نبيه البرجي
من قبورنا، وهكذا باتت منازلنا، تابعنا ونتابع تفاصيل المعركة بين ملك الموت هذا وملك الموت ذاك، حول من يقبض على أرواحنا بصورة أفضل. نحن عبيد الأمبراطورية، من يعرب من قحطان ـ لا رحمه الله ـ وحتى أحمد أبو الغيط ـ أطال الله بعمره ـ وقد جاءنا ليعطينا الأمثولة في مواجهة النيران، النيران الهمجية بالطرابيش وبالأراكيل، وبمقامات بديع الزمان الهمذاني.
سذّج نحن اذا كنا نثق بأي رئيس أميركي، أو باي مبعوث أميركي. رقصتنا مع الكاوبوي ـ كهنود حمر ـ تعود الى السنوات الأولى من قيام الولايات المتحدة. في كتابه “بلاد الله”، يذكر صمويل غولدمان أن أول نائب رئيس وثاني رئيس أميركي، جون آدامز بعث عام 1816 برسالة الى “اليهودي” موردخاي مانويل نويه، تمنى فيها أن تكون لليهود في “اليهودية”، وهي منطقة فلسطينية، “دولة يهودية”.
الرئيس الثالث توماس جيفرسون، كأحد “الأنبياء السبعة” الذين صاغوا الدستور، دعا الى استيحاء رمز البلاد من خروج العبرانيين من مصر بدل النسر الأصلع.
وتبعاً لما ورد في كتاب جون جويس “التكوين: اليهود الأميركيون والصراع العربي ـ الاسرائيلي”، هاري ترومان الذي اعترف ب “اسرائيل” بعد ربع ساعة من اعلان قيامها، تساءل ” المسيح حين كان على الأرض لم يستطع ارضاءهم ـ أي “اليهود” ـ كيف لأحد أن يتوقع أن تكون لي هذه الفرصة”؟ ليصرخ “أنا قوروش أنا قوروش”، متمثلاً الأمبراطور الفارسي الذي أنقذ “اليهود” من السبي البابلي…
ناحوم غولدمان، أحد آباء الدولة، والرئيس السابق “للمنظمة اليهودية العالمية”، وأحد مؤسسي ورؤساء “المؤتمر اليهودي العالمي”، قال “لولا الرئيس الأميركي وودرو ويلسون لما كان وعد بلفور”، دون أن نغفل أن ترومان بعث بطائراته لضرب القوات المصرية في دفاعها عن صحراء النقب، التي ألحقتها بها “اسرائيل” في شهر كانون الأول 1948.
الآن، ونحن داخل هذا الاختبار الدموي المروع، يقول جدعون ليفي في “هاآرتس”، “لولا الامدادات الأميركية اليومية، لكان علينا القتال بالعصي والحجارة”! هنا، بماذا يختلف جو بايدن كبطة عرجاء، عن دونالد ترامب بتغريدة أو بتكشيرة الغراب؟
سواء كان الرئيس الجمهوري أم الرئيسة الديموقراطية، بالكاد يكون العرب في قعر الأجندة الأميركية، وان حاول مسعد بولس، منسق الشؤون العربية في حملة ترامب، تسويق الرئيس السابق كما لو أنه “المسيح اللبناني” الذي سينتشلنا من أشداق تلك الثلة من المجانين التي مثلما تعمل لتقسيم غزة تعمل لتقسيم لبنان. تصوروا أن نكون بعد حين بين لبنان الشمالي ولبنان الجنوبي.
دونالد ترامب وبمنتهى البساطة، يريد من لبنان الالتحاق بـ “ميثاق ابراهيم”. وكان جاريد كوشنر، الصهر اليهودي لترامب (زوج ايفانكا) قد فعل المستحيل لتحقيق ذلك، لنرى ما يمكن أن يفعله صهره اللبناني مايكل بولس (زوج تيفاني)، مع الفارق الهائل بين امكانات الاثنين. الأول يرى ان “الاسرائيليين” وحدهم يستطيعون حماية لبنان لا الايرانيون ولا السوريون ولا حتى الفرنسيون، لابعاد لبنان عن النموذج الايراني كما عن النموذج السوري.
لولا المساعدات الأميركية، هل كان “لاسرائيل” أن تحقق ما حققته وتحققه في مجال الحرب السيبرانية وفي الذكاء الاصطناعي، لنبدو وكأننا ما زلنا في العصر الحجري. لا نتصور أنه سيكون بوسعنا الدخول الى القرن ولو من الباب الخلفي، لتبقى الدولة العبرية كوديعة الهية، الذراع الأمبراطورية التي تثير الهلع في أرجاء المنطقة…
اذا كان غريباً أن تبقى البلدان العربية بما في ذلك لبنان، بعيدة عن “الاقتصاد البنفسجي”، أي اقتصاد المعرفة، لا بد من التساؤل اذا كان مسموحاً لنا الخروج من هذه الأزمنة، ومن هذه الايديولوجيات الآسنة؟ لا نتصور ذلك ما دام هاجسنا الأكبر بقاء العروش، سواء كانت من القش أم كانت من الذهب. على بطاقات هويتنا ” محل الاقامة: على تخوم الغيب”…
اذ نتابع من قبورنا أو من قصورنا الناخبين الأميركيين وهم يدلون بأصواتهم لهذا أو لهذه (تذكرون أن أصواتنا في الاستفتاءات للواحد الأحد)، لن ننتظر أن تكون الليلة المقبلة ليلة البيفرلي هيلز بل ليلة هيروشيما.
ما يعني الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة أن نبقى العبيد، وأن نبقى في قبورنا…
(سيرياهوم نيوز1-الديار)