آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » كيف نحل أزمة السكن في سوريا في ظل الانفتاح الاقتصادي الجديد؟

كيف نحل أزمة السكن في سوريا في ظل الانفتاح الاقتصادي الجديد؟

مع دخول سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح على نظام السوق المفتوح وعودة البلاد إلى النظام المالي العالمي، ورفع العقوبات الأمريكية عن حركة الأموال، تقف أزمة السكن اليوم في صدارة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فالحاجة المتزايدة للمساكن، وخاصة لدى شريحة الشباب، تتطلب حلولاً عملية تستند إلى مزيج من التمويل المحلي والخارجي، و استثمار حقيقي في قطاع البناء والعقارات.

Contents

انفتاح السوق وتدفق مواد البناء

مع تحرير حركة الاستيراد وعودة المعارض المتخصصة بإعادة الإعمار، بات من الممكن استيراد مواد البناء الأساسية كالحديد والإسمنت والخشب والألمنيوم بأسعار تنافسية، هذا الانفتاح يضع حداً للاختناقات السابقة التي كانت تعوق المشاريع الإنشائية، ويفتح الباب أمام تنفيذ مشاريع سكنية واسعة النطاق بسرعة وتكلفة أقل.
على سبيل المثال، تجربة تركيا بعد زلزال 1999 و 2023 أظهرت كيف أن تحرير استيراد مواد البناء وتسهيل حركة التمويل ساهما في إعادة إعمار آلاف الوحدات السكنية خلال أقل من خمس سنوات.

دور الشركات الإنشائية والاستثمار العقاري

رغم إن البنية التحتية للشركات المحلية تعرضت للإنهاك خلال سنوات الحرب، إلا أن وجود كوادر هندسية وبنى تنظيمية أساسية يشكل قاعدة يمكن البناء عليها، دخول شركات عربية وأجنبية، بالشراكة مع نظيراتها السورية، سيسمح بنقل الخبرات التقنية وتمويل المشاريع الكبرى.
فعلى سبيل المثال، يمكن للشركات الإماراتية أو المصرية التي تمتلك خبرة في بناء المدن الجديدة (مثل العاصمة الإدارية الجديدة في مصر) أن تسهم في إقامة ضواحٍ سكنية متكاملة الخدمات في ريف دمشق أو محيط حلب وحمص.

معالجة السكن العشوائي.. الفرصة الذهبية

من أكبر التحديات أمام الدولة السورية هو ملف السكن العشوائي في العاصمة دمشق وبعض المدن الكبرى، هذا الملف يمكن تحويله إلى فرصة استثمارية عبر إعادة تنظيم هذه المناطق وإشراك القطاع الخاص في تمويل البنية التحتية وتشييد أبراج سكنية حديثة.
نموذج “المشاركة الاستثمارية” الذي طُبّق في بيروت بعد الحرب الأهلية، حيث تم تأسيس شركة “سوليدير” لإعادة إعمار وسط بيروت، يمكن أن يُستفاد منه في دمشق وحلب، مع تعديلات تراعي الخصوصية السورية.

الادخار السكني.. شراكة المواطن مع المصارف

إلى جانب الاستثمارات الكبرى في الضواحي السكنية، يمكن إطلاق برنامج وطني للادخار السكني يتيح للمواطنين فرصة امتلاك منزل بطريقة ميسّرة. يقوم المواطن بإيداع مبالغ شهرية محددة في حساب ادخاري لدى أحد البنوك الوطنية لفترة زمنية تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات. وبعد انتهاء فترة الادخار الأولية، يُمنح المواطن حق استلام شقته ضمن أحد المشاريع السكنية المتعاقد عليها.
ويستمر المواطن بعد استلام الشقة بدفع أقساط شهرية مضاعفة عمّا كان يدفعه في فترة الادخار، بحيث تغطي هذه الأقساط تكلفة التمويل والإنشاء خلال فترة زمنية معقولة (قد تصل إلى 10 أو 15 سنة).
هذا النظام، المعروف عالمياً باسم “الادخار السكني”، أثبت نجاحه في عدة دول مثل ألمانيا والنمسا عبر بنوك الادخار العقاري (Bausparkassen)، حيث استطاع ملايين المواطنين الحصول على منازلهم الأولى من دون الحاجة إلى قروض مرهقة أو فوائد مرتفعة.

اعتماد هذا النموذج في سوريا سيحقق عدة فوائد:

  • توفير تمويل مستدام للمشاريع السكنية بعيداً عن ضغط الموازنات الحكومية.
  • إشراك المواطن بشكل مباشر في عملية إعادة الإعمار.
  • تعزيز ثقة المغتربين بالبنوك الوطنية إذا تم فتح برامج ادخار مشابهة لهم بالقطع الأجنبي.

التمويل.. المفتاح الأساسي

إزالة القيود عن حركة الأموال وعودة سوريا إلى نظام “سويفت” العالمي يسمح بتدفق رؤوس الأموال من السوريين المغتربين، والذين يُقدَّر عددهم بالملايين. هؤلاء لديهم رغبة بالاستثمار في بلدهم، وخاصة في العقار الذي يعتبر استثماراً آمناً طويل الأمد.
يمكن للدولة أن تطرح سندات عقارية أو صناديق استثمار عقاري (REITs) موجهة للمغتربين والمستثمرين العرب، بحيث تساهم هذه الأدوات في تمويل بناء الضواحي السكنية، على غرار التجربة الماليزية في تمويل مشاريع الإسكان الشعبي عبر صناديق استثمارية مدعومة من الحكومة.

التنمية الريفية عبر الضواحي السكنية

بناء ضواحٍ سكنية جديدة في أرياف المدن الكبرى لا يحقق فقط هدف تأمين السكن للشباب، بل يخلق أيضاً تنمية اقتصادية متكاملة في الريف.

إنشاء الضواحي يتطلب بنية تحتية من طرق ومدارس ومستشفيات وأسواق، ما يوفر آلاف فرص العمل.

توطين المشاريع السكنية خارج المدن يخفف الضغط عن دمشق وحلب، ويخلق مراكز عمرانية جديدة على غرار ما فعلته الأردن في مدينة “الزرقاء الجديدة”.

الخلاصة

حل أزمة السكن في سوريا لم يعد مجرد قضية اجتماعية، بل أصبح مفتاحاً لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة، ومع الانفتاح الاقتصادي، وعودة حركة التمويل، والرغبة الكبيرة من المستثمرين المحليين والعرب والأجانب، فإن الفرصة متاحة اليوم لإطلاق مشاريع إسكان استراتيجية قادرة على تحويل ملف السكن من أزمة إلى رافعة للتنمية.
الشرط الأساسي لذلك هو الإسراع في توفير البيئة القانونية والاستثمارية، وتقديم مزايا حقيقية للشركات الإنشائية، وإطلاق برامج ادخار سكني وطنية، وضمان الشفافية في إدارة المشاريع. عندها فقط يمكن أن نرى في أفق السنوات القليلة المقبلة ضواحي سكنية حديثة تلبي طموحات الشباب وتعيد رسم الخريطة العمرانية لسوريا.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات_الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هيئة دعم الصادرات: معرض دمشق الدولي يعزز حضور المنتجات السورية خارجياً

    أكد مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات السورية، فراس الغفير، أن معرض دمشق الدولي في دورته الثانية والستين يشكل منصة محورية لتعزيز ...