريق، قائلةً: «‏الأرجنتين دولة ذات سيادة وحرة. ولم يكن لدينا أبداً مستعمرات أو مواطنون من الدرجة الثانية. ولم نفرض قط أسلوب حياتنا على أحد. ولكننا لن نتسامح أيضاً مع أن يفعلوا ذلك بنا… لن ترهبنا أي دولة استعمارية من أجل أغنية أو لقول الحقائق التي لا يريدون الاعتراف بها. كفى تظاهراً بالسخط أيها المنافقون. إنزو أنا أؤيدك، ميسي شكراً لك على كل شيء، أيها الأرجنتينيون ابقوا دائماً مرفوعي الرأس، تحيا الأرجنتين».

وفي وقتٍ لاحق من يوم الأربعاء، قال مكتب الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي إن وكيل وزارة الرياضة في البلاد، خوليو جارو، أُقيل من منصبه بسبب اقتراحه أن يعتذر قائد الأرجنتين ميسي ورئيس الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم، كلاوديو تابيا، عن الفيديو المسيء ضد لاعبي فرنسا. وكتب المكتب الرئاسي في بيان «يبلغ مكتب الرئيس أنه لا يمكن لأي حكومة أن تقول ما يجب التعليق عليه أو ما يجب التفكير فيه أو ما يجب القيام به للمنتخب الأرجنتيني، بطل العالم وبطل أميركا مرتين، أو لأي مواطن آخر. لهذا السبب، توقف خوليو جارو عن تولي منصب وكيل وزارة الرياضة في البلاد».

الحرب سجال بين مختلف الأطراف. فرنسا بتاريخها العنصري الاستعماري تطالب الهيئات الكروية، التي تفشل دائماً في قمع التمييز بأكثر من مواقف شكلية، بمعاقبة لاعبين أرجنتينيين أساؤوا استخدام الكلمات. وسط هذه «المعمعة»، يبقى الضحايا الوحيدون ربما هم اللاعبين الفرنسيين – الأفارقة، الذين هربوا من بلادٍ مزقها الاستعمار إلى أخرى ظالمة تسببت أساساً ببؤسهم.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حارس ليفربول: رحيل صلاح عن الفريق “سيحطم قلبه”

يعتقد الحارس الإسباني أدريان لاعب ليفربول السابق أن النجم المصري محمد صلاح لا يستطيع مغادرة الفريق، مشيراً إلى أنه يعشق البقاء في منطقة ميرسيسايد التي ...