آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب الأسبوع » كتاب”العلمنة المعاصرة بين ديننا ودنيانا”

كتاب”العلمنة المعاصرة بين ديننا ودنيانا”

 

 

مالك صقور

 

 

صدر كتاب (( العلمنة المعاصرة – بين ديننا ودنيانا )) ، للدكتور سهيل فرح ، قبل ربع قرن ونيف ، وتحديداًعام 1997 . أي قبل أن تودع البشرية القرن العشرين ، بكل ماجرى فيه .

تناول الدكتور الباحث في هذا الكتاب قضايا غاية في الأهمية ، منها موضوعة العلمنة المعاصرة لتنسجم وتتطابق مع ” خصوصية الواقع العربي ” ، بكل تشابكاته وتعقيداته ، مستنداً على قاعدتين أساسيتين :

– الأولى : المعرفة العلمية المتجددة .

– الثانية : المعرفة الدينية الأصيلة الحقيقية النقية البعيدة عن العصبية والتعصب .

المعرفة العلمية – التي هي منجز ونتاج كافة العلوم الإنسانية و الطبيعية التي تمكّن الإنسان من التحكم العقلاني بالواقع وبقضاياه ومشاكله ، وفي الوقت نفسه ، تقديم المساعدة من أجل أن يحقق هذا الإنسان العيش الكريم ، وما يطمح إليه من بحبوبة في الحياة ، ورفاه وتقدم .

وأما المعرفة الدينية – فهي نظرة المخلوق للخالق ، الله – الذي هو ينبوع الخير المطلق الذي لا ينضب .” لأن أحد أبرز المخاطر التي تطال جوهر الدين هو إدخاله القسري في دياجير اللاوعي ” الشعبوي ” من جهة ، وجعله من جهة أخرى ، يحل أحياناً مكان الوظيفة الأساسية الملقاة على عاتق السياسة ” .

 

يخاطب الدكتور سهيل من خلال هذا الكتاب المهم : العلماني المكافح الذي استقى مرجعياته المعرفية من الفكر الوضعي والأفكار العلمية المتنوعة لكي ينفتح على المعطى الديني الذي جرى استبعاده ، وما يزال القسم الأكبر من هذه الفئة يمضي في عقيدة الاستبعاد . فيبين البعد الروحي والديني في الشخصية الإنسانية وأهمية المعرفة الدينية الحقة التي تعطي للحياة الرسالة الأخلاقية الشديدة النقاء والصفاء .

كما إنه يخاطب رجل الدين كي لا ينغمس في تعريجات السياسة الملوثة بكل وقائع الدنيا وأن لا يكتفي بقراءة كتاب واحد أو مرجع معرفي واحد لدينه أو مذهبه فيدعوه لينفتح على الكتب الأخرى من لاهوتية وعلمية . وأن يغذي جذوة الإيمان بالمعارف اللاهوتية الجديدة وأن يوسع رؤيته مستفيدا من فلسفات العصر وعلومه .

يطرح الباحث في هذا الكتاب رؤية علمانية يراها جديدة ، كما يسعى لأن تكون مطابقة لواقع المشرق العربي الديني والدينوي .وفي رأيه ، أن رؤيته فيها بعض نقاط التمايز مع بعض الطروحات العلمانية التي أتى بها العلمانيون العرب ، وتتمايز أيضاً عن العلمانية الماركسوية التي حاولت ابعاد الدين عن تفكير وحياة البشر باعتباره من قبل الكثيرين من انصار هذه العلمانية يشكل عائقاً أمام التحرر الإنساني والآجتماعي .

يشير الباحث إلى هبوب رياح الحداثة العاتية التي ساهمت في تحطيم البنيات الذهنية والسلوكية لمجتمعاتنا ، وكان معظم ردات الفعل على هذه الحداثة ، في رأيه ، عدم دخول هذه المجتمعات في دائرة الفعل الحضاري المنتج والخلاق ، بل وضعت عائقاً أساسياً أمام قبول التحديث والعمل به . ويوضح الباحث قائلاً : ” فهذا الشرق وعلى الرغم من اسهاماته الجبارة في صنع الحضارات الغابرة ، وعلى الرغم من اسهاماته في نفخ الروح على كل أرجاء المعمورة ، إلاّ إنه بقي يدور حول مصطلحات وعيه الديني والدينوي ضمن رؤية يشكل العلم فيها الحلقة الأضعف ” .. ثم يستطرد مؤكداً فكرته : ” فالغرب لم يتفوق عل شرقنا بلون بشرة ناسه ، ولا بقوة عضلاته ، ولا بخصائص مناخه ، بل أن تفوقه الأساسي برز في العلم وتطبيقاته في الحياة ” .

وزع الدكتور سهيل دراسته هذه على سبعة أبواب ، ممهداً بمقدمة وختم بخلاصة جعلها بدلاً من الخاتمة . ولأن هذا الحيز لايسمحبالإطالة ، فسأكتفي بإلقاء نظرة سريعة على ماجاء في الباب الثاني ، الذي هو بعنوان :الخطاب الدوغمائي ورفض الآخر : يبحث في هذا الباب :

– دوغما الأنا

– إلغاء الآخر

– بنيان الخطاب الدوغمائي

يرى الباحث أن ثمة عودة مكثفة في حياتنا الفكرية العربية المعاصرة إلى ما يعزز الصنمية ” الإيمانية ” المطلقة لخطاب الطائفة ، أو الحزب ، أو الزعيم .. وهناك فعاليات “فكروية ” مؤثرة تحاول أن تضفي القدسية على خطابها السياسي ، فتعمد على ترسيخ الجدران العازلة والعالية بين أبناء الوطن و الأمة الواحدة الذين خلقوا بحكم المصادفة و الوراثة منتمين إلى طوائف و أقاليم وإثنيات متنوعة ..إزاء هذه الحال ، يرى الباحث أن ثمة حاجة ماسة وضرورية لخطاب تنويري ، وتفكير جماعي علمي غني يضفي على كل حقل من حقول المعرفة مزيداً من المسؤولية ، مزيداً من الرؤية العقلانية – العلمية المنفتحة على كل الثقافات وعلى كل الديانات . طبعاً ، يؤكد الباحث : إن هذا المنحى لا يتطابق مع الخطاب الأحادي الجانب الدوغمائي الذي يزعم لنفسه الرأي ” الأحق ” و ” الأصح ” و “الأفضل ” ..وبعد أن يضرب أمثلة على ذلك ، يصل الباحث إلى نتيجة ، يقول : ” هكذا يظهر جلياً أن الموروث القديم يسكن محتوى الوعي المتأخر عن العصر و الحداثة . ويشكل عائقاًمعرفياً أساسيا ً أمام هذا الوعي للدخول في حركة الفعل الحضاري لبناء المجتمع الديني الحديث “. وهنا تكمن خطورة الدوغمائية في مقدرتها الخارقة على تحريك الدوافع النفسية وتوظف اللاوعي الجماعي الطائفي أو المذهبي لأناسها الذين يعيشون في أجواء من الأمية والجهل .

والأمر المهم الذي يؤكد عليه الباحث هنا هو ( إلغاء الآخر ) : فإن الدوغمائيين ، وأصحاب الخطابات السلفية والمتعصبين الشعبويين يجتمعون على رفض الآخر ، سواء أكان ينتمي إلى دين آخر ، أو إلى تجربة حضارية أخرى . ” فالشيء البارز عندهم هو التمسك المطلق بالنظرة الواحدة للعالم . فلا تنمية ولا فكر ولا قانون ولا دولة ولا رأي إلا مايدخل ضمن منظومة خطابهم الدوغمائي .”

في النهاية ، يخلص الدكتور سهيل فرح إلى القول إن أفكار كتابه هذا ، ماهي إلا مقاربات تمهيدية لأعمال علمية واسعة الإمتدادات ، يجب أن تخوضها كل العقول المفكرة داخل المؤسستين الدينية والدينوية في الوطن العربي .. ويؤكد قائلاً : ” وهذه العقول لا خيار أمامها إلا التجرؤ على العمل الجاد والطويل ضد دياجير الجهل والتعصب المترسخين في العقول والنفوس ، وإحلال المعرفة التي هي جوهر الثقافة والروح “. ويستشهد بقول الفيلسوف هيغل : ” المعرفة تشكل الجوهر الأعمق للروح ” .

كتاب 🙁 العلمنة المعاصرة – بين ديننا ودنيانا ) ، كتاب مهم جداً ، لا سيما في وقتنا الراهن ، يضع النقاط على الحروف .وفي الوقت نقسه ، يشكل دليل عمل للباحث والطالب ، ولا أبالغ إن قلت لكل الذين يرفضون أو يخافون من مصطلح العلمنة والعلمانية .

(موقع اخبار سوريا الوطن -2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كتاب “طرق مختصرة للاحتفاظ بهدوئك”

  ‏ هذه نصائح واستراتيجيات ستغير حياتك. ‏1- مرحلة الإعداد ‏هذه المرحلة تركز على إدراك الذات والانفعالات الغاضبة، مع تخصيص وقت منتظم لتدريب النفس على ...