علي عبود
بشّرتنا وزيرة التنمية الادارية الدكتورة سلام سفاف بانتهاء الدراسة الأولية لتعديل قانون العاملين الأساسي في الدولة، وبأن الدراسة ستطرح للحوار، وهو يتضمن فتح سقف الراتب..
تذكرت فورا الفترة التي سبقت دراسة تعديل قانون العاملين الأساسي لعام 1985، وتحديدا الفترة التي أنتجت القانون الحالي الذي صدر عام 2004، وكان نسخة مشوهة عن سلفه الذي لم تنفذ منه سوى المواد الضارة بالعاملين!
ولسنا مع انتقاد عضو مجلس الشعب بسيم الناعمة للدكتورة سفاف، فالوزيرة لم تقل أن قانون العاملين الأساسي نقطة سوداء في تاريخ سورية، بل قالت أنه نقطة سوداء في تاريخ الادارة العامة، ومن المستغرب أن يؤكد الناعمة ان (هذا القانون عندما صدر جاء مواتيا للظروف وحقق العدالة والمساواة الاجتماعية آنذاك)، فحبذا لو استشهد الناعمة بالمواد التي زعم انها حققت المساواة والعدالة الاجتماعية لملايين العاملين بأجّر!
وأتذكر أنني تقدمت بعدة مقترحات لحكومة (2003 ـ 2010) خلال إعدادها لمشروع تعديل قانون العاملين محورها: إصلاح الرواتب والأجور المدخل الأساسي لأيّ إصلاح إقتصادي واجتماعي، ولمكافحة الفساد الصغير..الخ!
ولكي لاتنتج الدراسة النهائية لمشروع تعديل قانون العاملين نسخة أكثر تشوها من القانون النافذ حاليا، ولكي لايأتي مسؤول مستقبلي ليؤكد مثلما أكدت الوزيرة سفاف بأن (قانون العاملين نقطة سوداء بتاريخ الإدارة بسورية),, فإنني أضع بين يديها المقترح الذي نشرته في صحيفة الاقتصادية ـ العدد 144ـ تاريخ 25/4/2004 بعنوان: مجرد إقتراح..
بما أن الحكومة جادة جدا بتعديل القانون الأساسي للعاملين بالدولة، وبما أن الجميع ينتظر بلهفة هذا التعديل على أمل أنه سيتضمن فتح سقوف الرواتب والأجور، وحساب المكافآت والتعويضات وطبيعة العمل والمهمات، وغيرها من العائد المادي على أساس الأجر الحالي .. فإنني أتقدم للحكومة باقتراح مختلف تماما، مع يقيني التام بأنه لا الحكومة الحالية، ولا الحكومات القادمة ستأخذ بهذا الإقتراح خلال السنوات القليلة القادمة.
الإقتراح ببساطة هو إلغاء كل ماله علاقة بالرواتب والأجور في مشروع تعديل القانون الأساسي للعاملين في بالدولة.
ومثل هذا الإلغاء يحقق العدالة لكل من يتقاضى أجرا في الجهات العامة والحكومية.. لأن العدالة ليست بمساواة الجميع بالأجر على أساس الشهادة او التحصيل العلمي!
وقد سبق أن قلنا أن من يعمل في حقول النفط أو المناجم أوالسدود..الخ، ليس مثل من يعمل بضع ساعات وراء المكاتب .. أومن لايعمل أساسا!
ومن يستخدم عقله لتطوير المؤسسات وتسويق منتجاتها ليس مثل من يستخدم قواه العضلية فقط!
وليست الإجازات الجامعية وشهادات الدكتوراة واحدة في مستواها العلمي كي نساوي حامليها بالأجر عند بدء التعيين دون الأخذ بعين الإعتبار لنوع الإختصاص، ولنوع الخبرة المكتسبة.
ومن غير المعقول أن نساوي بالأجر بين من لديه خبرة في التسويق مع عامل إداري لايمتلك أيّ خبرة، ولعل هذه المساواة الظالمة هي التي تجعل الجهات العامة تعلن عن المسابقات لحملة الشهادات دون وضع أيّ شروط أخرى للإختصاص أو الخبرة المطلوبة.. وهذا هوالسبب الذي يدفع الكثيرين للقول أن الجهات العامة تفتقر إلى الكفاءات والخبرات.
نقترح لهذه الأسباب وغيرها من الأسباب المماثلة أن تلغي الحكومة من مشروع تعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة جميع المواد التي لها علاقة بالرواتب والأجور أينما وردت، وإلغاء جداول الرواتب والأجور الملحقة بالقانون.. وأن يقتصر القانون بالتالي على مهام وواجبات ومسؤوليات العاملين..الخ.
ويمكن للحكومة أن تستعيض عن هذه المواد بمادة واحدة تنص على التالي: يُحدد الحد الأدنى للأجر بقرار يصدر عن مجلس الوزراء.
