د. شريف عرفة
مع تزايد مسؤوليات الحياة، تتراكم الضغوط النفسية. وتلح في عقول كثير من الناس تساؤلات تقلق مضاجعهم، مثل: هل أنا جيد بما فيه الكفاية؟ هل أقوم بكل ما في وسعي حقاً؟ هل أنا جدير بما أنا فيه؟ انعدام الرضا عن النفس قد يصل بالإنسان لدرجة السعي المحموم لإثبات الذات والهوس بالكمال وإدمان العمل.. وهو ما يؤدي في النهاية للاحتراق النفسي وازدراء الذات وانعدام الرضا عن النفس والحياة، فحين يصل الأمر لمرحلة جلد الذات المستمر، فإن هذا يدمر التقدير الذاتي، وهو ما يؤثر في أدائنا في الحياة بشكل عام. فكيف نزيد من تصالحنا مع أنفسنا؟ في كتابه الصادر حديثاً «النعمة غير العادية في أن تكون عاديا» يناقش عالم النفس الإكلينيكي رونالد دي سيجل هذا الموضوع، إذ لاحظ أثناء ممارسته للعلاج النفسي أمراً سائداً بين أغلب من يترددون عليه، وهو أنهم يشعرون بخيبة الأمل تجاه أنفسهم. ويقول: إن في إمكاننا أن نحسن من ذلك عن طريق التقبل الذاتي، كقاعدة انطلاق لتحسين أنفسنا، بدل من كراهية الذات واحتقارها. لكن، كيف يمكن زيادة تقبلنا لأنفسنا؟ ضع أهدافاً صحيحة تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يسعون في حياتهم لأهداف خارجية، مثل الشهرة والجمال والمكانة، يكونون أكثر اكتئاباً وقلقاً، لأنهم يقارنون أنفسهم طوال الوقت بغيرهم، وينشدون أهداف لا يمكن بلوغها، فالغني هناك أغنى منه، والشهير هناك من هو أشهر منه.. هي أهداف لا تصب بالإنسان إلى الرضا النفسي.. بينما أولئك الذين يركزون على أهداف تتعلق بتطوير الذات والعلاقات ومساعدة الناس، يكونون أكثر ارتياحاً ورضاً عن حياتهم، نظراً لامتلاك ناصية إدارة الذات وتوفر الدعم النفسي الذي يوفره المقربون الذين نستثمر في تقوية علاقتنا بهم. أحياناً لا تكون أهدافنا في الحياة من صنعنا، بل غرسها المجتمع والتربية.. فأعد تقييمها.. هل هي أهداف منطقي؟ هل يمكن أصلاً بلوغ هذه الدرجة من الكمال التي يتم الترويج لها أم أن في الجميع نقائص لأننا بشر؟ بعبارة أخرى، لا تجعل أهدافاً خارجية تحدد تقبلك لنفسك، بل ضع معياراً داخلياً ذاتياً، كتطوير قدراتك واتساقك مع قيمة واهتمامك بالآخرين بشكل يقربهم لك ويجعلك تعلو في نظر نفسك. كن صديقك علاقتنا بأبنائنا مبنية على الحب غير المشروط، ومهما تعثروا في واجباتهم، فإن حبنا لهم قاعدة لا تتغير. وبالمثل، ينصح الباحث بأن تكون علاقتنا بأنفسنا مبنية على مثل هذا التقبل غير مشروط. فالسعي المحموم لكي تكون «جيداً بما فيه الكفاية» لكي ترضي عن نفسك، سباق مرهق لا نهاية له.. بينما حب نفسك وتقبلها يعينك على مواصلة الطريق. ضغوط الحياة كثيرة بما فيه الكفاية، فلا تجعل انعدام رضاك عن نفسك عبئاً إضافياً. حين تختلي بنفسك بعد خوض غمار الحياة، كن لها صديقاً جيداً.. يربت عليها ويهون عنها ويشجعها.. لا كعدو تخشى مواجهته وتهرب من أي فرصة للاختلاء به! لهذا السبب ينصح الباحثون بأن تتعامل ع نفسك كما تتعامل مع صديق مقرب. تخيل أن صديقاً يواجه نفس ما تواجهه.. هل ستؤنبه وتحط من قدره؟ أم تشجعه وتهون عليه؟ باختصار: حب نفسك بكل ما فيها من عيوب فأنت أقرب إنسان لك. انتقادات تمتلئ كتب التنمية الذاتية بتعبيرات مثل: تقدير الذات، حب النفس، الشفقة الذاتية، التقبل الذاتي..إلخ، وهي سمات نفسية ضرورية لتماسك بنياننا النفسي وزيادة الرضا عن الحياة.. إلا أنها لا تكفي وحدها ليكون الإنسان ناجحاً.. فالرضا عن النفس قد يزيد عن الحد لدرجة غض الطرف عن مشاكل جسيمة تحتاج لحل.. وحساب النفس مفيد لتحسين أنفسنا وتطويرها، والنقد الذاتي هو الضمان الوحيد لتحسين الأداء وتصحيح الأخطاء.. بشرط ألا يكون النقد الذاتي زائداً عن الحد بشكل يعيق الحياة. لذلك ينبغي الوصول لدرجة من التواصل في النظر إلى الذات.. تقبلها والتصالح معها من ناحية، وتقبل وجود هفوات تحتاج لتحسين من ناحية أخرى.
( سيرياهوم نيوز ٦-الإتحاد الإماراتية 12 يوليو 2022 )