ميخائيل عوض
حادثة عابرة في طريق دولية للعبور، على كوع طالما شهد حوادث وانقلاب شاحنات ومشاكل ومشاحنات.
هي حادثة عابرة، ليس فيها قصد او تخطيط مسبق، لكنها كشفت عن الكثير المضمر. واذابت ثلجا فبان ما تحته، وما يحاوله البعض ويعده للبلاد من مجزرة وفوضى وصدامات اهلية ومناطقية كتخيلات تنسج في الظلام وفي عقول قاصرة تتوهم بان الزمن مازال عندما كان قبل نحو نصف قرن. وربما فاتها ان الأزمنة والتوازنات ووعي الناس ومعرفتها وحاجاتها قد تغيرت حديا وكثيرا وعلى كل المستويات والمديات.
انقلبت شاحنة على الكوع وهو امر عادي وتقليدي، واستدعيت الاليات لنقلها وفتح الطريق. هكذا تجري الامور عادة، وبعد ساعات اكتشف البعض انها لحزب الله ومحملة ذخائر او معدات فبادرت وسائل اعلامية تبحث عن حدث لتنفخ بالرماد. وعرف بعض من لهم حزبيين في المحيط وهم مشغولون باستعادة امجاد كانت يوما وذهبت، بانها للمقاومة فقرروا الاصطياد بالماء العكر ولم ينتبهوا الى انه حادث صدفي عابر في طريق عبور دولي.
تم شحن صبية وفتيان للتحرش بالشاحنة ومرافقتها وسلط الاعلام كاميراته وبثه المباشر ورفع من وتيرة التحريض والتحفيز، فطارت سقوف قوى سياسية وزعامات الى ما فوق النجوم…
تسببت حملة التهييج، والعقول المهيجة والموتورة بضحيتين ما كان لهما ان تسقطا على الكوع ولسبب عابر لا يستحق التضحية، فالمسؤولية واضحة تقع على اعلام موتور ونافخ بالرماد وقيادات وزعامات واحزاب فقدت فرصها ولا برامج او خطاب جاذب عندها تتلهى بأوهامها، وتعيش لماضيها غير مدركة للتحولات. كشفها النائب السابق فارس سعيد بوضوح قاطع وساطع” وشهد شاهد من اهلهم”.
تدخل الجيش بإدارته وروحه التي تجسد الروح والرغبة اللبنانية الاجتماعية الجامحة والرافضة للفوضى والحروب والتوترات وسقوط الضحايا مجانا ولإرضاء غرائز واوهام درست وذرتها الرياح.
وادار العلاج عقول هادئة واعية وواقعية عارفة بما جار وبما يخطط للبنان وبما يريده البعض لأوهامه وحاجاته وليس لان الظرف مؤات.
انتهت الازمة التي اريد لها ان تكون شرارة الحريق الهائل المطلوب من البعض والمنتظر من الساعين الى الزعامة والسيطرة.
وكان لعائلة الضحية بجاني ولعقلاء الكحالة ولحزبه” حزب الوعد” دور هام ودراية وحكمة.
بيد ان الحادثة وما تخللها ودماء وارواح الضحيتين اللتين سقطتا غيلة وفي غير المكان والزمان الذي يستوجب التضحية لن ولا تمر بلا نتائج وبدون عبر. بل وبدلالات عن المستقبل ومسارته المرتقبة ومنها؛
– الثالثة ثابته، فاذا اخذنا عبر ودروس سوابق كوع الكحالة وخاصة حوادث خلدة وحادثة شويا مع الراجمة. فللثلاثة تقاطعات مكانية كطرق عامة ودولية. ومسارات تسلكها المقاومة وسلاحها وذخائرها، لنقع على معطيات متشابه الى حد ما. وبالثلاثة قد تم اجهاض ما كان من مخططات لاستخدامها او للاستثمار بها ودوما تم الاحتواء والاجهاض بتكامل بين الجيش والمقاومة والفاعليات تعبيرا عن ارادة الناس الجمعية ورفضهم للحروب والتوترات والفوضى. وبينما كانت خلدة مخططه ومنسقة ومعدة ومدفوع عليها الكثير من الاموال واشتغلت فيها الكثير من الاجهزة الامنية والاعلام ووسائط التواصل يمكن اعتبار شويا والكحالة حوادث صدفية عابرة لكنها كشفت المبطن والمشغول عليه في العتمة. والثلاثة انتهت دون تحقيق غايات المشتغلين تحضيرا واعدادا او استثمارا. فتسجل اهم الدلالات واثمنها؛ بان البلاد والناس لم تعد ترغب وليس لها قابلية ان تنجر الى حروب واشتباكات وخطوط تماس وتدلل على ان الذاكرة الجمعية اللبنانية والذكاء الاجتماعي ادرك المارب والاستهدافات التي يريدها النافخون في الرماد. والناس تعرف بسليقتها وبتجاربها ان الحروب وبالا وكوارث ولا يستفيد منها الا الزعماء والذين ينصبون انفسهم قادة سلاح وميليشات ولم يعد الناس بغالبيتهم قطيع يساق الى المسالخ.
– اكدت نواتج واليات معالجات الحوادث الثلاث ومعها الرابعة “حادثة الطيونة”، ان في البلاد عقلاء وفيها ضامنين للسلم الاهلي، جادين وقادرين؛ فالمؤسسة العسكرية والمقاومة هما الجهتان القادرتان على اخذ البلاد الى الحرب او السلم اما خارجهما فيمكن للسلاح المتفلت والميليشاوي والمافيوي ان يختلق احداث وتوترات ومعارك جزئية لكنه غير قادر على سوق البلاد الى المذبحة وتجديد الكارثة الوطنية التي عاصرها اللبنانيون ودفعوا الاثمان الغالية دون مصلحة او مكسب.
– الثابت في دروس ودلالات الحوادث الاربع ان البلاد المأزومة حتى الثمالة لم يعد لديها القدرة والموضوع والسبب والتوازنات لتذهب الى حرب اهلية ومتاريس وخطوط تماس وليس من بيئات محلية او اقليمية او دولية معنية وراغبة ومستعدة للتمويل. فعلى المراهنين والمروجين والخائفين من الحرب الاهلية ان يكفوا عن اوهامهم ومخاوفهم وان يتعقلن الواهمين بانهم قادرين على سوق البلاد للمذبحة ان يتعظوا وان يسلكوا سبل اخرى خيرا لهم وللعباد والبلاد.
– دلت الاحداث الاربعة على ان للإعلام التقليدي والتواصلي فرص النفخ في الرماد والاستثمار بالنار والدم والبارود، لكنها عاجزة عن فرض ارداتها ورغباتها وسوق البلاد الى الحرب والتدمير وليتها والقائمين عليها ان يتعقلوا وان يصبوا ماء باردا على رؤوسهم الملتهبة في عز الصيف.
– وقد اثبتت الحوادث على حقيقة؛ ان التواصل التكاملي بين المؤسسة العسكرية والمقاومة اعمق وامتن مما يظنون، والحملات على المؤسسة العسكرية تصيبهم هم ولن تغير في التزاماتها وعقيدتها وموقفها. فأيضا للمؤسسة العسكرية تجربة مريرة مع المليشيات واحزابها وقادتها ومع المنظومة وتعرف كم هي مستهدفة وكم هم راغبون في استثمار دمائها وكرامتها ووحدتها لتحقيق غاياتهم لا الوفاء لقسمها.
عرف البشر القدماء دروس الحياة وسطروا امثالا وقيما وخلاصات ثمينة ومنها؛ ان في كل شر خير والخير في الشر يحتاج اكتشافه الى جهد وارادة ووعي وفعل هجومي عل اللبنانيين وقوى الخير الكامنة فيهم وبنموذجهم الفريد ان يستخلصوا الخير من الشر لينتصر الخير ويلقى الشر مصيره.
كفا عبثا، ولعبا بأمزجة وحياة الناس. فالذي فيها من ماسي وازمات يكفيها وليت اصحاب العقل والحل والربط ان يتعظوا وان يسارعوا الى لملمة الازمة ووضع اطر وصياغات ابداعية لأليات احتوائها ومعالجتها فالبلاد والعباد في خطر الانسياق الى الفوضى الشاملة والمتوحشة حيث لا ينفع الندم.
في كل شر خير- ورب ضارة نافعة- هذه من دروس الحياة .
ولا تكرهوا شيئا لعله خير لكم.
(سيرياهوم نيوز ٤-الكاتب)