رانا ابي جمعة
في تركيا، الناس مقسومون إلى فسطاطين. ببساطة، هم إما مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وإما ضده. ولهذا رأينا تحالفات انتخابية، عمادها حزب كبير بشعبية واسعة، وأحزاب صغيرة التصقت به.
سأبدأ من التساؤل الذي طرحته في ختام مقالي في السادس عشر من الشهر الجاري تحت عنوان “انتخابات تركيا… بلاد ما بين بحرين” عن إمكانية اختصار الديمقراطية بصناديق الاقتراع.
رغم “غزوة 14 مايو/أيار”، حين وصلت نسبة الإقبال والتصويت إلى 88.92%، فإن العملية الانتخابية ليست إلا مؤشراً على الديمقراطية، واختصار العملية برمتها بمحطة لا تتعدى 24 ساعة هو محض تبسيط لهذا الشكل من أشكال الحكم. لذلك، رأينا تصنيفات، كالديمقراطية الكاملة والديمقراطية المعيبة والديمقراطية الهجينة.
كثيرة هي التوصيفات التي أطلقت على هذه الانتخابات. منهم من وصفها بأنها تاريخية، ومنهم من وصفها بأنها مفصلية، ومنهم من اكتفى بتأكيد أهميتها. لنضِف إلى جانب أهميتها خطورتها المجتمعية.
في تركيا، الناس مقسومون إلى فسطاطين. ببساطة، هم إما مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وإما ضده. ولهذا رأينا تحالفات انتخابية، عمادها حزب كبير بشعبية واسعة، وأحزاب صغيرة التصقت به، برغم أيديولوجيتها السياسية المتناقضة، إلا أن الهدف واضح، وهو واحد من الاثنين: “مع” أو “ضد”، وهذا ما لا علاقة له بالديمقراطية.
وفي تركيا أيضاً، تابعنا حملات انتخابية أقرب إلى إعلان حرب إلغاء على الآخر. سمعناها على ألسنة مسؤولين كبار في السلطة والأحزاب. أما جديدها اليوم، وهو ما يؤكد الخطورة المجتمعية لهذه الانتخابات، فهو ما تتم الدعوة إليه في بعض المساجد. على سبيل المثال، وهذا ما تسنى له الخروج إلى العلن، وبالتالي التفاعل، ما قاله مراد غوندودو، إمام مسجد جيبجى في منطقة سلطان غازي في إسطنبول. الإمام، وخلال خطبة الجمعة في التاسع عشر من الشهر الجاري، دعا صراحة إلى حمل السلاح خلال جولة الإعادة.
في تركيا، وفي معرض الحديث عن الديمقراطية، لا يمكن إلا الإشارة إلى التعددية الحزبية كنقطة إيجابية على جبين الحياة السياسية التركية، ولكن أيضاً لا بد من الإشارة إلى خطورة وصول نواب عن أحزاب توسم بالإرهاب، كحزب “هدى بار” المتحالف مع إردوغان، الذي أصبح لديه 3 ممثلين تحت قبة البرلمان، مع الإشارة إلى أن من المستبعد أن يقسم هؤلاء النواب الثلاثة اليمين الدستورية، حيث التأكيد على الوفاء للجمهورية الديمقراطية والعلمانية ولمبادئ أتاتورك وإصلاحاته. ربما هذا ما يفسر تأجيل أداء القسم للنواب، الذي يفترض حصوله بعد أيام قليلة على صدور النتائج.
وفي تركيا، حيث يرجح كثيرون دخول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان العقد الثالث من حكم البلاد، لا يمكن التغافل عن الأرضية الانتخابية غير المتكافئة بين الموالاة والمعارضة.
وهنا، تبرز اعتراضات المعارضة من خلال التغطية الإعلامية، إذ إن أغلبية وسائل الإعلام تقع تحت سلطة الدولة، ولم يتبقَّ إلا عدد قليل في موقع المعارضة، فلجأت الأخيرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، كما يفعل مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، ولكن هذا لا يستقيم مع أناس قابعين في الأرياف، حيث لوسائل الإعلام التقليدية سطوة الملك.
وبحسب إعلان المعارضة صراحة، خلال شهر نيسان/أبريل الفائت، حصل الرئيس إردوغان على ما يقارب 33 ساعة من البث على محطة التلفزيون الرئيسية التي تديرها الدولة، فيما حصل خصمه كليجدار أوغلو على 32 دقيقة.
إذاً، هل هناك أمل بفوز كمال كليجدار أوغلو؟
رغم وصف المرشح الرئاسي عن تحالف الأجداد الخاسر، سنان أوغان، نواب حزب العدالة والتنمية بأنهم “كلاب ضالة” بعد شجار تحت قبة البرلمان في 4 آب/أغسطس 2014، لم يكن مفاجئاً دعمه للرئيس إردوغان؛ فالشروط التي يضعها لتجيير أصوات مؤيديه إلى أحد المرشحين غير قابلة للنقاش مع كمال كليجدار أوغلو، ففكّ الارتباط الضمني مع القاعدة الشعبية لحزب الشعوب الديمقراطي أمر غير وارد، في حين أن لدى إردوغان ما يعطيه له. وقد بدأ الحديث عن توزيع للوزارات، وهو السيناريو الذي يمكن أن يتكرر مع إعلان رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ دعمه لكليجدار أوغلو.
إذاً، إذا افترضنا أن نسبة 5% التي حصل عليها سنان أوغان توزعت على المرشحين، هل من شأن ذلك رفع حظوظ مرشح المعارضة في الفوز؟
كما تظهر التصريحات، من الواضح أنّ الارتباك هو سيد الموقف لدى كمال كليجدار أوغلو، وإلا كيف لنا أن نفهم الانتقال من لغة تصالحية إلى لغة يمينية متطرفة بين ليلة وضحاها؟ كيف لنا أن نفهم جرّ المعارضة إلى المربع الذي يريده من يُطلقون عليهم اسم القوميين في تركيا، بحيث تصبح أزمة اللاجئين السوريين أمّ الأزمات؟
أيام قليلة ونرى ما قد يأتي به تبني المعارضة هذا الخطاب الحاد والمستهجن، فمقولة إن من يسيطر على البرلمان له أفضلية الفوز بالرئاسة، طمعاً بالتناغم السياسي والاستقرار، لا تصلح مع النظام الرئاسي الذي تكون فيه الكلمة الفصل للرئيس، والرئيس وحده.
سيرياهوم نيوز1-الميادين