ويُفترض أن يتقاضى جميع العاملين بالقطاعين العام والخاص الحد الأدنى للأجر المحدد من مجلس الوزراء بغض النظر عن الشهادات العلمية أو الخبرات، لأنه يُفترض أن يُوفر الحد الأدنى من المستلزمات الأساسية لمعيشة المواطنين.
وبما أن مجلس الوزراء هو الذي يصدر قرارا بالحد الأدنى من السهل تعديل هذا الحد بقرار حسب حركة أسعار المواد الأساسية.
ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن عملية تحديد الحد الأدنى للأجر ليست صعبة وتتم من خلال تحديد السلة الغذائية الأساسية والحاجات الضرورية الأخرى التي يحتاجها المواطن خلال شهر واحد.
وبدلا من الخوض في عمليات سلالم الرواتب والأجور وحسابات التعويضات والمكافآت والحوافز في أحكام قانونية يصعب تعديلها، كما حدث مع القانون النافذ.. وجميعها لاتحقق العدالة للعاملين بأجر فإننا نقترح على الحكومة تشميل التعديل المنتظر لقانون العاملين مادة تنص على التالي: تقوم الوزارات والجهات العامة بوضع سلم للرواتب والأجور حسب الإختصاصات والأعمال التي تنسجم مع طبيعة عملها، ويصدر هذا السلم بقرار من مجلس الوزراء.
إن هذا الإقتراح يعيد الإعتبار إلى الوظيفة العامة ويجذب الخبرات المحلية والمهاجرة ويحقق العدالة بين العاملين ويدفع كل من لايملك الإختصاص والخبرة إلى اكتسابها لتحسين وضعه المادي.
ويُفترض بهذه الحالة أن يكون الراتب هوالأساس في التعيين استنادا إلى الإختصاص أو الخبرة أوكليهما معا.
وبموجب هذا الإقتراح تنتفي الحاجة إلى اعتماد أسلوب المكافآت والتعويضات والحوافز وغيرها من الميزات التي سبب وجودها هو ضعف الرواتب والأجور.
ومع تطبيق قوانين التأمين الصحي وتأمين البطالة والتقاعد المبكر خلال الفترة القادمة يصبح اقتراحنا قابلا للتطبيق.
والجهات العامة هي الأدرى بالراتب المقطوع الذي يزيد عن الحد الأدنى الذي يستحقه كل عامل لديها أو كل من تحتاجه للعمل لديها.
وعندما يُتاح لهذه الجهات منح الرواتب على أساس الإختصاص والخبرة، فإن الإعلان عن المسابقات سوف يختلف كليا وسيشبه إعلانات القطاع الخاص.
ومثل هذا الأسلوب في انتقاء العاملين في الجهات العامة سيدفع بجميع العاملين في الدولة أو الذين يمتلكون شهادات ويريدون إيجاد فرصة للعمل بالدولة في تدعيمها باختصاصات جديدة وباتباع دورات تدريب وتأهيل حقيقية.
إن إصلاح الرواتب والأجور والذي لايمكن أن يتحقق إلا بتطبيق هذا الإقتراح، هو المدخل للإصلاح الاقتصادي والإجتماعي ، بل لامستقبل لأيّ إصلاح دون إصلاح الرواتب والأجور.
وهذا الإصلاح لايكون بمساواة العاملين بالدولة بالأجور عند بدء التعيين حسب الشهادة، ولا بفتح سقف الرواتب والأجور ولا بحساب التعويضات على أساس الراتب الحالي..الخ.
فهذه المطالب جميعها مشروعة، ولكنها هي نتيجة لخلل قائم ومستمر منذ سنوات، والإلحاج عليها سببه ضآلة الرواتب والأجور وعدم عدالتها.
وبدلا من أن تعالج الحكومة آثار المشكلة يُفترض أن تعالج أسبابها، وكما قلنا سابقا تبدأ المعالجة بإقرار الحد الأدنى للرواتب والأجور ،وبمنح راتب مقطوع، يُضاف إلى هذا الحد حسب نوع الإختصاص ونوع الخبرة التي تحتاجها الجهات العامة في الدولة.
إن تنفيذ هذا الإقتراح يعيد الخبرات إلى الدولة، ويعيد الإحترام والإعتبار إلى الوظيفة العامة، والأهم من ذلك يؤسس لإصلاح حقيقي في الدولة باعتباره المدخل الأساسي للإصلاح الاقتصادي والإجتماعي والمدخل الأساسي لمكافحة الفساد في الدولة، وخاصة الفساد الصغير الذي يكاد يشمل الجميع.
وكما قلنا في البداية هو مجرد اقتراح وأشك أن يرى النور في المدى المنظور!
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)