| فاطمة كرنيب
الوجود العسكري التركي في العراق، والمياه، والنفط: 3 ملفات شائكة بين بغداد وأنقرة، فما هي جذورها؟ وكيف ينظر إليها العراق في ضوء الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تركيا؟
في كانون الثاني/يناير من العام الحالي، قال الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد إنّ العلاقات بين بلاده وتركيا “لا يمكن أن تكون طبيعية، وأن يتم في الوقت نفسه خرق حدودنا”.
وكشف رئيس العراق أنّ بغداد نصحت أنقرة “بوضع حد لانتهاكاتها”، مؤكّداً أنّ وجودها على الأراضي العراقية مرفوض، “من الشعب الكردي وشعب العراق، ومن حكومة الإقليم وحكومة العراق”.
كذلك، تطرّق الرئيس العراقي إلى قضية المياه بين العراق وتركيا، حيث أكّد ضرورة التوصل إلى اتفاق مع تركيا “بشأن حصة عادلة من المياه للعراق”، بسبب خفض الحصة المائية من جانب تركيا الذي سبّب مشاكل للزراعة في العراق.
وقبل شهرين، عُلِّق تصدير 450 ألف برميل نفط يومياً من كردستان العراق إلى ميناء جيهان التركي، على البحر المتوسط، بعدما كسب العراق قضية تحكيم اتهم فيها تركيا بأنها انتهكت اتفاقاً حين سمحت لكردستان العراق بتصدير النفط من دون موافقة بغداد.
الوجود العسكري التركي في العراق، والمياه في نهري دجلة والفرات، إضافة إلى النفط في إقليم كردستان العراق: 3 ملفات شائكة بين بغداد وأنقرة، فما هي جذورها؟ وكيف ينظر إليها العراق في ضوء الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تركيا؟
الوجود العسكري التركي في العراق
تصنِّف تركيا حزب العمال الكردستاني المعارض “P.K.K” على أنّه “تنظيم إرهابي”، وفي عام 2013 بدأت الحكومة التركية مفاوضات معه لحل القضية الكردية، لكنّ القتال استؤنف بعد انهيار وقف إطلاق النار بعد عامين. وتلا ذلك حملة قمع واسعة شنتها أنقرة على الناشطين الكرد في أعقاب محاولة انقلاب شهدتها البلاد عام 2016.
تنظر تركيا إلى الكرد على أنّهم قضية أمنية بالنسبة لها، في حين تتمركز قوات حزب العمال منذ ما يزيد على 3 عقود في جبال قنديل، الواقعة على مثلث الحدود العراقية – التركية – الإيرانية.
لم يقتصر الوجود العسكري التركي على المناطق الحدودية، بل تجاوزها حتى وصل إلى تخوم محافظة نينوى العراقية، بمعسكرات كبيرة تضم آلاف الجنود وأسلحة ومعدات عسكرية متطورة.
عبر الجيش التركي الحدود الشمالية العراقية مرات عديدة في 1992 و1995 و1996 و1997. ويُقدَّر عدد العسكريين الأتراك اليوم في العراق، ضباطاً وجنوداً، بما يزيد على 7 آلاف، وهم موجودون في مساحات جغرافية واسعة تقارب 100 كلم في عمق الأراضي العراقية.
ولتركيا 11 قاعدة عسكرية رئيسية في إقليم كردستان العراق، إضافةً إلى 19 معسكراً تابعاً لها. وفي 2015 أي بعد نحو عام على اجتياح تنظيم “داعش” الإرهابي مدناً عراقية، استحدثت تركيا معسكرات جديدة في مدن بعشيقة، وصوران، وقلعة جولان، وزمار، محوِّلةً معسكرها في منطقة حرير جنوب أربيل إلى قاعدة عسكرية.
وبنت أنقرة قاعدة سيدكان، وفتحت مقار لها في مدينتي ديانا وجومان، على مقربة من جبال قنديل، بهدف إحكام السيطرة على مناطق خنير، وخاوكورك، وكيلاشين، ما يؤمّن لها الاقتراب من مواقع تمركز تشكيلات حزب العمال الكردستاني.
وإلى جانب التحركات العسكرية في القواعد والمقارّ التركية في العراق، تنشط الاستخبارات التركية “MIT” بشكل واسع في إقليم كردستان، عبر 4 مقارّ رئيسية في العمادية، وماتفيا، وزاخو، وكاراباسي.
تتولى المقارّ الاستخبارية التركية، إلى جانب دعم الأعمال العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، العمل في ملفات سياسية وغير سياسية، عبر استغلال العلاقات الإيجابية التي تربطها بقوى وأحزاب وشخصيات عراقية.
الشمري: في حال فوز إردوغان سينخرط بشكل أكبر في الداخل العراقي
يرى رئيس مركز التفكير السياسي في العراق الدكتور إحسان الشمري أنّ الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان لن ينتهج سياسة مغايرة تجاه العراق في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية، “خصوصاً أنّه لا يزال ينظر إلى العراق على أنّه جزء من المجال الحيوي لتركيا، إضافة إلى أنّه يركز بشكل كبير على إنهاء ملف حزب العمال الكردستاني”.
وقال الشمري في حديث للميادين نت إنّ سياسة إردوغان تجاه بغداد قد تصير أكثر تطرّفاً، ولا سيما أنّ حزب العمال الكردستاني أكثر نشاطاً في إقليم كردستان، ما يدفع إردوغان لمواصلة سياسته الحالية، “مع الأخذ بالاعتبار أنّ تركيا ستعمل على تعويض خسائرها الاقتصادية من خلال الانخراط بشكل أكبر في الداخل العراقي”.
وفي ما يتعلق بمنافس إردوغان، قال الشمري إنّ كمال كليجدار أوغلو يتبنّى سياسة مغايرة بشأن محاولة إيقاف التوغل التركي في دول الجوار، ما قد ينعكس إيجاباً على العراق. إلا أنّ ذلك “يعتمد بما لا يقبل الشك على مستوى التطورات الداخلية التي يمكن أن يجريها كليجدار أوغلو داخل تركيا”.
وعلى الرغم من أنّ كليجدار أوغلو لم يصرّح بما يكشف طبيعة الموقف تجاه العراق، رأى الشمري أنّ “نظرته لن تختلف، خصوصاً أنّ الأمن القومي التركي سيكون حاضراً، لكن قد يكون أخف وطأة من خلال إعادة ترتيب الأوراق من جديد لتركيا على مستوى جوارها”.
بدوره، عبّر الأستاذ في جامعة بغداد حسن عبد الهادي في حديثه للميادين نت عن “أن العراقيين لا يثقون بالسياسة التركية على الإطلاق، سواء أكان إردوغان أم كليجدار أوغلو في السلطة، فالأتراك يتعاملون مع العراق وكأنّه قرية تابعة للدولة التركية”.
وتابع عبد الهادي: “الأتراك لديهم سياسة وخطة استعمارية معلنة بضم العديد من المحافظات العراقية إلى تركيا، متخذين من وجود حزب العمال الكردستاني ذريعة للتمدد وأخذ الموصل وكركوك وغيرهما. هذه السياسة ثابتة كما هي سياسة الأميركيين: سياسة استعمارية، لكنها مغطاة بحقوق الإنسان والدفاع عن بلدهم…”.
الخلاف على نهري دجلة والفرات
شرعت تركيا في مشروع “جنوب شرق الأناضول الاستراتيجي”، أو “GAP”، عام 1997، وهو يتضمّن إنشاء 22 سداً، 8 منها على منابع نهر دجلة، و14 على منابع نهر الفرات.
وأبرز هذه السدود سد “إيليسو”، الذي بُدِئ في ملء خزانه المائي في الأول من حزيران/يونيو 2018، وهو يتمتّع بقدرة تخزينية كبيرة. وبينما عمدت تركيا إلى بناء السدود على نطاق واسع لتأمين المياه للزراعة والطاقة الكهرومائية، تفاقمت في البلدان المجاورة التحديات التي يفرضها تغيُّر المناخ.
وكان العراق على وجه الخصوص الأكثر تضرراً من نقص المياه، إذ واجهت أجزاء مختلفة من البلاد أزمات حادة، وخاصة بسبب هذا السد، ولا سيما أنه مبني في أعلى مجرى لنهر دجلة في تركيا، إضافة إلى السدود التركية الأخرى التي بنيت على روافد أصغر.
وطوّرت أنقرة مفهوم “الوطن الأزرق” أو “Mari Vatan”، وهو مفهوم جيوستراتيجي يعبّر عن العقيدة البحرية للسفن التركية، “فلا يمكن أن نهمل البحر ثانية ولا يمكن أن يجري إقصاؤنا عن سياسات وعن حضارة البحر الأبيض المتوسط”، بحسب تعبير الجنرال المتقاعد الأدميرال جيم غوردينيزفي.
ويُنظر إلى هذا المخطط على أنّه دليل على وجود مطامع توسعية لدى أنقرة في المنطقة، إذ إنّه يعني بحسب خبراء، الهيمنة على المنطقة الاقتصادية الخالصة على المياه الإقليمية المجاورة والجرف القاري لشرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وبحر إيجة.
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، وضع الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان هذا المخطط في قائمة أولويات سياسته الخارجية، وعمد إلى تطبيقه عبر الانخراط المسلح في النزاعات في شمال العراق.
والنفوذ التركي المائي في العراق، أدّى إلى تأثّر البلاد الشديد بقطع أنقرة المياه مؤقتاً من دجلة والفرات، ليصبح الحدث جزءاً من الخطاب السياسي، في وقت عانى المزارعون من الجفاف على امتداد الأراضي العراقية.
عبد الهادي: في موضوع المياه لا يثق العراقيون بأي من إردوغان أو كليجدار أوغلو
وعلى الرغم من أنّ فوز المرشح المعارض كمال كليجدار أوغلو قد يكون له أثر إيجابي في ملف الوجود العسكري التركي في العراق، كما رأى الدكتور إحسان الشمري، فإنّ ذلك لا ينسحب على موضوع المياه بين البلدين. فقضية المياه “ستستمر كجزء أساسي من الأمن القومي التركي، ولن يفرّط كليجدار أوغلو فيها”. إضافة إلى أنّ المياه ورقة ضغط كبيرة بيد تركيا تجاه العراق.
أما بالنسبة لإردوغان، فقال الشمري للميادين نت إنّه لم يتبع سياسات تراعي مصالح البلدين المشتركة، فصحيح أنّه “عمل على تعيين مبعوث خاص للمياه، لكنّ بلاده لم تستجب لدعوات بغداد في قضايا المياه، وضرورة وجود اتفاق بين دول المنبع ودول المصب التي ترعاها القوانين والأعراف الدولية”.
كذلك، رأى الدكتور حسن عبد الهادي أنّ سياسات إردوغان تجاه العراق لا تتغيّر، “ولا يمكن الاطمئنان إليه أبداً، ونحن أصحاب تجربة معه”. وأشار عبد الهادي إلى محاولات إردوغان الدائمة لقطع المياه عن الشعب العراقي، مضيفاً “إنّنا لا نثق سواء بإردوغان أم بمنافسه”.
النفط في كردستان العراق
بعد صراع مستمر حول موضوع النفط بين البلدين، كسب العراق، خلال آذار/مارس الماضي قضية التحكيم، استناداً إلى الاتفاق الموقّع بين بغداد وأنقرة عام 2010، وهو مبني على اتفاق عام 1973، الذي أخلّت به تركيا.
