يكتب نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية في روسيا، أوليغ كاربوفيتش، في صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” المسكوفية، عن إن “روسيا اليوم تحتاج فقط إلى نصر حاسم في ساحة المعركة. “فعلى مدى 30 عاماً، كنا نواسي أنفسنا بوهم المفاوضات مع الغرب. لكن وقت بناء القلاع في الهواء ولى”. ويستشرف مستقبل السياسة الخارجية الروسية في المرحلة المقبلة.
وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
“إذا كنت تريد السلام، فاستعد للدفاع عن نفسك”. من الواضح أن هذه العبارة التي قالها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ستصبح الشعار الرئيس للسياسة الخارجية الروسية في السنوات المقبلة. في الواقع، نحن نتحدث عن الحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية للوعي والنظرة العالمية التي تميز مجتمعنا بأكمله. العقود الثلاثة التي مرّت (1992-2022)، سواء أحببنا أم لا، هي جزء من تاريخنا. خلال هذا الوقت، قمنا بالعديد من المحاولات للتخلي عن منطق المواجهة ثنائية القطب، الذي كان سمة فترة الحرب الباردة. وهذا لا يتعلق فقط بالمدة الضعيفة من إصلاحات غيدار ودبلوماسية كوزيريف، عندما كان السياسيون الروس يطالبون بدور تلامذة “الرفاق الغربيين الكبار”.
في الواقع، واستناداً إلى أننا نتعامل مع نظراء براغماتيين ومنطقيين (كما بدا في ذلك الوقت)، أثارت روسيا باستمرار مسألة الحاجة إلى إيجاد حل وسط ومساحة للتفاعل بشأن جميع الجوانب الرئيسة للعلاقات مع الولايات المتحدة والدول الدائرة في فلكها. ألم تُبق بلادنا محادثات الحدّ من التسلح واقفة على قدميها بينما دمرت واشنطن أسسها باستمرار، سواء في معاهدة أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي أو معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا؟ ألم نحاول بكل قوتنا ضمان الانسجام المدني والحوار السلمي بين الحكومة والمجتمع في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، فيما كانت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يطبقان بتحدٍ سياسة “تصدير الديمقراطية” وتغيير النظام؟
بعد كل شيء، ألم تفِ روسيا بالكامل بالتزاماتها في الاتفاقيات الثنائية، حتى خلال المرحلة الحادة من الأزمة الليبية، وكنا معتمدين في كل مرّة على حسن نية الجانب الأميركي؟ رداً على كل ذلك، كنا نتلقى الازدراء والابتسامات الساخرة والدسائس، وفق منطق لعبة نتيجتها لا شيء، فيما كان الغرب يقوم بنقل الناتو إلى حدود بلدنا، بما في ذلك عبر الانقلاب في أوكرانيا.
يجب الاعتراف بصراحة بأن القيادة الروسية فعلت كل ما في وسعها لمنع نشوب حرب باردة جديدة. لكن الأزمة الحالية لم يعد بالإمكان تداركها. اتضح أن التعاون البنّاء مع الغرب يتعارض تماماً مع الفلسفة الجيوسياسية لخصومنا. اتضح أن وراء الابتسامات والمصافحات المنافقة، كان هناك بحث عن لحظة مناسبة للانقضاض على روسيا، ولم ينتظروا كثيراً.
المغامرة الأوكرانية لإدارة بايدن، كما أشار السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، تثير بالفعل نقاشاً في المؤسسة الأميركية حول إمكانية محو روسيا من خريطة العالم. حتى الآن، لم يتحدث المسؤولون بصراحة عن هذا الأمر، لكن نلحظ في فرحة فيكتوريا نولاند العارمة بالهجوم الإرهابي الغربي ضد “نورد ستريم 2″، وفي تصريحات أكثر عمومية حول الحاجة إلى إلحاق “هزيمة استراتيجية” بروسيا على أيدي الأوكرانيين، أن هناك رغبة واضحة في استخدام أي أهداف لحل “المسألة الروسية”، على حد تعبير سيرغي لافروف.
لقد أدرك الغرب أنه لن يكون قادراً على الشعور بالهدوء والسعي من أجل استعادة القطبية الأحادية عندما يكون العامل الروسي حاضراً من حيث المبدأ في السياسة العالمية. ومن هنا جاءت موجة الروسوفوبيا (رهاب روسيا) الهستيرية ومحاولات “إلغاء روسيا”، وبالطبع تزويد نظام كييف بأسلحة حديثة.
قلة هم من يهتمون فعلاً بمصير مواطني أوكرانيا، الذين تبين أنهم ورقة مساومة في “لعبة كبيرة على رقعة الشطرنج الكبرى”، تم إطلاقها وفقاً لمبادئ بريجنسكي. وإذا ما بدأ علماء السياسة الفرديون في الولايات المتحدة، بمن فيهم موظفو مؤسسة “راند”، في دفع فريق بايدن مباشرةً لإقناع أوكرانيا بالتفاوض، فإن الاحتمال المغري المتمثل في بناء “عالم بدون روسيا”، والذي حلم به كثيرون في التسعينيات، يطمس عيون المندفعين نحو جولات جديدة من تصعيد التوتر.
لذلك، فإن مهمة مجتمع السياسة الخارجية الروسية تتمثل في المستقبل المنظور، في ترك التركيز على بناء “قلاع في الهواء”، ولكن على الدفاع عن النفس. لا يمكن إرجاع الواقع السابق. السبيل الوحيد للخروج من الموقف يكمن في تحقيق نصر حاسم في ساحة المعركة، والذي سيدمر في النهاية الأوهام الغربية ويسمح لنا بالعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن بشروط متساوية تماماً. لقد أصبحت فكرة إنشاء مساحة أمنية واحدة “من فانكوفر إلى فلاديفوستوك”، بالطبع، في طي النسيان.
في ظل الظروف الحالية، هدفنا قصير المدى هو البقاء على قيد الحياة وإبقاء روسيا على خريطة العالم. إن خوضنا صراعاً وجودياً مستمراً، واستكماله بالنصر سيسمح لبلدنا، بنيل صفة لاعب دولي مستقل حقاً، وكذلك بتعزيز مكانتنا في العالم. كل هذا سيسهم في زيادة تطوير نظام دولي متعدد المراكز، قائم على مبادئ القانون الدولي، والأمن المتساوي غير القابل للتجزئة لجميع المشاركين فيه.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين