| حسن حردان
فوجئت قوات الاحتلال الصهيوني الداخلة إلى مخيم جنين بكمين محكم نصبه لها رجال المقاومة، تضمّن بداية تفجير عبوة ناسفة كبيرة تزن نحو 40 كلغ ادّت إلى إعطاب آلية عسكرية وجرح 7 جنود صهاينة.. على انّ القوة الصهيونية التي اقتحمت المخيم واعتقلت مطلوبين، لم تتمكن من المغادرة بعد أن وجدت نفسها محاصرة من قبل المقاومة التي فجرت في وجهها العديد من العبوات الناسفة، مما أدى إلى إعطاب عدد من الآليات، وبات همّ جيش الاحتلال بعدها كيفية إخراج الآليات المعطلة والمحاصرة مع جنودها بنار المقاومين من المخيم.. لكنه فشل، فاستنجد بطائرة أباتشي ومن ثم بطائرات أف 16 وذلك لأول مرة منذ 20 عاماً… ولم يتمكن من إخراج الآليات الا بعد نحو عشر ساعات من بدء العملية العسكرية، كانت خلالها القيادة العسكرية الصهيونية تعاني من مأزق الفشل والخيبة، وتحطم هيبة الجيش الإسرائيلي، وسط تردّد في الإقدام على توسيع العملية والدخول في مواجهة واسعة، لا يعرف مدى تداعياتها وانعكاساتها…
على انّ وقوع جيش الاحتلال في كمين المقاومة، ادّى إلى تأكيد جملة من الدلالات الهامة التالية:
اولاً، نجاح المقاومة في إحداث نقلة نوعية في ادائها المقاوم، أظهر تطور قدراتها القتالية، واستخدام أساليب جديدة في مواجهة قوات الاحتلال، اتبعتها كل المقاومات المسلحة في مواجهة الاحتلال، وهي نصب الكمائن والاشتباك مع القوات المحتلة من مسافات قصيرة تعطل فيها أسلحة العدو من طيران ومدفعية، ويجعل القوة العدو في دائرة الخطر الشديد..
ان هذا التطور في عمل المقاومة إنما يعكس نجاحها أيضا في بناء بنية للمقاومة، تشمل تصنيع العبوات الناسفة محليا، وغيرها من الوسائل القتالية من ناحية، والقدرة على خوض الاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال، وايقاع الخسائر في صفوفهم من ناحية ثانية..
ثانيا، توجيه ضربة مؤلمة لجيش الاحتلال، وتحطيم هيبته، كشفت عجزه وفشله في اخماد أو اضعاف المقاومة، التي ازدادت قوة وقدرة، واظهرت ان جيش الاحتلال لم يعد اقتحامه لمخيم جنين أو غيره من المخيمات التي تحولت إلى قلاع للمقاومة، نزهة، فهو يستطيع الدخول، لكنه لا يملك حرية وسهولة الخروج وعليه من الآن وصاعدا ان يحسب الف حساب لنتائج اي عملية عسكرية يقوم بها..
ثالثا، ان كمين المقاومة وهذا التطور في خوض الاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال، فرض واقعا جديدا في مواجهات المقاومين مع قوات الاحتلال من مسافة صفر، مما يصب في مصلحة المقاومة، ذلك أنه في مثل هذه المواجهات يحيّد فيها تفوق العدو العسكري، ليصبح من ينتصر أو يفوز فيها من يملك روح الشجاعة والاستعداد للتضحية، وفي هذه الحالة المقاومون هم من يملكون هذه الصفات، فيما جنود العدو يحرصون على حياتهم، ولا يملكون شجاعة الإقدام على خوض القتال المباشر، وهذا الأمر أصبح يميّز هجمات المقاومين في الآونة الاخيرة، الامر الذي اقلق الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية..
رابعاً، ان ما يحصل في الضفة يؤشر إلى انها تسير على خطى قطاع غزة قبل تحريره من الاحتلال، حيث بات العدو يواجه حرب استنزاف يومية، وهو في حالة حرب يومية مع رجال المقاومة، وجنوده مستنفرون طوال الوقت، مما يجعلهم في حالة من الإرهاق والقلق على حياتهم..
هذا الواقع مرشح للتفاقم مع تصاعد عمليات الاستيطان والتهويد والقمع والإرهاب والقتل والتنكيل على الحواجز الصهيونية وتشديد الخناق على الفلسطينيين في حياتهم اليومية، مما يدفعهم إلى انضمام الشباب إلى المقاومة، ويخلق مناخا شعبيا واسعا داعما ومحتضنا لها، وهو شرط استمرار وتطور وتصاعد اي مقاومة مسلحة ضد الاحتلال..
خامسا، لقد ادخل كمين جنين كيان الاحتلال في مأزق كبير، فهو انْ ذهب إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة بهدف الانتقام لما حصل له من إهانة وإذلال والقضاء على بنية المقاومة، وتدميرها، فإنه سيواجه احتمال توسع دائرة المواجهة والمقاومة في كل ارض فلسطين المحتلة، إلى جانب احتمال اندلاع انتفاضة شعبية مسلحة تتوحد فيها كل القوى والفصائل الفلسطينية، في ظل مناخ شعبي داعم ومؤيد للمقاومة، لم يعد يراهن على الحلول السلمية والمفاوضات مع عدو ثبت انه لا يفهم سوى لغة المقاومة.. اما ان تردّد العدو وامتنع عن ذلك، وهذا ما كشفت عن صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، بقولها «إن الجيش كان مترددا في دعم طلب الحكومة والمستوطنين القيام بعملية لفرض السيطرة الكاملة على شمال الضفة الغربية خوفا من انتشار فوضى جنين جنوبا».. لهذا فإن نموذج المقاومة في جنين، الذي أذلّ جيش الاحتلال، وبرهن عن قدرة المقاومة على مواجهته وإحباط اهدافه، وتحويل عدوانه إلى هزيمة تلحق به، أن هذا النموذج سوف يشعّ ويصبح نهجا يُحتذى في كل المخيمات والمدن الفلسطينية، مما يشلّ قدرة جيش الاحتلال على مواصلة اقتحاماته لها لأنه سيدفع ثمنا كبيرا .. وفي هذه الحالة ستتحوّل هذه المناطق إلى قلاع محصنة للمقاومة.. من هنا فانّ مأزق الاحتلال مرشح للازدياد والتفاقم بفعل هذا التطور النوعي في نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني…
(سيرياهوم نيوز3-البناء)