رستم محمود
في وقتٍ رحّبت فيه أحزاب وحكومة إقليم كردستان العراق بإعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، تتطلع أربيل إلى بناء علاقات سياسية وأمنية واقتصادية أكثر توازناً مع طهران، التي مارست طوال السنوات الماضية ضغوطاً متعددة الاتجاهات على الإقليم، الذي يُصنّفه المراقبون على أنه “الجار الأكثر ضعفاً”، وبالتالي الأكثر قابلية لتحمل الضغوط الإيرانية.
ورحّب رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني بوقف إطلاق النار، وكتب في منشور على منصة “إكس”: “الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار في الشرق الأوسط يتمثل في الحوار الشامل والبنّاء والتفاهم المشترك بين جميع الأطراف”.
وشكر بارزاني الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسائر القادة على التزامهم بـ”الديبلوماسية والحل السلمي للخلافات في هذه الفترة الحسّاسة والمهمّة”.
جاء ذلك في وقت استغرب فيه مراقبون امتناع إيران عن استهداف القوات الأميركية في إقليم كردستان بشكل مكثف خلال اليوم الأخير من الحرب، كما كان متوقعاً، واعتُبر هذا الامتناع بمثابة “ردّ امتنان” من طهران على مواقف الإقليم، كما عبّر القنصل الإيراني في كردستان محمد محمودي، في مؤتمر صحافي خاص بهذه المناسبة، حين قال: “المسؤولون في الإقليم اتخذوا مواقف جيدة في إدانة عدوان النظام الصهيوني منذ انطلاقه، بدءاً من رئيس الإقليم ورئيس الاتحاد الوطني”.
ملفات عالقة وضغوط متوقعة
ثمة ثلاثة ملفات رئيسية عالقة منذ سنوات بين إيران والإقليم، ظلت طهران تتعامل معها من موقع “الطرف الأقوى تماماً”، وتمارس أقصى درجات الضغط على كردستان. لكن الإقليم، بحسب مصادر سياسية كردية، يسعى حالياً إلى إعادة ضبط تلك الملفات وإدارتها بشكل أكثر توازناً.
ويقول مصدر سياسي كردي لـ”النهار”: “المسألة الأولى تتعلق بكيفية استخدام إيران لحلفائها وأدواتها ضمن العراق في تعاملهم مع إقليم كردستان. طوال السنوات الماضية، عملت القوى السياسية العراقية المقربة من إيران على خلق مختلف أشكال العوائق السياسية والتشريعية أمام الإقليم، خصوصاً في الملف المالي. في الوقت نفسه، لم تتوانَ الفصائل المسلحة عن مهاجمة الإقليم وخلق اضطرابات أمنية داخله، سواء في مواقع استراتيجية مثل مطار أربيل، أو منشآت اقتصادية مثل حقول الغاز. ونتوقع من إيران الآن أن توقف هذه الممارسات بالكامل، لأنها أصبحت بحاجة إلى تعزيز علاقاتها الإقليمية بدلاً من السيطرة التامة على محيطها”.
ويضيف المصدر: “نتوقع أيضاً أن تتوقف إيران عن ممارسة الضغوط العسكرية على الإقليم من خارج الحدود، بذريعة وجود مقاتلين وأحزاب كردية إيرانية على أراضيه، علماً بأنهم لاجئون تاريخيون يقيمون في الإقليم تحت رعاية أممية. الدولة الإيرانية ستنصرف على الأرجح إلى ترتيب أوضاعها الداخلية خلال المرحلة المقبلة. ومع تراجع حدة الضغوط، يصبح تطلع إقليم كردستان لبناء شراكة اقتصادية مع إيران أكثر واقعية، خصوصاً في ظل حاجة طهران إلى تنمية اقتصادية مستدامة، لا سيما في محافظاتها الشمالية الغربية الثلاث المتاخمة لحدود الإقليم. وإيران لن تضع على هذه الشراكة شروطاً سياسية كما فعلت في السابق”.
تحوّل تقليدي
في السياق ذاته، يرى الكاتب والباحث السياسي شفان رسول، في حديث مع “النهار”، أن ثمة تحولاً تقليدياً في طريقة تعاطي إيران مع كردستان، ويقول: “تاريخياً، كانت العلاقة بين إيران وكردستان تتسم بالتركيب والتعقيد؛ إذ لم تكن طهران ترغب في أن يتضخم دور كردستان بحيث يتجاوز الحدود، خشية أن ينعكس ذلك على أكرادها في الداخل، لكنها في الوقت ذاته كانت تعتبر الإقليم طرفاً عراقياً موثوقاً، وسبق أن دعمت الحركات الكردية المتمردة تاريخياً”.
ويضيف: “العلاقة بين الطرفين تدخل أعلى درجات التنسيق في فترات ضعف إيران، أو عندما تشعر بتهديد من كيانات إقليمية كبرى. حدث ذلك أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وقبلها خلال الاحتلال الأميركي للعراق. ويبدو أن سيناريو كهذا يتكرر اليوم، ولو لفترة زمنية محدودة، وتصريحات الجانبين تشير بوضوح إلى هذا الاتجاه”.
العلامات
وقد يقود ذلك إلى تغييرات بنيوية كبرى في المنطقة ويعيد خلط الأوراق، حتى ولو كان هناك بطبيعة الحال الكثير من الشكوك التي لا تزال قائمة في حالة الدمار الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني، والوضع الذي سيطرأ بعد هذه المواجهات وهل سيؤدي إلى مفاوضات بشأن البرنامج النووي أو البرنامج الصاروخي أو نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وهذا أيضاً يطرح السؤال هل بالإمكان التوصل الى تسوية ديبلوماسية للحد من هذه النشاطات مستقبلاً وتجنب خطر سباق جديد نحو التسلح النووي في المنطقة؟
ويعتقد التحليل الفرنسي لنتائج هذه الحرب على النظام الإيراني أنه أصبح، بلا شك، أكثر ضعفاً واضطراباً وستظهر تداعيات داخلية في إيران حتى ولو تم تجنب منطق تغيير النظام من الخارج.
وخلاصة القراءة الفرنسية لما حدث أن من المرجح جداً أن تشهد المنطقة تغييرات، إذ من المنطقي أن تؤدي هزيمة إيران إلى إضعاف الجماعات التابعة لها وأن تجبر في الحد الأدنى على تجديد نفسها، وأن تتغير موازين القوى في بلدان هذه الجماعات التابعة لإيران ومنها لبنان والعراق.
إلى ذلك تعوّل باريس على ضرورة الاهتمام بملف غزة، خصوصاً لجهة وقف النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية. وباريس مستمرة في الإعداد مع السعودية لمؤتمر حل الدولتين الذي كان تم تأجيله بسبب الحرب الإسرائيلية على إيران.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار