حسن محمد البيتي
ترجع “غوغل” أسباب ظهور صور ترامب في محرك البحث عند كتابة كلمة “غبي” إلى معلومات يحرّرها الأشخاص حول أي شيء، وتصبح متداولة بينهم، فيظهر محرّك البحث أن ذلك شيء مشهور وفق خوارزميات معقّدة.
استشهد الكاتب محمد توفيق على مدى أهمية التعرّف إلى الغباء السياسي بمقولة الفيلسوف الإسباني خوسيه جازيت من كتاب “تمرد الجماهير”، حيث قال جازيت: لطالما طرحت على نفسي السؤال الآتي: لا شكّ أنّ من العذابات التي تبعث على القلق في حياة كثير من الناس اضطرارهم منذ الأزل إلى الاحتكاك بحماقة الآخرين. فكيف أمكن مع ذلك ألا يحاول أحد قط القيام بدراسة عن الحماقة؟
وجعل كتابه موجّهاً بالدرجة الأولى خطابياً إلى الشعب المصري، وكل ما ورد في الكتاب من ضرب الأمثلة كان من المحيط المصري.
تأثّر الكاتب توفيق في وضع كتابه بالعديد من المراجع، حيث أطلق عليها بأنها “كتب ملهمة”، مثل: كتاب “فوق العرش” لنجيب محفوظ، وكتاب “التفكير فريضة إسلامية” لعباس العقاد، وكتاب “الأعمال الكاملة” لمحمد عبده، وكتاب “طبائع الاستبداد” لعبد الرحمن الكواكبي، وكتاب “الإسلام والاستبداد السياسي” للشيخ محمد الغزالي، وكتاب “أخبار الحمقى والمغفّلين” لابن الجوزي.
وكان التأثير الأكثر في كتابه للكاتبين الصحافيين الساخرين اللذين ارتبطا كزملاء مهنة بالكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل، وهما: محمود السعدني، وتوفيق الحكيم.
وفي خاتمة كتابه وضع التعريف الذي هو المراد من تأليف هذا الكتاب، وهو تعريف الغبي وفق وجهة نظره بعد أن ملأ كتابه بالاستشهاد عن حوادث ذات صلة بالموضوع، حيث نجد التعريف في الصفحة 134 بقوله: الغباء السياسي هو نتاج هذه الثلاثية (غبيّ، سياسيّ، مستبدّ)، وبشكل أوسع هو المغرور برأيه، والرافض لنصيحة غيره، وغير القادر على تسيير أمور الناس ورعاية مصالحهم، لأنه غير ملمّ بما حوله، فيقوم بتصرّفات يراها هي الأفضل، ولكنها تعد من قبيل الغباء.
ولكن يرجع الكاتب الفضل في تعريف مصطلح الغباء السياسي بمصر للرئيس الراحل أنور السادات في قصة طويلة مفادها بأن ظهور الطرف الثالث (محضّري أرواح الجن) مردّه لغباء الطرف الأوّل (رفاق الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر) الذين استعانوا بالجن من أجل معرفة ما يجب فعله في مستقبلهم السياسي، وذلك لعرقلة فترة حكم السادات الذي قال عنهم بعد اعتقالهم: “دول المفروض يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي”.
وفي إطار تعريف الغباء السياسي، استعرض الكاتب توفيق في الفصل الأول تحت عنوان “تراث من الغباء” نماذج من الحكّام الأغبياء، ومنهم الفرعون “بيبي الثاني”، حيث حكم عليه توفيق بحماقته كونه لم يضف شيئاً جديداً في فترة حكمه للدولة الفرعونية، ولم يوقف تدهور الوضع، ولا يدري بما يجري من حوله، حتى ثار الناس ضده (ص21).
يقسّم العلامة ابن خلدون أطوار الدولة من حيث عمرها، فيذكر أن الطور الخامس يكون الحاكم فيه مترفاً ومسرفاً وهادماً لجهود من قبله من المؤسسين للدولة، وعلى يده تنهار الدولة[1].
وفي أمثلة أخرى من واقع التاريخ المصري فيما يتعلّق بمن حكموا من الأغبياء، فقد أشار توفيق إلى سيرة بهاء الدين قراقوش، عامل السلطان صلاح الدين الأيوبي على مصر، وفيما يتعلّق بتاريخ الحكم المعاصر لمصر، فكانت الوقفة مع حكم الخديوي إسماعيل وابنه توفيق، وتراكم الديون على الدولة المصرية حينها، ووضعها على طريق الاستعمار، وصولاً للحكم العسكري بعهد الرؤساء الثلاثة: جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، والذين استفاض الكاتب في الحديث عنهم في الفصل الثاني من كتابه تحت عنوان “الغباء السياسي”.
كما يعلّل الكاتب أن سبب نجاح ثورة 25 كانون الثاني/يناير المصرية هو غباء الحاكم في أن يتصرّف بالشكل المناسب مع تلك الاحتجاجات، كما كان حال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عندما اتهم أطرافاً ثالثة لم يسمها في أحداث الاحتجاجات، والتأخّر في إطلاع الرأي العام بكل مستجد، وعدم الشعور بما يجري حوله، خصوصاً منذ مقتل الشاب خالد سعيد، عقب إقرار قانون الطوارئ، وعدم احتواء الموقف بالشكل المناسب، لكي تتحوّل الشرارة إلى بركان في أواخر كانون الثاني/يناير 2011.
وكشفت الأيام عن أن الرئيس مبارك كان يستعين بالعرّافين ليقرأوا له مستقبل حكمه لمصر، ويبني على ذلك قراراته.
نجد أن وصف الحاكم الديكتاتور بالغبي أمرٌ استمرّ في القرن الحادي والعشرين في ظل ثورة الإعلام الرقمي، واستخدام الجماهير لذلك في التعبير عن رأيهم تجاه حكّامهم، وقد أشارت لذلك مديرة دائرة محرّكات البحث في غوغل ساندرا بيشاي في جلسة الاستجواب التي عقدها الكونغرس الأميركي بخصوص ظهور صور ترامب في محرك البحث عند كتابة كلمة “غبي idiot”[2]، وأرجعت بيشاي ذلك إلى معلومات يحرّرها الأشخاص حول أي شيء، وتصبح متداولة بينهم، فيظهر محرّك البحث أن ذلك شيء مشهور وفق خوارزميات معقّدة.
يسبّب الغباء السياسي أمراضاً يعاني منها المستولي على السلطة وفق ما أشار إليه أستاذ الطب النفسي د. محمد المهدي، وهي على النحو الآتي:
1- الهاجس الأمني من غضب الجماهير، فتكون احتياطاته الأمنية أشدّ.
2- العزلة وافتقاد الحياة الطبيعية بسبب المحاذير الأمنية التي تحيط به.
3- تضخيم الذات من قبل الشخصية البارانويية والنرجسية، قد تصل إلى التألّه.
4- إدمان السلطة، والعناد عند مواجهة الشعب.
5- جموده تجاه تحسين الأوضاع، وإفلاسه بعد طول فترة الحكم.
6- الشيخوخة، وتوريث الأبناء منصبه.
وفي الفصل التالي “استثمار الغباء” ذكر الكاتب توفيق نماذج من استثمار غباء الحكّام أو المحكومين، مشيراً إلى أن جحا كان نموذجاً قديماً في استثمار غباء الحكّام، بينما إسماعيل ياسين هو أحدث النماذج من خلال حرص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على مشاهدة أفلامه التي يتسم فيها بتمثيل دور الغبي، وكذلك الحال مع الممثل المصري محمد سعد المشهور بـ “اللمبي” الذي يتسم طبيعة دوره التمثيلي بسمة الغباء.
ومن ناحية أخرى، هناك ساسة أذكياء خلف الحاكم يسيّرون مفاصل الحكم، وكذلك رجال الدين المعروفون بالطاعة العمياء لولي الأمر، واستعرض الكاتب في مستهلّ حديثه عن رجال الدين، ما كان من موقف الإمام الحسين بن علي، وابنته نفيسة تجاه الدولة الأموية، كما تطرّق الكاتب لأمثلة في مواجهة الدولة المستبدة من قبل رجال الدين السابقين في مصر.
تعليق: يقول المثل المصري الشعبي في رجال الدين أصحاب الطاعة العمياء: “إدي له بطه يادي لك فتوى”، وقد وجدت أن الكاتب خصص التيار السلفي المتشدّد بهذا الصفة، وخلال تتبّعنا لمسيرتهم الدينية، كانوا من المؤيدين لحسني مبارك، ثم لمحمد مرسي، ثم لعبد الفتاح السيسي، وما يؤيد ذلك أن السلفي ياسر برهامي اعتبر ما فعله الحسين بن علي هو خروج على يزيد بن معاوية وعدّ ذلك خطأ، وذلك بعد أحداث 30 حزيران/يونيو 2013، وكذلك بقية رجال الدين الذين استجوبتهم المحكمة في قضية “داعش إمبابة” خلال سنة 2021، وعرضت لهم أقوالهم بعهد حكم محمد مرسي، وقد التفّوا عليها بالفتوى ذاتها حول مسألة درء المفاسد وجلب المصالح.
في الطرف المقابل يقف ضدهم الإخوان المسلمون الذين يرفضون الحكم العسكري أو المدني ما لم يمشِ وفق أيدولوجيتهم، فهم من دعم جمال عبد الناصر ضمن إطار تنظيمهم العسكري في مصر، وهم من دعم عمر البشير في الصعود لرئاسة السودان، وهم من دعم علي عبد الله صالح في حرب 1994 في جنوب اليمن، كما أفاد بذلك أحد قادتهم في لقاء متلفز على قناة “القاهرة والناس”.
[1] نظرية الدولة عند ابن خلدون، تم الاسترداد من الرابط https://uqu.edu.sa/ahsharif/4584 [2] صحيفة “إرم نيوز”، تم الاسترداد من الرابط: https://www.eremnews.com/news/world/1603460
سيرياهوم نيوز 1-الميادين