تتكشّف، شيئاً فشيئاً، كواليس الخلافات التي أخّرت الإعلان عن الزعيم الجديد لتنظيم «داعش»، والتي تتّصل، بحسب معلومات «الأخبار»، بهويّة هذا الأخير، الذي برز تيّار مناوئ لفكرة أن يكون عراقياً، حتى لا تتكرّس «عراقيّةُ الخلافة» كـ«سُنّة متّبعة». وفيما يبدو أن التنظيم عاد لينتقل من مرحلة الهجمات الفردية إلى «الغزوات» الواسعة، تسود توقّعات بأن يعمد إلى تصعيد عملياته خلال شهر رمضان، مع ترجيح أن يكون مخيّم الهول في سوريا هدفاً أوّلَ له
بعد أربعة أيام فقط من مقتل أوّل زعيم لتنظيم «الدولة الإسلامية»، أبي بكر البغدادي، أعلن التنظيم مبايعة أبي إبراهيم القرشي، المعروف بعبدالله قرداش، «خليفة» جديداً له، الأمر الذي لم يحدث إثر مقتل الأخير قبل نحو شهرَين، حيث بقي «داعش» من دون «خليفة» جديد، لمدّة غير قصيرة. وفي وقت برزت فيه ترجيحات بأن يكون تأخّر التنظيم عائداً إلى أسباب أمنية تتعلّق بمخاوف من مواجهة الزعيم الجديد مصيراً مشابهاً لأسلافه، تفيد معلومات حصلت عليها «الأخبار»، بأن سبب التأخير هو «خلافات داخل التنظيم حول إقرار البيعة» لـ«الخليفة» الثالث، الذي لم يُجمع قادة التنظيم على مبايعته، خلافاً لسلفَيه.
وتَلفت مصادر أمنية متابعة لشؤون الجماعات التكفيرية، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «التنظيم تأخّر في الإعلان عن اسم الخليفة الجديد لأكثر من 35 يوماً، وهو ما يُعتبر في عقيدته مخالفة لشرع الله وسُنّة رسوله، استناداً إلى الحديث النبوي: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». وتضيف المصادر أن «خلافات دبّت بين قادة التنظيم، توزّع فيها هؤلاء على ثلاثة تيّارات تُعتبر أعمدة رئيسة لبنيته العسكرية والعقائدية، وهم العراقيون والقوقاز والمغاربة»، موضحةً أن «أساس الخلاف هو مبايعة خليفة جديد غير عراقي، حتى لا تُصبح الخلافة للعراقيين سنّة متّبعة، بعد مقتل البغدادي وقرداش العراقيَّيْن»، متابعة أنه في نهاية الأمر «رجَحت كفّة الخليفة الجديد، جُمعة عوض البدري، بسبب هيمنة العراقيين على هياكل التنظيم الأمنية والشرعية، ولكون البدري من أصحاب العلم والدين، وهو رئيس سابق لمجلس شورى التنظيم، وشقيق مؤسّسه أبي بكر البغدادي». كما تتوقّع المصادر الأمنية أن «يَظهر الخليفة الجديد في كلمة صوتية، بهدف رفع معنويات عناصره، والتأكيد على وجوده وأحقّيته في القيادة، حتّى أمام الأجنحة التي كانت رافضة لتوليَته خليفة»، مُرجّحةً أن «يعمد البدري إلى إصدار أوامر بشنّ غزوة مشابهة لغزوة سجن الثانوية الصناعية في الحسكة، لإثبات قدراته العسكرية، وجدارته في القيادة».
اتّخذ التنظيم من ريف دير الزور قاعدة أساسية لممارسة نشاطاته كما لو أن «الدولة» قائمة
وبالنظر إلى أن شهر رمضان يُعتبر شهر «الغزوات» في عقيدة «داعش»، فالمرجّح أن يلجأ التنظيم إلى تصعيد عملياته، وشنّ «غزوة» جديدة يُحتمل أن تكون في اتّجاه «مخيم الهول» في سوريا، والذي شهد «غزوة تجريبية» لـ«داعش» قبل أيام قليلة من بدء رمضان. ويتقاطع ذلك مع المعلومات الاستخباراتية الأجنبية، وتلك الصادرة عن «قسد»، والتي تؤكّد وجود نوايا لدى التنظيم لتكرار سيناريو سجن الثانوية الصناعية، في إطار معركة «هدم الأسوار» التي تستهدف إسقاط السجون والمعتقلات التي تضمّ المئات من مقاتلي التنظيم. ولعلّ تشديد «قسد» الحراسة في مخيم الهول، وإغلاقها البوّابة الرئيسة للمخيم، وتحويلها إلى مكان بعيد نسبياً عن القسم الذي يضمّ نساء «داعش» وأطفاله، بالإضافة إلى نقل مئات السجناء إلى سجون في ريفَي الحسكة الجنوبي والزور الشمالي، تعدُّ مؤشّرات إضافية إلى وجود توقّعات لدى «قسد» و«التحالف الدولي»، بإمكانية لجوء التنظيم إلى تنفيذ هجمات واسعة، خلال الفترة المقبلة.
واللافت أيضاً، هو أن «داعش» غيّر، منذ مطلع العام الجاري، بعض تكتيكاته العسكرية، حيث انتقل من اعتماد الهجوم الفردي أو ما يعرف بُهجوم «الذئاب المنفردة»، الذي كان يتّبعه خلال عملياته ضدّ الجيشَين السوري والعراقي و«قسد» و«البشمركة» خلال السنوات القليلة السابقة، إلى مرحلة شنّ «الغزوات» الواسعة، في محاولة لإعادة بناء قدراته العسكرية مجدّداً. فالتنظيم الذي انتهت سيطرته الجغرافية على الأرض، وسقط عسكرياً في الموصل ودير الزور، حافظ على قدرته على الهجوم، مع استمرار نشاط ما يُعرف بـ«الشرعيّين» و«الحسبة» في أرياف دير الزور الخاضعة لسيطرة «قسد». كما اتّخذ «داعش» من هذه المنطقة (ريف دير الزور) قاعدة أساسية لممارسة نشاطاته كما لو أن «الدولة» قائمة، حيث ينشر شعاراته على الجدران، ويرفع راياته وصور زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، فيما يستمرّ عناصره في جمع الإتاوات تحت مسمّى «الزكاة» من سكّان المنطقة، في ظلّ استمرار التغاضي الأميركي عن هذه التحرّكات، ربّما لاستثمارها لاحقاً في إثبات ضرورة استمرار وجود القوات الأميركية غير الشرعي في سوريا.
وكان الهجوم على سجن الثانوية الصناعية في الحسكة، قبل نحو شهرين، بمثابة إعلان عن تمكّن «داعش» من الانتقال إلى مرحلة «الغزوات» الواسعة، في مقابل ارتسام علامات استفهام كثيرة حول فشل «قسد» و«التحالف الدولي» بقيادة الأميركيين، في منع حصول الهجوم، والجدوى من وجود عدد من المقرّات العسكرية والقواعد الأميركية في محيط السجن. لذلك، حاول الأميركيون التغطية على الفضيحة بالمسارعة إلى تصفية زعيم التنظيم السابق، عبدالله قرداش، عبر عملية إنزال خاصة في بلدة في ريف إدلب. وعليه، فإن استقدام الأميركيين لسبع قوافل من الأسلحة والمعدّات خلال شهر آذار المنصرم، ربّما يهيّئ لمرحلة جديدة يستعدّ لها «داعش»، قد تكون واشنطن على دراية بها.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار