- سارة براهمي
على الرَّغم من اتفاقيات التطبيع الموقَّعة بين “إسرائيل” والمغرب، فإنّ ذلك لم يكن له أثر عميق في شعوب المغرب العربي، الرافضة في أغلبيتها لأيّ شكل من أشكال التطبيع، لا سياسياً فقط، بل ثقافياً وأكاديمياً أيضاً.
منذ أن بدأت موجة التطبيع، حاولت “إسرائيل”، في كل الأساليب والوسائل، أن تتسلّل ببطء، و تخدش وعي شعوب المغرب العربي. وسخّرت، من أجل ذلك، كل الإمكانات المادية والبشرية، ليستعر مجدداً جدلُ التطبيع، ثقافياً وأكاديمياً، في تلك المنطقة.
لطالما شكّل المغرب العربي أرضاً خصبة للتدخل الإسرائيلي، وخصوصاً مع التنوع في المغرب العربي، دينياً وإثنياً، وأزمة التاريخ الغربي مع اليهود، وادّعاء إحدى السرديات أنّ “جزءاً من أمازيغ شمال أفريقيا كان من اليهود”، ومن “السكان الأصليين” في تلك المنطقة.
إلى اليوم، يزور اليهود المغرب العربي، كلَّ عام، من جميع أنحاء العالم، من أجل إحياء يوم “هيلولا” (يوم العيد)، ويحجّون كل عام إلى “كنيس الغريبة” الواقع في جنوبيّ تونس، وهو أكبر وأقدم معبد يهودي في أفريقيا.
وجود اليهود في المغرب العربي أضاف ثراءً، وكرّس مبادئ التعددية والتعايش السلمي.
تونس عصيّة على التطبيع
شهدت الساحة التونسية، في الماضي القريب، رفضاً قاطعاً للتطبيع مع “إسرائيل” دبلوماسياً وثقافياً، والذي أشعلت شرارتَه حكومة يوسف الشاهد بنفسها، بعد تعيين روني الطرابلسي وزيراً للسياحة. والأخير هو رجل أعمال تونسي يهودي، تسبَّب تعيينه بردود أفعال عنيفة من مختلف أطياف المجتمع المدني، وطُرحت بقوة مطالب لإقالته بعد ظهوره في قناة إسرائيلية. ظهور روّج التطبيعَ، بحسب عدد من السياسيين والناشطين في المجتمع المدني.
لم تتوقف محاولات التطبيع في تونس عند هذا الحد. ففي الوقت الذي يعتبر أعلى هرم في السلطة التونسية أن التطبيع “خيانة عظمى”، ويصف “إسرائيل” بـ”العدو”، تفاجَأ الكتّاب التونسيون بما أقدم عليه “بيت الرواية” – وهو مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة التونسية –، في شخص مديرها كمال الرياحي، لتُطرح مجدداً وبقوة مسألة التطبيع الأكاديمي، فلقد نشر الرياحي مقالة كتبتها عنه صحيفة عبرية رسمية تُعَدّ إحدى الأذرع الإعلامية لجيش الاحتلال، و احتفت في أكثر من مناسبة بالتوسع الاستيطاني والجرائم في حق الإنسانية.
في هذا السياق، قالت مباركة البراهمي، وهي نائبة سابقة في البرلمان التونسي وناشطة في المجتمع المدني، في حديث إلى الميادين نت، إن إقالة كمال الرياحي جاءت بعد ضغط شعبي وضغط إعلامي يندّدان بالتطبيع مع الكيان الغاصب، وبكلّ شخص “يتبادل المجاملات مع العدوّ، ويفاخر بعلاقته به”.
وقالت البراهمي “إن الأنظمة المتعاقبة لا تملك الجرأة على التطبيع الدبلوماسي مع العدو علناً، على الرغم من الحركات التي حاول النظام البائد إخفاءها قبل عام 2011، وحتى خلال العشرية الأخيرة، عندما افتُضح أمر وزير الخارجية السابق، خميس جهيناوي، الذي كان يشرف على مكتب اتصال في “تل أبيب””.
وأضافت أن “النظام ليس لديه الجرأة على التطبيع، لأن الشعب التونسي يعي جيداً أن أرضنا واحدة و مصيرنا واحد، وأن الدماء التونسية والفلسطينية امتزجت، منذ عملية الساق الخشبية إلى اغتيال الشهيد محمد الزواري”. وقالت إن المجتمع المدني التونسي، على الرغم من اختراقه من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، “سيتصدى للحركات التغريبية، كما تصدى للإرهاب، ومن قبله للديكتاتورية والاستبداد”.
وشدَّدت البراهمي على أن “عداءنا ليس لليهودية، بل للحركة الصهيونية التي نعدّها حركة فصل وتمييز عنصريَّين، وحركة تشرّع اغتصاب الحق والأرض، وتهجّر شعبنا في فلسطين المحتلة. نحن نقبل التعددية الدينية، والشعب التونسي شعب منتفتح في طبعه،لكن الولاء يجب أن يكون لتونس فقط”.
سقط بعض الجامعيين التونسيين والأكاديميين أيضاً في بؤرة التطبيع الأكاديمي، والتحقوا بفيلق العار، مثل العميد السابق لكلية الآداب في منوبة، الحبيب الكزدغلي، الذي قاد حركة تطبيعية بحجّة “تبادل الخبرات تشجيعاً على البحث العلمي”، ولم يتصدَّ له سوى الشبّان المنتمين إلى الاتحاد العام لطلبة تونس، والذين سوّقوا القضية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وجيّشوا الطلبة في سلسلة تحركات ميدانية، احتجاجاً على “التركيع والتطبيع”، والتي انتهت أخيراً بإقالة الكزدغلي.
تطبيع النظام لا يمثّل الشعب المغربي
يذهب بعض الجهات الثقافية والأكاديمية التونسية نحو التطبيع مع “إسرائيل” في الخفاء، وترفضه الجهات الرسمية العليا في البلاد. يوقّع المغرب اتفاقات غير مسبوقة للتعاون الأمني، رسمياً وعلناً، ويزور المملكةَ ديبلوماسيون إسرائيليون، وتُعقَد بين الطرفين اتفاقات من أجل مواجهة “التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة”، ومن أجل تبادل الآراء وإطلاق المشاريع المشتركة، وتحفيز التبادل، اقتصادياً وتجارياً، في كل من المغرب و”إسرائيل”.
الاتفاق الذي جرى عام 2020 بوساطة أميركية، أصبح المغرب بعده الدولة العربية السادسة التي تطبّع مع “إسرائيل”، بعد مصر (1979)، الأردن (1994)، الإمارات (2020)، البحرين (2020) والسودان (2020).
وفي تصريح للميادين نت، قالت نجيبة قسومي، وهي ناشطة سياسية وعضو في المجلس الوطني لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي في المغرب، إن”التطبيع مع العدو الصهيوني مرفوض رفضاً قاطعاً”، لأن “لا ثقة بكيان غاصب قاتل للنساء والأطفال”.
وأضافت أن” المغاربة الأحرار مؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية”، وأن التطبيع “ما هو إلاّ محاولات لتركيع السيادة الوطنية، وهو لا يمثّل الشعب المغربي، في مختلف أطيافه وتعدُّده الديني، بل يمثّل فقط الحكومات العميلة، وأن هذه الاتفاقية لا تعكس الصورة الحقيقية لرغبة الشعب المغربي. فالأصل في الأشياء أن الشعب المغربي ناصر القضية الفلسطينية منذ القِدَم. وفلسطين تُعَدّ، بالنسبة إليه، بالقَدْر نفسه من أهمية قضية الوحدة الترابية المغربية، وجُزءاً لا يتجزأ من وحدة الوطن العربي”.
وأشارت القسومي إلى أن “أحرار الشعب المغربي، من مواطنين شرفاء ومناضلين، في صدد درس عدة تحركات ميدانية ضد الاتفاقيات والقرارات التي تركّع الشعب المغربي وتُخضع سيادته”.
وتعليقاً على جدلية اليهود المغاربة، ومسألة التطبيع مع “إسرائيل”، عقّبت القسومي قائلة إن “هناك مَن استسلم وانحنى وغادر نحو دولة الاحتلال، زاعماً أنها حامية وراعية لمصالحه الاقتصادية والاجتماعية، ولمعتقداته الدينية، لكن الاستثناءات موجودة، على غرار سيون أسيدون، المناضل الفذّ في صفوف حركة المقاطعة في المغرب، والحقوقي المناهض للحركة الصهيونية”، مضيفة أن” الإشكال لم يكن يوماً مع اليهود، بل مع مَن يكون ولاؤه لغير المغرب والوطن العربي”.
الجزائر تتصدَّر حملة مناهضة “إسرائيل”
أمّا بشأن الجزائر، فقال الناشط السياسي الجزائري، يونس مشارقي، للميادين نت، إن بلاده هي “الأشد عداوة للظاهرة الاستعمارية والعدوان على حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير”. وهذا، بحسب رأيه، يكون عبر الرجوع إلى العامل التاريخي الذي كان “نقطة مأساة” الجزائريين مع الاستعمار الفرنسي، بالإضافة إلى التزام الجزائر – دولة وشعباً – القضيةَ الفلسطينية، انطلاقاً من التضامن عربياً وإسلامياً، و”الواجب أخلاقياً”.
من هذه المنطلقات، يمكن القول إن الجزائر تتصدَّر، رسمياً وشعبياً، حملة مناهضة الكيان الصهيوني، باعتباره “كياناً غريباً” عن المنطقة وتاريخها وجغرافيتها، مهما تغيرت المعطيات الدولية.
وفيما يتعلق بموجة التطبيع مع “إسرائيل”، علّق مشارقي قائلاً إنها كشفت “ضحالة النظام الرسمي العربي وفقدان معالم السيادة لديه، من خلال التناسي المتعمّد لحقيقة مفادها أن الكيان خاض معركته ضد كل العرب، ونيّاته لا تتوقف عند حدود فلسطين التاريخية”.
وأضاف أن موجة التطبيع جاءت بعد صفقة القرن التي فرضها ترامب على أنظمة “فاقدة للاستقلالية والسيادة بشأن اتخاذ المواقف المشرّفة”، ووصفها بأنها “موجة خيانة”، و”تعبر عن فقدان البوصلة الدبلوماسية”، مؤكداً أنها “موجة مفلسة، ولا وجود لأي أفق يمكن أن يجعلها أمراً واقعاً في المسار التاريخي”.
وشدّد مشارقي على أن المغرب العربي لا يمكن أن يكون، في أي حال من الأحوال، أرضاً خصبة للتطبيع، بسبب “نكران المزاج العام للفكرة، على الرغم من عمالة الحكومات المطبّعة”. كما أشار إلى أن “عدم ثورة بعض الشعوب على المواقف غير السيادية”، هو “خمول متعمَّد” ساهمت في صنعه وتطويره بعض الحكومات العربية، لكنه لا يعني بالضرورة أن “الشعوب المغاربية يمكن أن تنسى العداء مع العدو الصهيوني”.
المحاولات الشعبية للتصدي للتطبيع لا تزال قائمة، في جميع المستويات، وفي عدد من الدول. وفي هذا الإطار، يتمّ بذل جهود متعدّدة في سبيل تبدُّد المساعي الإسرائيلية لتطويع شعوب المغرب العربي
(سيرياهوم نيوز-الميادين١٢-٢-٢٠٢٢)