آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب الأسبوع » كتاب”ما السلطة؟”للفيلسوف بيونغ تشول هان

كتاب”ما السلطة؟”للفيلسوف بيونغ تشول هان

 

 

 

غنوة فضة

 

في كتابه “ما السلطة؟” يبحث الفيلسوف الكوري الجنوبي بيونغ تشول هان (1959) في القوة كمفهوم مرنٍ وقابل للتفكيك والتحليل، متحرّراً من كلّ النظريات السابقة، ومتنقّلاً في تعريفاته بين المعنى القسري للمفهوم والعلاقة بين قوة الأنا وقيامها بأداء سلوك ضدّ إرادتها. يقول هان: “إنّ النموذج القسريّ لا يرقى إلى تعقيد القوة” وهنا يفرّق بين القوة القسرية؛ أي العنف، وبين القوة كمفهوم مؤكّد للذات ومحرّض على استمرارية وجودها.

 

يفكّكُ الباحث في كتابه، الصادر عن مركز أركان للدراسات والأبحاث بترجمة الدكتور بدر الدين مصطفى، جميعَ أشكال القوة التي تتجه نحو الاستمرارية وتفترض بشكل جذري وجود الذات. ووفقاً لفرضيّته فإن القوة تمتلك مكوّناً ذاتياً، والذات غالباً ما تعبّر عن نفسها في خلق إمكانات جديدة ومختلفة من خلال التجسيد، إذ يقول: “ليس من الممكن التفكير في القوة من دون ذاتٍ تعبّر عنها وتجسّدها، إذ كيف يمكن للقوة أن توجد من دون مفردٍ يُحقّقها ويجعلها ممكنة؟”. من هنا فإن مفهوم السلطة يفرض بالضرورة وجود الأنا، أو بحسب ما يدعوها الباحث (الذات) التي تعبّر عن نفسها ضمن مكان يعدّ أيضاً شرطاً آخر لوجود السلطة ونموها.

 

يتكوّن الكتاب من قسمين؛ الأول مقدّمة المترجم التي يستعرض فيها رؤيته لفلسفة الكاتب حول السلطة، والثاني هو مضمون الكتاب الذي ينقسم إلى خمسة فصول. وانطلاقاً من دراسة العلاقة بين الذات كموجودٍ فرديّ والسلطة كمفهوم، فإن الباحث يذهب إلى توصيف السلطة بكونها مفهوماً لا يشير إلى شيء محدّد المعالم يمكن الإمساك به؛ إنما السلطة مفهوم فضفاض يتسرّب إلى كلّ مجالات الحياة وظواهرها، وهو ذو مستويات متعددة وأشكال خفية تكمن خلف كلّ خطاب. ولكن هذا لا يعني اختزال السلطة في المفهوم السياسي الضيّق لها، بل إنّ هذا الاختزال أدى إلى سوء فهم واسع، حيث مضى العديد من المفكّرين إلى تجاهل مناقشة الأبعاد الجوهرية للمفهوم، والاقتصار على المعنى السياسي فقط. لذا تأتي الدراسة لتتجاوز ذلك الانغلاق وتنفتح على دراسة السلطة في كلّ مجالات الحياة. فكلّ سلطة هي امتلاكٌ وسيطرة، وحتى الإدراك في كلّ مظاهره هو تعبير عن القوة، لذا فإن منهج الباحث في تحليل مفهوم السلطة يتجاوز المجال السياسي كما يتجاوز أيضاً الأيديولوجي، وذلك لأنّ السلطة علاقة؛ وهي علاقة غير مستقرة ولا تتركّز في مكان محدّد، بل توجد مبعثرة في كلّ أنحاء الجسد الاجتماعي.

 

بين السلطة والعنف

 

بين القوة كقيد، والقوة كحرية، يفرّق هان في مستويات الوساطة بين المفهومين. إذ يجد أن جميع أشكال السلطة موجّهة نحو خلق الاستمرارية، وغياب تلك الوساطة بينهما ينتج القيد. إذاً ما هو العنف؟ وهل الخضوع يعني ذهاب السلطة؟ وهل تكون علاقة الخضوع تعبيراً عنه؟ يجيب هان أن هناك في الواقع خضوعاً طوعياً تسلكه الأنا لإخراج نفسها، أي تأكيد قوتها؛ ومن ناحية أخرى فإن الأنا تحاول الاستمرار في التغيير من خلال مستوى منخفض من الخضوع، وبالتالي يمكن للخضوع أن يتزامن مع الحرية، وإذا كان طوعياً فهو شكل من أشكال الحرية. لكن ما هو العنف؟ وهل يكون تعبيراً عن السلطة وفقاً لمستوى منخفض من الرفض أم أنه معارضة جذرية للسلطة؟ يجيب الباحث إن استخدام السلطة بعنف لا يعني القوة، ولا يشكّل جزءاً من ممارستها. بل على العكس من ذلك، فهو مرادف للعجز. لأنّ العنف يعارض القوة، ويحدث حين يكون مستوى الرفض صفراً تقريباً. لذا فإن السلطة هنا تعبّر عن نفسها من خلال فرض القوة، لكنها لا تستند إليها، بل تكون في حاجة لتأكيد نفسها من خلال العنف الذي يؤدّي إلى انهيار العلاقات بصورة غير مسبوقة. وأيضاً يكشف الباحث أن للسلطة أفقاً أكثر سعة من العنف، ولكن يمكن للعنف أن يغدو سلطة إذا منح نفسه مزيداً من الوقت، من هنا يشير إلى أنّ نيتشه كان أوّل من ربط بين معنى الفعل والقوة؛ فالتواصل مع الذات لديه يحدث في الأصل من أجل فرض نفوذ سلطة المرء على الآخر. وبينما تصوَّر نيتشه أنّ تسمية الأسماء هو حقّ للسيد، نجد أنّ السادة يضعون أختامهم على كلّ شيء، ويمنحون الصوت لكلّ حدث، لذا فإنّ للسلطة منطقاً يجعلها تختلف عن العنف، ويُكسبها أهمية عبر تشكيل أفقٍ من المعنى تُفَسَّرُ الأشياء وفقاً له.

 

منطق السّلطة وبنيتها الدلالية

 

يُعرّف الباحث السلطة بكونها علاقة سببية بين قوة الذات وقدرة الأنا على فرض ذاتها. من هنا تصبح عملية لا تتشكّل عبر تحييد الإرادة؛ لأنّ تحييدها يعمل على اختلال التوازن في السلطة نفسها. لذا يتجه نحو تفكيك إرادة السلطة ويتخذ من الفعل السلطوي أشكالاً مختلفة. ويشير إلى أنّ مسألة كيفية تحفيز الفعل مسألة مهمة لتحليل السلطة وفهمها، لذا يحلّل نموذج القهر، أي يحلّل السلطة بوصفها نوعاً من أنواع القهر والتي تعني نفاذ قرارات الفرد في مواجهة إرادة الآخر. ويقارن هان في فصل آخر بين نظرية ميشيل فوكو (1926-1984) للسلطة، والتي أقامها على أساس اللذة؛ أي بوصفها نوعاً من المرح أو اللعب، لكنه يقرّ أن فوكو تجاوز علوم الأنثروبولوجيا، وبين نظرية نيتشه التي عدّها أقرب إلى الروح الإنسانية؛ إذ إنّنيتشه عدّ متعة السلطة مستمدّة من الاستياء الذي عانته الذات من جرّاء التبعيّة والقهر، وإذا لم تكن خبرة الخضوع والتبعيّة وتجربتهما حاضرة، فإنّ متعة السلطة تغيب. من هنا يقوّم الباحث ممارسة السلطة على أساس التجارب والخبرات المؤلمة؛ فالشعور بالمتعة يكون بسبب اكتساب السلطة، أما المقصود بالعجز والخضوع للآخر فإن منطق السلطة على النقيض منه؛ إذ يصفه هان تحقيقاً للذات في الآخر ومن خلاله، والأمر لا يتعدّى تلك اللعبة منقلبة الأدوار، بل هي أيضاً استمرارٌ للذات وتواصلٌ معها.

 

ديكتاتورية الليبرالية الجديدة

 

يصفُ هان الليبرالية الحاكمة اليوم؛ بأنها أشدّ فتكاً وسحقاً للذات من أيّ نظام سلطويّ سابق؛ لأنها تُوهم بالحرية التي هي في الحقيقة الوجهُ الآخر للقهر. ويقول: “إذا كنت تتعامل مع الأمور من دون وعي بالقهر الذي تتعرّض له حريتك، فهذا يعني نهاية الحرية”. لهذا السبب يرى أننا في أزمة، وهي أزمة تعريف الحرية، أي أننا نعدُّ القهرَ حريةً، لذلك ليس ثمة مقاومة ممكنة. من هنا يمكننا عدّ أطروحته حول تفكيك نموذج الليبرالية الجديدة امتداداً للجهد النظري الذي وضعه الفلاسفة قبله، والتي تتمثّل في نقد المشروع الرأسمالي والثقافة المواكبة له. غير أنّ ما يجعل من طروحات هان مختلفة عن سابقيه، هو تحرّرهُ من الجوانب الأيديولوجية التي أثقلت النظريات القديمة، وأيضاً قابلية نظريته على ربط بعض الظواهر الثقافية ببعضها، الأمر الذي يضفي قدراً كبيراً من الأصالة والقيمة على أفكاره. وفي الوقت ذاته يلقي الضوء على التحوّل الطارئ على النموذج المعرفي الغربي، وكيف يرسّخ هذا النموذج كلّ النماذج التي سبقته.

 

يقول هان: “كلما أردّتُ أن أفكّر في الحلول، وصفتُ المزيد من المشكلات”. تكمن المشكلة في الطروحات التي صوّرها تشول هان في طرق الخلاص التي يضعها؛ والتي قد توصف بكونها فردية خالصة، ولا يمكن تعميمها على التجربة الإنسانية؛ وذلك لأنّ التحوّل الذي يصفه طرأ على النظام العالمي ككلّ، وليس على مستوى ثقافة محدّدة. لذا لا يمكن في الوقت الراهن تصوّر حلّ للمشكلات القائمة داخل النظام السلطوي في العالم الجديد.من هنا يمكن القول إن كتاب تشول هان “ما السلطة؟” هو بمثابة دعوة للانسحاب من حياة غارقة في السوداوية، لأنه لا أمل في البقاء والاستمرار في ظلّ الأوضاع العالمية الحالية، مدركاً قيمة الأثر الذي قد تلحقه أبحاثه في المتلقّي؛ “من المحتمل أن تؤدي كتبي إلى إلحاق الأذى، وذلك لأنني أُظهِرُ أشياء لا يرغب الناس في رؤيتها. لست أنا، وليس تحليلي هو الذي لا يرحم، بل العالم الذي نعيش فيه. إنه عالمٌ أحمق وغير معقول”.

(سيرياهوم نيوز ١-الميادين)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ملخص كتاب “كيف تقرأ شخصاً مثل الكتاب”

    كتاب “كيف تقرأ شخصاً مثل الكتاب” هو دليل عملي لفهم وتحليل لغة الجسد وتعبيرات الوجه والسلوكيات غير اللفظية للأشخاص. يركز الكتاب على كيفية ...