حين جنّب الرئيس الأميركي دونالد ترامب روسيا حربه التجارية الأخيرة، علت أصوات روسية ترحب بالقرار، كما بالصراع التجاري العنيف بين عدويها الأميركي والأوروبي. لكن الفرحة لم تدم طويلاً.
من المفاعيل غير المباشرة للرسوم التجارية أنها فرضت نتائج عكسية على الاقتصاد الروسي. بسبب تكبد أسواق النفط خسائر كبيرة في الأيام الأخيرة، واجهت موسكو مشكلة لم تكن متوقعة. ربطت روسيا موازنتها لسنة 2025 بسعر 70 دولاراً لبرميل النفط تقريباً، لكن الأسعار الآن، بالنسبة إلى “الأورال” الروسي، تدور حول عتبة الـ 50 دولاراً.
لماذا لم يفرض رسومه عليها؟
في تبرير لعدم فرض تعريفات عليها، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسينت إن الأمر يعود إلى عدم تعامل الولايات المتحدة تجارياً مع روسيا. ليس هذا الكلام دقيقاً. صحيح أن التجارة الأميركية مع موسكو انخفضت بشكل كبير بعد غزو أوكرانيا، لكن مجموع التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وروسيا بلغ نحو 3.5 مليار دولار سنة 2024. هذا الرقم قريب من مجموع التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وكازاخستان التي فرض عليها ترامب رسوماً بقيمة 27 في المئة. بالمقابل، بلغ مجموع التبادل التجاري بين أميركا وأنغولا 2.6 مليار دولار، وخضعت الأخيرة لرسوم بقيمة 32 في المئة.
وفي أرقام تفصيلية، بلغت الواردات الأميركية من روسيا نحو 3 مليارات دولار السنة الماضية. من جهة، واضح أن العلاقة التجارية مختلة لمصلحة روسيا مع عجز أميركي يبلغ تقريباً 2.5 مليار دولار. من جهة أخرى، يشبه هذا الرقم إلى حد بعيد حجم واردات واشنطن من فيجي ولاوس المستهدفتين بالرسوم، بحسب “نيويورك تايمز”. يعزو البعض ذلك إلى أن ترامب لا يريد إفساد المفاوضات مع روسيا، وهو ما يشبه أيضاً مفاوضاته مع إيران، وهي الدولة التي وضعها في مصاف الأقل تأثراً بالرسوم (10 في المئة). وقد يعود سبب ذلك أيضاً إلى رغبة ترامب بحماية المزارعين الأميركيين بما أن معظم الواردات من روسيا عبارة عن أسمدة، بحسب التقرير نفسه.
مزيد من الانهيار
يبدو أن قرار ترامب بتعليق موقت (90 يوماً) للرسوم على الشركاء التجاريين الذين لم يردوا بتعريفات انتقامية، مع استثناء بارز للصين التي وصلت التعريفات عليها إلى 125 في المئة، لم يؤثر بشكل إيجابي كبير على أسعار النفط. دفع القرار أولاً أسعار النفط صعوداً قبل أن تعاود هبوطها مجدداً. وذكر موقع “أويل برايس” أن مكانة الصين كأكبر مستورد للخام في العالم وثاني أكبر مستهلك له بعد الولايات المتحدة توفر فرصاً لاستمرار هبوط الأسعار بالرغم من أنه قد يتباطأ قليلاً، بينما يستوعب المتداولون تداعيات الحرب التجارية في الأيام المقبلة.
وبما أن روسيا هي المصدر الأول للطاقة بالنسبة إلى الصين، يمكن توقع مرحلة مضطربة للخزانة الروسية مع احتمال تراجع الطلب الصيني على تلك السلعة، بالإضافة إلى تراجع سعرها. في السابع من نيسان/أبريل، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لوكالة “إنترفاكس” الروسية: “نحن نراقب الوضع عن كثب، وهو يتسم حالياً بالاضطراب الشديد والمتوتر والمشحون عاطفياً”.
وصباح الخميس بتوقيت موسكو، انخفض سعر الأورال إلى رقم قياسي جديد بلغ ما بين 47.5 و48.3 دولار للبرميل الواحد بحسب ما نقلت “تاس” عن وكالة “أرغوس” للأسعار الدولية. وهذه المرة الأولى التي تشهد فيها أسعار النفط الروسي هذه الأرقام منذ حزيران/يونيو 2023. ومنذ بداية الشهر، انخفضت أسعار الأورال بين 13 و18 في المئة بحسب مرافئ الشحن.
هدية كبيرة… لأوكرانيا
اعتمدت روسيا على واردات الطاقة لتحقيق نحو 30 في المئة من عائدات موازنتها. في الثامن من نيسان/أبريل، كتب جيسون كوركوران أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفريقه المالي يدركان بشدة أن آخر أزمتين اقتصاديتين كبيرتين واجهتهما روسيا أطلقتهما أحداث خارجية: الأزمة المالية العالمية سنة 2008 والأزمة المالية الآسيوية سنة 1998. وأضاف في صحيفة “موسكو تايمز” أنه في كل مرة، خضع الاستقرار الاقتصادي الروسي للتدمير بفعل الفوضى في الأسواق العالمية.
بشكل مفارق، أراد ترامب حماية روسيا من رد فعل رسومه الجمركية فانتهى بمنح أوكرانيا هدية كبيرة. لا أحد يتوقع أن يعيد بوتين حساباته حيال الحرب في الأسابيع القليلة المقبلة، باستثناء الرئيس الأميركي ربما. لكن على المدى البعيد، وفي حال استمرت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً أن الأخيرة تعهدت بمواصلة القتال “حتى النهاية” بعد زيادة رسومها على الواردات الأميركية إلى 84 في المئة، ستزداد احتمالات أن تقتنع روسيا بعدم قدرتها على مواصلة الحرب بالوتيرة نفسها.
يعزز ذلك أنه حتى في أفضل الأحوال، تكبدت روسيا مئات الخسائر البشرية مقابل كل كيلومتر من التقدم أحياناً. والأرقام الأخيرة غير مشجعة للروس. في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، احتلت روسيا أكثر من 642 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية. في آذار/مارس 2025، احتلت نحو 143 كيلومتراً مربعاً. حدث هذا في وقت كان متوقعاً أن يستغل بوتين ضغط ترامب على أوكرانيا وأوروبا لحصد أكبر مقدار ممكن من المكاسب قبل إطلاق المفاوضات.
لا تزال روسيا تملك المبادرة في أوكرانيا، لكن يبدو إلى الآن أن مسار تلك المبادرة تنازلي. يتطلب عكسُ هذا المسار ما هو أفضل من حرب تجارية ضروس بين أميركا والصين، ناهيكم عن حرب بين أميركا والعالم.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار