آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » كل الأحبّة كانوا في الجنازة (والآخرون أيضاً): زياد الرحباني… تشييع شعبي من الحمرا إلى بكفيا

كل الأحبّة كانوا في الجنازة (والآخرون أيضاً): زياد الرحباني… تشييع شعبي من الحمرا إلى بكفيا

سار الموكب بين الناس، وساروا هم خلفه تصفيقاً وغناءً وبكاءً، ورمَوا الورود والأرُز للحبيب المسجّى في النعش. لقد كانت تلك لحظة توّجت زياد الرحباني ملك الساحة ع بياض.

 

الخط

كلهم أتوا. بكل تناقضاتهم، من الحمرا إلى بكفيا. أتوا من خلف آلاتهم، من مسرحهم، من صحفهم، ومن حياتهم اليومية، طلاباً وموظفين، وأناساً عاديين أحبّوا زياد الرحباني حتى الدمع الأخير.

لم يثنِهم أنّ يوم الإثنين، ظلّ يوم عملٍ عاديّاً ولم يُعلن يوم حداد رسميّاً كما طالبوا على منصات التواصل. ورغم بقاء السير قائماً في الحمرا، استطاع زياد أن يقفل السير مرةً أخرى في الشارع. اجتمع محبّوه والسمة المشتركة: الوجوم حدّ الاختناق.

• وردة وتحية

بدأ التجمّع أمام «مستشفى خوري» في الحمرا قرابة الساعة السابعة صباحاً، بعدما قرّر رفاق زياد الالتقاء لإلقاء التحية عليه قبل انطلاق الموكب إلى «كنيسة رقاد السيدة» في المحيدثة في بكفيا. منهم مَن قام بترديد أغانيه، والأغلبية بكت لسماع مقطع من أغانيه.

تشقّ الأسيرة المحرّرة سهى بشارة طريقها بين الحشود أمام «مستشفى خوري» في الحمرا، حاملةً باقة من الورد الأحمر، وتوزّعها على الحضور. أتى طارق تميم أيضاً، وربيع الزهر، وأحمد قعبور، وزياد سحاب، وندى أبو فرحات، وطبعاً رفيق دربه أحمد مدلج.

بعد قرابة الساعة ونصف الساعة، علا التصفيق والبكاء، فقد خرج الحبيب في النعش، ليودّع محبّيه. لم يتمكّن ابن عمّه غدي الرحباني من حبس دموعه وهو جالس في السيارة الأمامية التي تنقل النعش.

وبعد تحية لزياد أمام المستشفى، سار الموكب بين الناس، وسار الناس خلفه تصفيقاً وغناءً وبكاءً، ورمَوا الورود عليه، قبل أن يتّجه بعيداً، نحو بكفيا. أثناء المسار، توقّف لدقائق في ساحة انطلياس حيث تُليت الصلاة لروحه، وأكمل طريقه صعوداً.

• لافتات وداعيّة على طول الطريق

من انطلياس إلى مزرعة يشوع وبكفيا، رُفعت لافتات حملت صور زياد كُتب عليها «بلا ولا شي» و«أنا صار لازم ودّعكم». وصعوداً نحو المحيدثة، قطعت القوى الأمنية الطريق باتجاه الكنيسة، والمسار الباقي سيراً على الأقدام. عند قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف، وصل موكب غامض، تقدّمته سيارة يقودها النائب إلياس بوصعب. تترجّل منها الفنانة جوليا بطرس، ثم يحاول بوصعب ركن السيارة عند مدخل باب الكنيسة، ليلتمّ الناس حولها، كأنّ حدسهم قادهم إلى فيروز.

فجأة يصدح صوت
«ممنوع التصوير، السّت
فيروز ما بدها تصوير»

وفجأة، يصدح صوت «ممنوع التصوير، السّت فيروز ما بدها تصوير»، وكأنّ قرار المنع أشبه بنداء لمن لا يعرف أنّ سيدتنا قد وصلت. احتشدت الكاميرات، ورُفعت الهواتف عالياً لالتقاط مشهد لأم زياد.

ترجّلت ريما ثم فيروز وتوجّهتا إلى داخل الكنيسة حيث وُضع نعش زياد. جلست فيروز أمام بكرها لتبكيه بصمت، ثم عادت ودخلت صالة العزاء، وجلست في الزاوية صامتةً وهادئة لساعات، لتواسي وتُواسى بزياد.

ومن قلب سكونها وحزنها، بدأت استعراضات المزايدين في حبّ زياد، وسط تعجّب واستغراب الحاضرين. جلست ريما على يمين والدتها، وجنبها جلست هدى حداد، وزوجة رئيس مجلس النواب رندة بري على يمينها، وتوسّط أبناء منصور صفّ العائلة، فيما جلس غسان الرحباني قرب ريما.

في آخر الصف، جلس أمين عام «الحزب الشيوعي اللبناني» حنا غريب، ومعه عدد من قدامى الحزب. وحضر أيضاً عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب إبراهيم الموسوي.

• التناقض في حب زياد

بدأ توافد المعزّين من كل تناقضاتهم نجوماً وفنانين وممثّلين ومخرجين ومبدعين: وصل مرسيل خليفة وشقيقه أنطوان وشربل روحانا، ثم وصل الشاعر الكبير طلال حيدر، ورافقه خليفة إلى صالة العزاء.

وأتى خالد الهبر ونجله ريان، والفنان المصري حازم شاهين، ولينا خوري وكارول سماحة، وجورج شلهوب وجوزف عازار ونجله كارلوس، والليدي مادونا، ومايا دياب، وهيفا وهبي، وراغب علامة، وعاصي الحلاني، ومحمد إسكندر، ونجوى كرم، ومحمد الدايخ وشقيقه حسين، وحسين قاووق، ونادر الأتات، وريتا حايك، ونزار فرنسيس، وجورج نعمة، وماجدة الرومي، ورندة كعدي وغيرهم.

  • قبلة الصدق (هيثم الموسوي)
    قبلة الصدق (هيثم الموسوي)

كما حضر سياسيون، من السيدة الأولى نعمت عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الإعلام بول مرقص والثقافة غسان سلامة، ورئيس حزب «الكتائب» السابق أمين الجميّل، ورئيس «حركة الشعب» نجاح واكيم، ورئيس حزب الوطنيين الأحرار كميل شمعون.

في وقت تنافس فيه النجوم للحديث عن زياد، اكتفى أصدقاؤه بتعزية بعضهم، ورفضوا الحديث علناً. وكانت كارمن لبس، وصلت بهدوء، اقتربت من النعش وقدّمت القبلة الأخيرة لحبيب العمر، وعادت لتجلس بهدوء وحزن. أما الأخت مارانا سعد، فقد طلبت من الربّ أن يكافئه على كلّ ما قدّمه لهذا الوطن، وللفن والمدرسة اللبنانية.

جمع زياد هذه التناقضات في مشهد يعكس الإجماع حوله. لكن لو كان زياد بيننا وشاهد مراسم وداعه لقال «شو هالعجقة هي» على حدّ تعبير صديقته الصحافية ضحى شمس التي وصفت زياد بأنّه كان مرجعاً في أي عمل تقوم به. وقالت إنهما كانا صديقي لعب، فهو كان يحب اللعب معهم وفيهم، لتتحول أي لحظة جدّية إلى نكتة وضحكة. والعمل معه كان صعباً وجميلاً، لأنه يحبّ الكمال ولا يحبّ الإهمال، ويغضب إن لم يقدّم أحدهم أفضل ما لديه.

أتى خبر موت زياد كالصاعقة على الممثّلة رندة كعدي، التي وصفته بضمير الوطن. ورغم أنها شاهدت كل أعماله، فهو أيضاً شاهد كل مسرحياتها، لكنهما لم يجتمعا في عملٍ واحد، وانهمرت بالبكاء متمنّيةً «يا ريتك تضل».

وفجأة يظهر بين الحضور عاصي زياد الرحباني، الذي أتى خصّيصاً من دبي. ربما يشكّل حضوره مفاجأة، لكن ما كُتب في الإعلام عن مشاكل البيوت، لا يعكس حقيقة أعمق، بين أبٍ وابنه، ولو فقدا رابط الدم. وكان عاصي قد نعى زياد على صفحته على فايسبوك أمس بمقولة لجبران خليل جبران: «المحبّة لا تعطي إلا ذاتها، ولا تأخذ إلا من ذاتها. لا تملك شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأنّ المحبة مكتفية بالمحبة».

• سأدفن ابني لوحدي

يجمع الحضور على حبّ زياد وعلى عتبهم على غيابه. والكل يلتفت ليسأل عن فيروز. وصفها بعضهم بالـ«قديسة».

دفنت بالأمس ثاني أولادها، بعدما دفنت ليال في العام 1988. يومها رتّلت «أنا الأم الحزينة»، لكن بالأمس لم تهمس بكلمة.

زياد ليس بكرها فقط، بل هو امتداد والده الراحل عاصي الرحباني، هو الذي صنع صورة فيروز الفنّية الجديدة. هو الذي جعلها تضحك على المسرح وتغنّي للبوسطة، وجعلها تقول «بس هو هي».

تشقّ الأسيرة المحرّرة
سهى بشارة طريقها بين
الحشود حاملةً باقة من الورد

عند الساعة الرابعة عصراً، بدأت صلاة الجنازة، وعند قرابة الخامسة والنصف، خرج نعش زياد، ليُلقي محبّوه التحية الأخيرة عليه. ورقص الزياد بين أيديهم، وصفّقوا له، ودخل إلى سيارة نقلته، وحيداً، إلى مثواه الأخير. إذ إنّ قرار فيروز كان واضحاً: «سأدفن زياد لوحدي» حيث المقبرة التي بنتها قرب منزلها في شويّا في قضاء المتن.

• المثوى الأخير

في بكفيا، وُلد عاصي الرحباني عام 1923، وتلاه شقيقه منصور عام 1925. عمل والدهما شرطياً في البلدة، وتلقّى الأخوان دراستهما الأولى في مدارس البلدة، وتكوّنا ثقافياً ضمن مناخٍ محافظ إلى حدّ ما، يجمع بين القيم المسيحية والعائلية والروحية.

لم تكن بكفيا مجرّد مكان للنشأة، بل بيئة اجتماعية وثقافية أثّرت بعمق في المخزون البصري واللغوي والموسيقي لدى الأخوين. العديد من الصور التي حضرت لاحقاً في مسرحيات الرحابنة، مثل الجبال، الساحة، المختار، الفتاة القروية، الغابة، الكنيسة، الجنازات، الأعراس، كلّها تعود في أساسها إلى المشاهد اليومية في بكفيا.

تمرّد زياد الرحباني على هذا المخزون، وقرّر انتماءه وحياته، بمعظم تفاصيلها خارج سياج الرحابنة، وانطلق في الدنيا، وخاض تجارب جعلته «أسطورتنا».

ورغم أنّ إرث العائلة بقي في بكفيا، في أعالي المتن، حتى بعد وفاة عاصي عام 1986، خصوصاً كمقرّ عائلي، إلا أنّ زياد اليساري ما كان له هذا الارتباط، بل بنى قطيعة مع الطابع اليميني الذي طغى على المنطقة. لكن بعد رحيله، خسر سلطته على نفسه، وقرّرت العائلة أنّ هذا اليوم لها، ليعود زياد إلى عائلته وجذورها، وتتحوّل بكفيا أمس إلى مثوى زياد الأخير.

 

 

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات_الاخبار

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مبادرة سورية لتطوير الثقافة الرقمية والذكاء الأخلاقي

  راغب ملّي   عندما اختارت لينا حمود أن تطلق مشروعاً استشارياً في طرطوس عام 2021، لم يكن الهدف تقديم خدمات تقليدية للشركات الصغيرة أو ...