ناصر قنديل
تجري المبالغة باهتمام استثنائيّ من قبل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب برضا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وفيما يعيد البعض ذلك إلى حرص ترامب على دعم الصوت اليهوديّ الأميركي، تأتي نتائج الانتخابات لتقول إن 20% فقط من أصوات اليهود الذين شاركوا في الانتخابات قد ذهبت لصالح ترامب، بينما حصدت منافسته كمالا هاريس الديمقراطية 80% من هذه الأصوات.
قد يكون صحيحاً القول إن ترامب أسوة بكل رؤساء أميركا لا يمكن أن يتخلّى عن دعم كيان الاحتلال، وأنه سوف يقدم له كل ما يمكن لأميركا تقديمه، وطالما أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تبخل بتقديم شيء فليس لدى ترامب جديد يضيفه، طالما أن تورط أميركا بالحروب ليس وارداً عند ترامب أكثر مما كان لدى بايدن، وترامب يدعو علناً لأميركا العظيمة بدلاً من أميركا العظمى، والأمركة بدلاً من العولمة.
يبني البعض على واقعتين مهمتين في ولاية ترامب الأولى استنتاجاً أو انطباعاً حول حجم دعم ترامب لحروب نتنياهو، الأولى هي القرارات السياسية التي اتخذها ترامب لصالح الكيان من إعلان صفقة القرن ونقل السفارة الأميركية إلى القدس كعاصمة موحدة للكيان وتغطية قرارات ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية وإشاعتها أمام المستوطنين، وصولاً إلى تأييد ضمّ الجولان السوري المحتل، والثانية هي التلاقي مع نتنياهو على التصعيد بوجه إيران، عبر إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من طرف واحد، بعدما كانت إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما هي التي وقعت الاتفاق، وصولاً إلى تصديق ترامب على قرار اغتيال قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإيراني الجنرال قاسم سليماني.
رغم أهمية الواقعتين إلا أنهما لا تختصران مسيرة ترامب في الولاية الأولى، التي شهدت واقعتين ثانيتين معاكستي الاتجاه، الأولى هي كيفية تهرّب ترامب من المواجهة مع إيران عندما أسقط صاروخ إيراني عالي التقنية طائرة تجسس أميركية عملاقة، وقد وثق ترامب نفسه مواقفه ومقاربته بالقول إنه لا يرى الحادث يستحق حرباً طالما أنه لم تتم إسالة الدماء، وأنه يرى أن العقوبات على إيران كافية وتؤتي ثمارها، ولعل الواقعة الثانية أشدّ تعبيراً كما وثقها الكاتب الأميركي البارز في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، الذي كتب تعليقاً على حادثة استهداف منشأة أرامكو النفطية الحيوية في السعودية على أيدي اليمنيين، واعتقاد واشنطن والرياض بأن طهران كانت وراء هذا الهجوم بطائرات مسيّرة وصواريخ مجنّحة، فيقول فريدمان إن ترامب تخلّى عن حلفائه ويستخدم لغة ساخرة في توثيق اللحظة، فيشير إلى إعادة حسابات في الشرق الأوسط من دول الخليج الى “إسرائيل” حيث أميركا لا تريد حرباً وعليهم تدبُّر أمورهم بأنفسهم.
واقعة تأييد خطوات الضمّ الإسرائيلية للأراضي العربية والفلسطينية تقول إن ترامب لا يسائل نتنياهو على خطواته طالما أنها لا تتطلب من واشنطن غير التأييد السياسي، وأن ترامب ليس معنياً ببناء مبادرات واقعية لتحقيق سلام فلسطيني إسرائيلي بقدر اهتمامه بالتطبيع الخليجي الإسرائيلي، لكن السؤال هو هل كانت إدارة بايدن عملياً غير ذلك، وهل كان طوفان الأقصى في توقيته إلا رداً على مبادرة بايدن لخط الهند أوروبا مروراً بالخليج وحيفا، في إعلان يضمر تصفية وتهميش القضية الفلسطينية؟ أما اغتيال القائد قاسم سليماني كخطوة عدائية بقرار أميركي فهل يختلف عن اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بمباركة أميركيّة وحماية أميركية كاملتين؟
الأكيد أن ما تمتنع عنه أي إدارة أميركية أو حكومة في الكيان من خطوات عدوانية، لا يعود إلى مقاربة عقلانيّة للصراع في المنطقة تهدف مخاطبة شعوب المنطقة وقوى المقاومة فيها طلباً لتسوية، ولا إلى خلاف أميركي إسرائيلي موهوم، سواء كانت الإدارة ديمقراطية أو جمهورية، وسواء كان الرئيس بايدن أو كمالا هاريس أو ترامب، المانع يكون حكماً هو إدراك العجز أو إدراك خطورة العواقب، وقد بات أكيداً أن استهداف منشآت إيران النووية أو النفطية يفوق طاقة واشنطن وتل أبيب على تحمل التبعات، سواء في طبيعة ما سوف يطال كيان الاحتلال من الردّ الإيراني المختلف والنوعي، أو ما سيلحق بأوضاع المنطقة من تفجير كبير يفرض على واشنطن الانخراط بجيوشها في حرب، ومن أزمات نفطية ومالية واقتصادية عالمية، يريد ترامب الابتعاد عنها بمثل ما كان بايدن وربما أكثر للبدء بعهده الرئيسي ببرامجه التي يشكل الاقتصاد الأميركي محورها والتي تصبح مستحيلة مع انفجار بهذا الحجم.
بالتأكيد ثمة فارق بين الرئيس الديمقراطي والرئيس الجمهوري بالنسبة للكيان، الرئيس الديمقراطي صهيونيّ بما يعنيه ذلك من نظرة للكيان كموقع متقدّم للمشروع الإمبراطوري الغربي الذي تقوده واشنطن، ومن شعور بالمسؤولية عن مستقبل الكيان في مواجهة الأعداء المشتركين ودعمه من جهة ولجمه من جهة موازية عندما يخوض حروبه بتهور حرصاً عليه وليس تبايناً في الأهداف، بينما الرئيس الجمهوري “إسرائيلي” ينظر للكيان كحليف شرق أوسطي، قريب لروح الغرب ونمطه الثقافي والاقتصادي والسياسي، يستحق الدعم والمساندة، لكن ترامب الذي يهدّد حلف الناتو بالتخلي عن خوض حروب لأجله لن يخوض حرباً لأجل الكيان، والرئيس الديمقراطي الذي يحظى بدعم يهود أميركا معني أكثر بمراعاة قادة الكيان من الرئيس الجمهوري الذي لا يحظى إلا بالقليل من أصوات اليهود، وإذا كان للأصوات من حساب فربما يكون ترامب معنياً بمراعاة مَن يمون على أصوات اللبنانيين الشيعة في ديترويت بعدما شكلوا بيضة القبان في فوزه الرئاسيّ أكثر من اهتمامه بمن يمون على أصوات الناخبين اليهود، معادلة نبيه بري وبنيامين نتنياهو على طاولة ترامب كصاحب صفقات صار في البيت الأبيض!
سيرياهوم نيوز١_البناء