آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » كيف تتغلّب على النمر في معركة غير متكافئة؟

كيف تتغلّب على النمر في معركة غير متكافئة؟

 

 

محسن سلامة

 

 

النمر هو الحيوان الوحيد في الغابة الذي يتفوّق على الحيوانات المفترسة بخصاله وصفاته لما فيه من صلفٍ ، و تيهٍ ، وسرعة انقضاضٍ ، و جمال انسيابٍ في جسده

مسالمٌ لمن سالمه ، في إطلالته حكمة الحياة البَريّة ، لذلك قالوا : عندما تخلو الجبال من النمور تصبح الغابة مباحة لكلّ ماكر ،

والطفل الذي تربّيه مصاعب الحياة و تصدمه مآسيها سيولد نمراً ، نقول لكلّ متفوّق : أنت نمر ، والنمور قِطط الغابات

 

حتّى أنّ العرب كانوا يطلقون على أولادهم اسم النمر تيمّناً بالشجاعة والقوّة و الفتك بالأعداء ، الشاعر النمر بن تولب أحد ألوية الشعراء المخضرمين بين الجاهليّة و الاسلام ، قبيلة نُمير تصغير نمر من أشهر قبائل العرب إليها ينتسب الشاعر العربيّ الراعي النُميريّ من فحول شعراء العصر الأمويّ خصم الشاعر جرير

 

في أوائل القرن الماضي استوطن جبال قرى بلدة القدموس نمر شديد البأس ، يشاهده الناس بين الفينة والفينة دون خوف ، لم يؤذِ بشراً ولا دابّة

 

ينام في قلع من الصخر ، وهذا القلع مؤلّف من عشرات الصخور الصلدة الصلبة المتراصة بعضها إلى بعض شرق قرية الدنبيّة في إطلالة على النهر مباشرة ،

وسط القلع الممرّ الوحيد للبشر و الدوابّ ، لم يسمع أحد أنّ النمر هاجم دابّة أو بشراً

 

كان جدّي الشيخ يوسُف رحمه اللّه يأخذني معه في الصيف لأرعى البقر في السفوح البعيدة ، وعلينا أن نمرّ بين هذا القلع الصخريّ المهيب ، يتركني ويذهب للتجارة على دابّته في قرى القدموس ،

 

مع غياب الشمس يكون جدّي قد عاد ، فيناديني ويتابع إلى القرية تاركني مع القطيع ، أترك خلفي الثور القويّ الشكيمة لعلّ النمر لا يواجهه ، تجاوزت القلع بصعوبة بالغة ، فوجئت جدّي العائد ليطمئنّ عنّي يسألني عن الثور غير موجود مع القطيع ولا خلفي ، لحق به في الوقت المناسب عند النهر يرعى الزرع ، و كأنّ وحشاّ كان يريد نزال الثور ، مضت على خير

 

سمع الشيخ مُعلّى بالقصّة وكان أقوى رجال تلك البلاد قاطبة كان رحمه اللّه من الذين يحفظون القرآن ، كان فقيهاً عالماً ، قادراً مقتدراً ، تتناقل الناس قصص قوّته التي أمدّه اللّه بها ،

منها أنّ غريبًا مرّ به والشيخ يحمل محراثه الخشبيّ على كتفه ، سأله الغريب عن الطريق إلى قرية مخفيّة بين الجبال ، فأمسك الشيخ بمقبض محراثه بيده اليمنى و رفع المحراث في الهواء و بدأ يدلّه على طريقها دقائق طويلة ، و كأنّه يدلّ بعصا

 

قرّر الشيخ مُعلّى أن يواجه النمر ، و في اليوم المشهود اجتمعت القرى كلّها ، كلّ قرية اصطفّت على سفح قريتها المطلّ على تلك الفسحة من الأرض أمام القلع

جاء الخبر أنّ النمر متربّع صخرته ، لبس الشيخ لبّادةً من منزله (اللبّادة فراش من صوف الغنم محكم النسج ثخين متين)

وقف قبالة النمر ، و بدأ يهيجه بالصوت وحركات التحدّي بكلّ ثقة و قوّة واقتدار ، اشتبك الشيخ مع النمر ، علقت مخالب النمر بصوف اللبّاد المتين ، ففقد النمر جميع المبادرات لافتراس الشيخ ، أمسك الشيخ بخناق النمر وكسر له ذراعه ، أبى قتله ، تركه صريعاً يعرج بعيداً عن القلع رويداً رويداً ،

 

غادر النمر القلع ، واستوطن غابة حمّام واصل ، يتوسّط هذه الغابة مزار اسمه الشيخ يوسُف ، يتردّد إليه النمر في الليالي ، فأطلق الناس على المزار اسم مزار الشيخ يوسُف النمر وإلى يومنا هذا

 

*صورة القلع الصخريّ شرق قرية الدنبيّة بأربعة كيلومترات على كتف نهر الموت

صورة للنمر قرب مقام الشيخ يوسف النمر من سنوات بعيدة

(اخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

«دورة بني آدم» على يد هادي وهاب

  علي عواد     مضطراً، استمعتُ إلى حلقة عرضتها منصة «سبوت شوت» مع هادي وهاب، ابن رئيس حزب «التوحيد اللبناني» وئام وهاب، التي عُرضت ...