نبيه البرجي
مشكلتكم أنكم تشترطون على المرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون فاسداً، أو أن يصبح فاسداً. كنتم ترون في ميشال عون المثال في النزاهة والفاعلية، ولكن كان عليه، ليصل، أن يمد يده الى كل الأيدي الملطخة، حتى اذا ما وطأ باب القصر، غاص في المحاصصة، بوجهيها السياسي والطائفي، وهي ذروة الزبائنية السياسية”.
هذا كلام سفير سعودي سابق في بيروت. أضاف “حين أعلن السفير وليد البخاري ألاّ فيتو للمملكة على أي من المرشحين، ذهبتم بعيداً في التفسير، على شاكلة بعض الفقهاء، لتغسلوا أيدي، أو ماضي، أو حاضر، فلان وفلان الذي قد يكون جزءاً من المنظومة التي عاثت خراباً في البلاد على مدى ثلاثة عقود، وهي جاهزة للمضي في ذلك لثلاثة قرون اذا ما بقيتم في الحالة الراهنة، وأنتم الذين تحتاجون الى جهود جبارة للخلاص”.
يأخذ على “أهل التفسير، والتأويل، والاجتهاد، القراءة بعين واحدة. لم يربطوا ما بين التصريح عن اللافيتو والتصريح الآخر الذي رأى فيه السفير أن المهمة الأولى للرئيس العتيد محاربة الفساد، ودون أن يكون رجل التحدي، فهل تريدون كلاماً أكثر وضوحاً من ذلك؟…”
بعد حصول ما حصل في بكين، وفي جدة، لم يعد يفاجئنا قول ديبلوماسي سعودي، وقريب من البلاط، “قطعاً لا نريد رئيساً يكون عدواً لسوريا، وهي بوابتكم الى المحيط العربي، فضلاً عن كونها، تاريخياً وجغرافياً، القلب النابض للمنطقة العربية. كما لا نريده أن يكون عدواً لطهران، وحيث بات جليّاً أن آيات الله تخلوا عن السياسات الايديولوجية، وأخذوا بالنظرة البراغماتية في مقاربة التوازن مع البلدان المجاورة ان في المصالح الجيوسياسية أو في المصالح الجيوستراتيجية”.
واثق من أن أحداً لا يستطيع وقف مسار تنفيذ الاتفاق الذي عقد في بكين، وبرعاية شي جين بينغ. “هذه هي رغبتنا بعدما لاحظنا الى أين تقودنا الصراعات، وهذه هي رغبة الايرانيين. ومثلما تقولون باللهجة اللبنانية، مشوارنا طويل بيننا وبينهم، وان شاء الله يكون مفروشاً بالورود، لا بالأشواك، ولا بالدماء”…
حين يسأل ” ولكن بعض أصدقائكم، أو حلفائكم، يتخذون من العداء المباشر، والعلني، والأبدي، لكل من سوريا وايران، شعاراً لسياساتهم في الداخل وفي الخارج”، يجيب “نحن لا نضغط على أحد لتغيير رأيه، أو لتغيير موقفه، لكننا نعتقد أن مجرى الأحداث لا بد أن يؤثر، ايجابياً ، عاجلاً أم آجلاً، على الساحة اللبنانية”.
السفير لم يقل “اياكم وتكرار اليوم الأسود عام 2016 (انتخاب الجنرال ميشال عون) عام 2023″، غير أن ما يستشف من كلامه تبنيه هذا القول، لندعنا نسأل “ألن يكون على أي مرشح، مهما كان بعيداً عن أوليغارشيا الفساد، أن ينتخب بأوراق هذه الأوليغارشيا؟”…
قد يكون ذلك ما يفرضه الواقع اللبناني، الواقع الدستوري ولو في الشكل. بيد أن ما نفهمه من زملاء سعوديين أن علينا اختيار رئيس الدولة بمنتهى الدقة، وبمنتهى الحصافة، ودون “اثارة الصدمة لدى من يسعون الى انقاذكم، وانقاذ بلادكم، مما تصفونه بـ … جهنم”!
اذاً، البوابة السعودية ستكون مفتوحة أمامنا (وهي بوابة النهوض الاقتصادي والمالي) اذا ما أتينا برئيس للدولة من خارج المنظومة. ماذا عن البوابة القطرية، وحيث الرفض القاطع لأي رئيس “نصفه في بيروت ونصفه الاخر في دمشق”.
للقطريين رأيهم في شخصية الرئيس وفي اسم الرئيس، وقد بذلوا جهوداً لتسويق هذا الاسم، مستندين الى علاقتهم الوثيقة مع ايران، دون الأخذ برأي من قال لهم أن الطريق الى بعبدا لا بد أن يمر بدمشق ايضاً.
هنا يوجد من يطرح هذا السؤال “هل يشق السعوديون الطريق بين الدوحة ودمشق عبر قبول السوريين بشخصية تكون على علاقة متوازنة مع الأطراف كافة”؟
البعض في لبنان، من أهل القرار (هل من رأي ومن قرار بعد اتفاق بكين؟) بعيد عن الكلام الذي أوردناه. المستشرق الشهير هنري كوربان قال “مشكلة الأديان أن الفقهاء تجاوزوا كل الحدود المنطقية لهذه الأديان”. ألا ينطبق ذلك على السياسات؟
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)