وينص هذا الاتفاق على وجوب امتثال الحكومة التركية “لتعليمات الجانب العراقي فيما يتعلق بحركة النفط الخام الآتي من العراق في مراكز التخزين والتصريف والمحطات النهائية كافة”. وعند تمديد الاتفاق عام 2010، أكّدت تركيا أنّ الجهة العراقية هي في تحديدها وزارة النفط في جمهورية العراق.
إلا أنّ أنقرة سمحت لإقليم كردستان العراق بتصدير النفط عبر أنابيب إلى ميناء جيهان التركي، من دون الرجوع إلى وزارة النفط في الحكومة الاتحادية، ما مكّن أربيل من الاحتفاظ بالإيرادات، ودفع العراق إلى رفع دعوى في غرفة التجارة الدولية ضد تركيا.
وكان العراق يضخ 370 ألف برميل يومياً من نفط حكومة إقليم كردستان، و75 ألف برميل يومياً من نفط الحكومة الاتحادية عبر خط الأنابيب الممتد من كركوك إلى ميناء جيهان قبل وقفه.
وتعمل تركيا على إحكام سيطرتها على الإقليم الغني بالغاز الطبيعي والنفط، معزِّزةً حضورها الاقتصادي فيه في مجال الاستثمارات النفطية، إذ تنشط في 8 حقول في الإقليم شركات نفط تركية.
وتملك شركة “كنل إنيرجي” التركية حصصاً كبيرةً في البلوكات النفطية في الإقليم، فهي تملك 25% في بلوك طاوكي، و40% في بلوك بيربهر، و40% في بلوك دهوك، و44% في بلوك بناوي، و44% في بلوك طقطق، و75% في بلوك ميران، و60% في بلوك جيا سورخ.
وتملك شركة أخرى، هي “بيت أويل” حصصاً بنسبة 20% في حقول جيا سورخ وبلكانة. وتشرف شركة “بوتاش” التركية على أنبوب النفط الذي يبلغ طوله 896 كلم، ويقع 221 كلم منه في إقليم كردستان، وتجني منه أرباحاً كبيرة.
العراقيون لا يأملون خيراً من حاكم تركيا أياً كان!!
وعلى غرار الملف المائي، فإنّ النفط، برأي الدكتور إحسان الشمري سيستمر التعامل معه أيضاً كجزء من الأمن القومي لتركيا، في حال فوز كمال كليجدار أوغلو، “خصوصاً أنّ تركيا بحاجة إلى تدفق النفط العراقي من خلالها، وإلى الطاقة فيها، كونها دولة صناعية.
الدكتور حسن عبد الهادي قال للميادين نت إنّه لا يتوقّع أن يكون للشعب العراقي مصلحة في حال فوز إردوغان في الانتخابات الرئاسية أو بقائه، فالأتراك لا ينظرون إلى المصلحة العراقية، وهم بحسب تعبيره، لا ينظرون حتى إلى مصلحة الشعب التركي بل إلى مصلحة النظام.
وأضاف عبد الهادي أنّ المنافسة بين المرشحين في تركيا لا تعني العراق بشيء، مشيراً إلى أنّ السياسة الدولية هي التي تتحكّم بالسياسة الداخلية التركية. وأردف قائلاً: “بصريح العبارة، السياسة التركية، التي سبق أن عرفنا أنّ فيها وجوداً إسرائيلياً، لا نتأمل منها شيئاً”.
بدوره، قال الدكتور إحسان الشمري أن “لا مصلحة للمواطن العراقي فيما يتعلق بالشخص”، بل إنّ الموضوع مرتبط بالسياسات التي ينتهجها كل من المرشحين. وتابع الشمري: “من الصعوبة التمييز من الآن من سيكون في صالح العراق، فحتى كمال كليجدار أوغلو يمكن أن ينقلب على شعاراته. نحن بحاجة إلى سياسات لأنّ شعارات الحملة الانتخابية شيء، والرئاسة شيء آخر”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين