جاك وهبه:
تواجه الحكومة السورية الجديدة استحقاقاً اقتصادياً بالغ التعقيد، يتمثل في إعادة إحياء القطاع الصناعي، الذي شكّل لعقود طويلة إحدى ركائز الاقتصاد الوطني. فعلى مدار أكثر من عشر سنوات، تلقّت الصناعة السورية ضربات قاسية نتيجة الحرب، تمثّلت في تدمير البنى التحتية، وتوقّف خطوط الإنتاج، ونزيف الكوادر البشرية المؤهلة. ورغم تعدّد المبادرات والمحاولات التي قامت بها الحكومات السابقة، إلا أن معظمها لم ينجح في معالجة الأسباب العميقة للأزمة، وظلّ ضمن إطار الحلول المؤقتة أو غير المجدية.
رؤية واقعيةاليوم
ومع تشكيل حكومة جديدة، تُطرح مجدداً أسئلة ملحّة..هل تملك هذه الحكومة رؤية واقعية لتحفيز الصناعة؟ وما الأولويات التي ينبغي أن تتصدر جدول أعمالها، إذا كانت جادة كل العيون على الحكومة.. فهل تبدأ بالملف الأصعب؟
السوق التنافسي
رئيس المجلس المحلي للمدينة الصناعية في عدرا، الصناعي محمد بشار الحلاق، أشار في حديث خاص لصحيفة الثورة إلى أن أحد أكبر الأخطاء التي ارتُكبت خلال السنوات الماضية كان الاعتماد على سياسات الحماية المطلقة، التي استُخدمت كغطاء لفرض منتجات محلية رديئة الجودة بأسعار مرتفعة، في غياب أي منافسة حقيقية.
وأكد أن تلك السياسات خدمت شريحة ضيقة من الصناعيين والتجار، على حساب المستهلك، الذي وجد نفسه مضطراً لشراء منتجات لا ترقى إلى الحد الأدنى من الجودة، بأسعار تثقل كاهله، وبرأيه، لم تكن تلك حماية حقيقية للصناعة، بل عزلاً لها عن التطور والتحديث، وتحويلاً للاحتكار إلى سياسة رسمية تحت عنوان “دعم الإنتاج الوطني”.
لكن- وبحسب الحلاق- الوضع بدأ يشهد تحولاً مع التوجه الحكومي الأخير نحو آليات السوق الحرّ التنافسي، وهو ما خلق بيئة جديدة تدفع الصناعيين إلى تحسين جودة منتجاتهم لئلا يخسروا موقعهم في السوق، مشيراً إلى أن انخفاض الأسعار مؤخراً، وزيادة الوعي الاستهلاكي لدى المواطنين، فرض واقعاً جديداً لا مجال فيه للبقاء إلا لمن يُحسن إنتاجه.
خارطة طريق للنهوض
ولفت الحلاق إلى أن هذا التحول لا يمكن أن يكتمل ما لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لتخفيف أعباء الإنتاج، وتهيئة بيئة صناعية عادلة ومتوازنة، والمتمثلة بإعفاء المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج من الرسوم الجمركية، لما لذلك من أثر مباشر على خفض تكلفة المنتج النهائي.
إضافة إلى ذلك، أشار الحلاق إلى أهمية إعفاء الآلات وخطوط الإنتاج من الضرائب والرسوم، وإعادة النظر في سياسات استيراد المواد الجاهزة، بحيث لا تُترك الأسواق فريسة للمنتجات الأجنبية منخفضة الجودة، ولكن دون العودة إلى الحماية الكاملة التي تُشجّع على الاحتكار الداخلي، إضافة لخفض أسعار الكهرباء والمحروقات المخصصة للقطاع، بما ينسجم مع ظروف التشغيل الفعلية، مؤكداً أن تكاليف الطاقة تُعدّ من أبرز العقبات أمام المنافسة والتصدير.
السيولة المحبوسة… وغياب العدالة الاجتماعية
واحدة من أبرز المشكلات التي توقف عندها الحلاق هي تجميد الحسابات المصرفية الخاصة بالصناعيين، حيث توجد مبالغ طائلة لا يمكن الاستفادة منها بسبب القيود المفروضة، وبرأيه، فإن الإفراج عن هذه السيولة، حتى لو جزئياً، كفيل بتحريك عجلة الإنتاج من جديد، وتوفير تمويل ذاتي يمكن أن يغني عن القروض أو الدعم الخارجي.
وقال أيضاً: “العامل الذي لا يتقاضى أجراً يكفي لتأمين غذائه ودوائه لن يكون قادراً على الشراء، وبالتالي لن يكون هناك طلب فعّال، ولا حركة إنتاج، فتحسين الأجور ليس ترفاً، بل هو جزء من السياسة الصناعية، ومن دون استقرار اجتماعي لن يكون هناك استقرار اقتصادي”.
بوابة التصدير
وأشار الحلاق إلى ضرورة تفعيل دور هيئة المواصفات والمقاييس، ليس فقط لضبط الجودة في السوق المحلي، بل أيضاً لتأهيل المنتج السوري لدخول الأسواق الخارجية، خاصة في ظل فرص تصديرية متزايدة يمكن استثمارها إذا توافرت الشروط الفنية.
وأكد أن دعم التصدير يجب أن يكون جزءاً من إستراتيجية وطنية شاملة، تبدأ من دعم الإنتاج، وتمرّ بتسهيل التمويل، وتنتهي بفتح أسواق جديدة، من خلال الترويج، والمشاركة في المعارض، والاتفاقات التجارية.
نموذج للتعافي
وكشف الحلاق، أن الإدارة الحالية للمدينة الصناعية في عدرا تعمل على تذليل العقبات أمام المستثمرين والصناعيين، وتهيئة بيئة استثمارية قادرة على جذب رؤوس الأموال من الداخل والخارج، كما يتم العمل على معالجة التشوهات التي خلّفها النظام الاقتصادي السابق، وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والقطاع الصناعي على أسس من الشفافية والتكامل بهدف استعادة الدور الريادي لسوريا كبلد منتج لا مستهلك فقط، بلد يصدّر لا يستورد، وينافس بجودة منتجاته لا بحمايتها، ويعيد تشكيل هويته الاقتصادية التي طالها الكثير من التشويه والضعف.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-الثورة