| يوسف عبدالله محمود
مَن لان للخطب الشديد توقع الخطبَ الأشد “عبد المحسن الكاظمي”
كتاب “سلام بلا أرض” مجموعة مقالات للأكاديمي والمفكر البارز د. ادوارد سعيد هو بحق يتعرض لفترة من اشد فترات التاريخ العربي والفلسطيني المعاصر درامية ومأساوية.
ينتقد هذا المفكر “اتفاقية اوسلو”. ينتقدها بجرأة وشفافية. “… الامر الخطير في اتفاقيات اوسلو هو انها حددت حلاً مؤقتاً، يتمثل في الوضع المهين المسمى بالاستقلال الذاتي المحدود او الحكم الذاتي دون أية اشارة على الاطلاق تبين الوجهة التي ستنتهي اليها عملية السلام في مرحلتها الأخيرة”. (المرجع السابق ص 162)
هُمشت مدينة القدس وهي التي كان ينبغي ان تتصدر اتفاقية اوسلو بين الوفد الفلسطيني المفاوض والوفد الاسرائيلي، كان المفروض ووفق كلما د. ادوارد سعيد “استخدام لغة جديدة في التعامل مع قضية القدس”. (المرجع السابق ص 208)
وهذا مع الاسف لم يحصل.
وحقاً ما ذكره من “أن اخطر ما في الاتفاقية أو اخطر نتيجة لها، هي هزيمة الارادة الفلسطينية”. (المرجع السابق ص 209)
مع الاسف، فمع ان هذه الاتفاقية لم تكن متوازنة، وفيها من الثغرات ما فيها فإن اسرائيل اعتبرتها حبراً على ورق او كما قال رابين “انها ليست نصاً مقدساً”.
اتفاقية اوسلو قد فشلت تماماً في وقف عملية التوسع في المستوطنات الاسرائيلية، الطموحات الوطنية الفلسطينية كحق تقرير المصير والحرية السياسية والحق في دولة فلسطينية مستقلة، كل هذا ذهب في مهب الريح!
كما يقول مؤلف الكتاب: “إن اتفاق اوسلو لا توجد به جملة او نص واحد يشير الى حق تقرير المصير للفلسطينيين”. (المرجع السابق ص 203)
إن المشروع المرحلي الذي قبلت به القيادة الفلسطينية برئاسة الرحل ياسر عرفات -رحمه الله- أدى فعلاً الى الغاء الطموحات الفلسطينية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل رفعت اتفاقية اوسلو الظلم عن الفلسطينيين؟ الجواب طبعاً لا، بل زادته.
في كتابه ينتقد د. ادوارد سعيد موقف الكثير من المثقفين الفلسطينيين الذين تخلوا عن مبادئهم وقيمهم وراحوا يتحدثون عن مزايا اتفاقية اوسلو وانها ستحقق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .
انتهازية هؤلاء كشفت عن خيانتهم لقضيتهم المقدسة.
بدوره ينتقد هذا المفكر المؤقف الامريكي الداعم للاتفاقية المشؤومة. انه موقف يغطي على جرائم اسرائيل التي يذهب ضحيتها آلاف الفلسطينيين من شهداء وأسرى.
يتساءل ادوارد سعيد: “كيف قبلت نظمة التحرير الفلسطينية الوصف الاسرائيلي للفلسطينيين بأنهم مجرد سكان تقبل اسرائيل باقامتهم في أرض تتمتع هي بالسيطرة الفعلية عليها”. (المرجع السابق ص 162)
الغريب ان المقاومة الفلسطينية من اجل تحرير الارض المحتلة تم اعتبارها “ارهاباً” في العرف الامريكي والاسرائيلي اكثر من هذا فإن مادلين اولبريات حين كانت سفيرة امريكية في مجلس الأمن، طالبت الدول الاعضاء “إما إلى إلغاء او تعديل او تجاهل قرارات الامم المتحدة” والتي حسب زعمها يمكن ان تضر بالمفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والاسرائيلين”.
وفي كتابه يستذكر ادوارد سعيد مقولة لاسحق شامير رئيس وزراء اسرائيل الاسبق تدل عى ان هذه المفاوضات الثنائية كانت عبثية. قال شامير: “إن النية كانت معقودة على استمرار المفاوضات دون نتيجة لسنوات”. (المرجع السابق ص 152)
ان كل الاتفاقات التي عقدت بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي “عززت قبضة اسرائيل الاقتصادية على المستقبل الفلسطيني”.
ونتيجة لهذا التخاذل الفلسطيني والعربي ايضاً احس الفلسطينيون انهم لم يعودوا يملكون شيئاً!
كان ادوارد سعيد حين انخرط لفترة زمنية في منظمة التحرير الفلسطينية يعتقد ان هناك امكانية لتحقيق قدر من التكافؤ والتصالح يسمح بقيام سلام حقيقي.
لكنه فيما بعد، وبعد اتفاقية اوسلو أعلن انشقاقه عنها، وراح ينتقد مساوئها وثغراتها.
أدورد سعيد يقول وبكل جرأة “لم يسبق لي ان أيدت او آمنت قط بالحل العسكري بين الاسرائيليين والفلسطينيين”.
أكثر من هذا فهو يقول في كتابه ما قد لا يوافق عليه الكثيرون من الفلسطينيين “إني مؤمن ان ما خسرناه كشعب في عام 1948 هو شيء لا يمكن استرداده رغم كل المواثيق الدولية حول حقوق اللاجئين”. (المرجع السابق ص 151)
بدوري -مع احترامي لوطنيته- انتقده حيث يقول “وقد عارضت دوماً استخدام العنف والارهاب لاستعادة ما اصبح متعذراً -اخلاقياً وانسانياً- استعادته، نظراً لوجود شعب آخر”. (المرجع السابق ص 151) جدلية تستحق النقاش.
كان عليه ان يدين الارهاب الاسرائيلي ليميز بين المقاومة الفلسطينية المشروعة وبين الارهاب الذي يمارسه الاسرائيليون لا يجوز المساواة بين ارهاب صهيوني وبين مقاومة فلسطينية مشروعة تدافع عن ارض محتلة، لا يجوز المساواة بين القاتل والضحية.
(سيرياهوم نيوز3-رأي اليوم)