الدكتور محمد بكر
وفودٌ بالجملة بات قصر الشعب في دمشق مقصدها ووجهتها للتعرف عن قرب على رجل المرحلة الجديد في سورية قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، والبعض يصفه بقائد الإدارة الانتقالية في البلاد كما جاء على لسان الاعلامي في قناة العربية طاهر بركة الذي أجرى مع الشرع يوم أمس المقابلة الأولى على مستوى الإعلام العربي.
سمعت برويّةٍ مطلقة كل كلمة قالها السيد الشرع في مقابلته مع قناة الحدث ، بدا الرجل العسكري وربما ” الراديكالي الاسلامي” في فترة معينة في حياته، متمرساً في عالم السياسة وليس ابن الأمس كما يُقال ، هادئاً رصيناً يعرف مدى الإجابة بدقة على كل سؤال.
وفي تعمق أكثر والبحث في دلالات الكلام ومعانيه السياسية، لا أعرف لماذا وجدتُ هذه المقابلة هي تتويجاً للمقابلة التي أجراها أبو محمد الجولاني قبل ثلاث سنوات مع الصحفي الأميركي مارتن سميث ، وقتها لم يكن يُعرف اعلامياً بأحمد الشرع لكنه ظهر في تلك المقابلة مرتدياً البدلة الرسمية، وكان يُطالب فيها الإدارة الأميركية برفع الهيئة عن لائحة الإرهاب مقابل تقديم ضمانات بالسلوك المستقبلي للهيئة، وبدا جاهداً في مطلبه هذا على قاعدة أن الهيئة جزء من الثورة السورية وانفصلت كلياً عن تنظيم داعش والقاعدة وفي محطات كثيرة قاتلت داعش في الميدان السوري .
ربما منذ ذلك الوقت باتت العيون ترقب ذلك الرجل وتتسمر باتجاهه ، وهي ذات الفترة التي بدأت فيها الهيئة إعداد العدة للهجوم على حلب ، لكن جملة من التحولات السياسية والميدانية الكبرى أخرّت الترويج للبديل وقائد المرحلة.
بالتأكيد لايُمكن الجزم بأن القائد الشرع هو صنيعة أميركية أو تركية مطلقة وان بدا المشهد خلال أيام سقوط النظام السوري الإحدى عشر مرسوماً بدقة من الرئيس التركي تحديداً، ومباركاً من الجانبين الأميركي والروسي الذي لا يُمكن أن يرفع فيه بوتين اليد عن الرئيس المخلوع بشار الأسد إلا لقاء مكاسب سياسية أولها المصالح الاستراتيجية الروسية في المتوسط وهو ماألمح له السيد الشرع عن مكانة روسيا وأهميتها، وليس آخر تلك المكاسب التي ستظهر لاحقاً في أوكرانيا وشكل التسوية التي لن تطول بين روسيا والغرب .
حديث الشرع المطمئن ليس فقط لمحيط سورية الجغرافي وحفظ الأمن وتحديداً أمن الخليج لعشرات السنين القادمة ، وكذلك لجميع الدول بأن سورية لن تهتم الا بشأنها الداخلي السياسي والاقتصادي ولن تكون منطلقاً لا لتهديد محتمل ولا لتصدير الثورة إلى أية جغرافيا محيطة ، هو يمهد الطريق لتعاون عربي ودولي مع النظام السياسي الجديد في دمشق .
الأهم ومع كامل الإدراك لجهة أن صياغة دستور جديد لأي بلد يحتاج لوقت لكن ما أعلنه السيد الشرع عن فترة أربع سنوات لكتابة دستور جديد وثلاث سنوات لتنظيم انتخابات وتحديد هوية الرئيس هو وقت كبير جداً وسيؤثر بشكل مباشر على الحالة السياسية بصورتها العامة .
بقاء أي حكومة بصورتها المؤقتة لفترات طويلة وعدم انتخاب رئيس في وقت قياسي هو يقود لنوع من الفراغ السياسي ويؤثر على تكريس الشرعية الدولية بصورتها المثالية مايؤثر سلباً على الانطلاقة والبناء المتين لشكل وبنية النظام السياسي ، هنا قد يبدو تأخير الحصاد السياسي للسيد الشرع على قاعدة الدستور الجديد والرئيس المنتخب ربما لقيادة مرحلة لا قانون فيها ولا دستور فيها سوى مايُقرره الفاتحون والمُحررون وسلطة أمر الواقع الموجودة ولا نعرف ان كانت لغايات محددة أو كما قال الرجل أنها مرحلة ضرورية لإنفاذ قانون ودستور عصري يدوم لأطول فترة ممكنة.
أيّاً يكن فالمؤكد أن الرجل يسوّق نفسه باقتدار وحرفية متحولاً من ” الراديكالية الإسلامية” إلى الراديكالية بمفهومها الأساسي الثوري المولد للإصلاح والتغيير بعيداً من التقليدية السياسية والرجعية السياسية، وتالياً التأسيس لنظام جديد في الجغرافيا السورية في حده الأدنى يبدو لمصلحة الداخل السوري، ولا يبتعد كثيراً في حدوده القصوى عما أراد له الكبار أن يكون .
مانراه اليوم هو إحدى النتائج المباشرة للمرحلة التي تُدرس بهدوء التي تحدث عنها الرئيس أردوغان قبيل سقوط الأسد ، يحضر فيها أحمد الشرع بالخط العريض .
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم