ميخائيل عوض
تختلف النظرة والتقييمات للجاري على جبهة الجنوب. ويسود تشويش وارتباك مشفوع ببعض الارتهاب والحذر، يضيف عليها الشك تعامل وتعاطي اعلاميين ووسائل اعلام محسوبة على المقاومة ومحورها. ويزيد في التشويش احاديث وتسريبات وتمنيات بالا يتورط حزب الله بحرب قد تستدرج تدمير واسع لا قدرة له على التعويض واعادة البناء وليس للدولة اي امكانية ناهيك عن ازمات سورية ونقص الاموال في ايران.
البعض ومن محيط المقاومة او يزعمون، يرسمون صورة إحباطيه، ربما تكون مقصودة كرسالة تضليل للإسرائيلي والأمريكي وحلفائهم في لبنان، وربما طعم من المقاومة لكشف المزيد مما يخطط للبنان وما يعده الامريكي والاسرائيلي واحلافهم واعوانهم للبنان بعد غزة، ومن غير المستبعد ان يكون قد تشكل تيار في محيط المقاومة من رجال المال والاعمال واصحاب الفلل والقصور والسطوة ما يجعلهم بيئة حاضنة للإحباط والتيئس. فأمثالهم بلغوا ما ارادوا وباتوا في حياة رغيدة وثروات ومكانة اجتماعية لم تعد الحرب بالنسبة لهم فرصة نيل احدى الحسنيين. بل قد تصير كارثية وتدمر ما امتلكت ايمانهم من الاموال والعقارات والسيارات والحسناوات.
على كل حال؛ هكذا هي امور الحياة وتطوراتها فالسلطة والقوة مثلبة. والمقاومات كالثورات بحسب قول تشي غيفارا؛ يفجرها جريء، ويقودها حكيم ويستثمرها انتهازي وفاسد.
والمقاومة كالثورة نموذجها؛ راكب الدراجة الهوائية ليس لديه خيار التوقف او السير الى الخلف.
الا ان امر المقاومة في لبنان مختلف فهي ذات طابع خاص وقيمة مختلفة، وتجربة فريدة، ومن فضائل وعي المؤسسين انها تأسست على اهداف وشعارات استراتيجية كالزحف الى القدس، والجمهورية الاسلامية.
وهما شعاران حاكمان في مسيرتها وايضا في بنيتها ولان المؤسسين خبروا ودرسوا تجارب سابقة فقد قرروا عن سبق تصميم وتصور، الا يكون للحزب وخاصة لجهاز المقاومة مشاركة في الدولة المفسدة وتبرع الحزب بالحصة الشيعية في الدولة لحركة امل. وايضا حفظوا جهاز المقاومة وابعدوه عن بيئات الفساد والافساد والمفسدين، فكل عضو في الجهاز تحت الرقابة والسؤال من اين لك هذا حتى يسأل عن موديل سيارته وفرش بيته، وموديل وسعر هاتفه. وبذلك حفظ الجهاز وتم تأمينه من الاختراقات الامنية والاهم من بيئات الاختراقات، فالفساد والبطر والسلطة والثروة هي عينها المفسدة التي وفرت هزيمة منظمة التحرير والفصائل والاحزاب ولم يكن ينقصها المال والسلاح والرجال الكفوئين والمستعدين للشهادة انما اخترقت بدماغها وبحبلها الشوكي فهزمت.
المقاومة في الجنوب، كانت على جاهزيتها لليوم الموعد وللأمر بالعبور الى الجليل، ولخوض الحرب الكبرى التي بشر بها السيد نصرالله وعرفها بحرب تحرير فلسطين من البحر الى النهر وقال؛ اعدينا لها واكملنا عدتنا ونحن نعمل لبلوغها منذ اربعين سنة.
حرب تحرير فلسطين من البحر الى النهر فرضت اجندتها وتوقيتها وجبهاتها المبادرة بنفسها وبلا استئذان ربما لان تأخير وانتظاريه حكمت الجبهة من لبنان فجاءت الخطوة العجائبية من غزة وغزة فلسطينية وسنية وتحت قيادة حماس الاخوانية وهذه من الافضال والايجابيات وهي التي اعادت فلسطين وقضيتها كصمغ لاصق لاستعادة وحدة الامة ودواء بلسما لجراحتها ولتقيحاتها التي استنزفتها لأربعة واربعين عاما من الصراع السني الشيعي ولقرن من الصراع العربي العربي وكادت تنسى فلسطين ومقدساتها فكانت حكمة الله ورميته بان التحرير يجب ان يكون من غزة وليس من الجنوب اللبناني.
والحق يقال ان الجنوب والمقاومة بدأت حرب اسناد غزة والتزم السيد نصرالله تامين انتصارها واكد على انتصار حماس وكلامه مشحون بحمولات تاريخية واستراتيجية ووعي عميق وشامل.
لم تتخلف الجبهات وتوحدت من الناقورة الى بحر العرب وبعمق الهضبة الايرانية والحرب الكبرى والاقليمية والواسعة جارية بتنسيق وبتنظيم ابداعي ومن اليمن الخبر اليقين.
في ما خص جبهة الجنوب وحرب الاستنزاف الجارية على الضفتين والكلام عن استنزاف الحزب والمقاومة والقاعدة الاجتماعية وخطر انقلابها على المقاومة ومشروعها، كما مخاطر تفعيل اسرائيل وامريكا لتهديداتها وهوبراتها التي ازدادت حدة في الايام الاخيرة…. فماذا بامكان المقاومة ان تفعل؟؟
أتوقف الاشتباك وتسحب قوة الرضوان الى ما بعد الاولي؟ أتقبل التسوية ووقف الاشتباك وسحب سلاحها بمقابل انسحاب اسرائيلي من الغجر والمزارع والتلال ومن ال١٣ نقطة المتحفظ عليها وفوقها تكافئ بأموال للموازنات ولخزائن الفاسدين النهابين في الدولة والنظام، وايضا فرنجية رئيسا للجمهورية… هل تفعلها وتلوذ بمقولة وكفا الله المؤمنين شر القتال؟؟؟ وكتب القتال عليكم وهو كره لكم؟؟ وهل تنتصر نظريات كفانا وقدمنا ما يكفي…
فالصفقة والمكاسب افضل من التسبب بتدمير الضاحية وبيروت والمزيد من الخسائر البشرية وبالعمران في زمن الافلاس والفراغات في الدولة والنظام؟؟
هل يخرج احدا ليقول اما الزحف الى القدس فقد اسسنا وشاركنا وامنا شروطه وظروفه وبيئته، ووضعنا قطاره على السكة ولا مانع ان يصل غيرنا اولا ونتبعه…. اما حماية الجمهورية الاسلامية ومنع التطاول عليها والامتناع عن التسبب او اعطاء الذريعة لحرب يوم القيامة لتدميرها فهي المهمة الاولى والاستراتيجية وعين التزام المؤسسين ومن قاد ومن استشهد وتاليا كفا حربا وكفا تضحيات وتحمل اعباء ومسؤوليات وادوار باتت كلفتها اكبر من جدواها….؟
في الازمنة الحرجة والاحداث غير المسبوقة، كل شيء محتمل، وفيها يذوب الثلج، وتنكشف الحقائق والكوامن والرغبات.
لدى حزب الله والمقاومة ما يكسر حالة الاستنزاف دون استدراج حرب يوم القيامة وبما يرصد النقاط بالجولات ويحقق دورا رياديا في زمن التحرير الكامل؛
في المعطيات ان تصعيد تهديدات نتنياهو وهوبرة الفرنسيين والأمريكيين والضغوط لتطبيق١٧٠١ وسحب الرضوان ما هو الا تقدير خائب عند اصحابه بنتيجة ما يتسرب من كلام عن حالة احباط في القاعدة الاجتماعية وبعض المؤسسات الاعلامية. وما يستخلص من الخطاب الاعلامي للمنصات والاعلاميين المحسوبين على المقاومة وجلها محبطة وتهويلية على المقاومة وتشيع مناخات يائسة.
في حقيقة الميدان وقد نصح السيد متابعته وليس متابعة التصريحات وما يقال..
المقاومة بكفاءتها وعلى سلاحها وبقدراتها ومعنوياتها مرتفعة ورجالها الاشداء مفعمين بشعار الزحف الى القدس وطلب احدى الحسنيين.
في الميدان خسائر اسرائيل اعلى بكثير من خسائر المقاومة ولبنان، ومازالت المبادرة بيد المقاومة وقرار العصف لها هي وليس لتصريحات نتنياهو التهويلية فالعاجز في غزة ويهدد لبنان ينطبق عليه مثل؛ بيعملها بثيابو وبنام بالنص ولا احد يصدقه في اسرائيل فكيف عند المقاومة. المقاومة وقيادتها وكادراتها تعرف ان لا مصلحة لها باستقرار مستوى العمليات وقصورها على ما اختبر واستمرار قصف المواقع التي قصفت وتدمير المدمر او التي تم اخلائها فهذا عمل بلا فائدة ورفع للعتب
وقد يتفتق عقلها عن جديد نوعي يزيد بإرباك اسرائيل ويربط لسان نتنياهو ويردع اوهام الفرنسيين والأمريكيين واعوانهم في مطالبهم بما يخص ال١٧٠١ ومكان مرابطة قوة الرضوان.
وليس بصعوبة عليها ان تعود الى مبادئ وقوانين حروب المقاومة وحروب العصابات فالحركة الدائمة والقتال من الحركة وتغير التكتيكات والمبادرة والامساك بالزمام من ابسط القواعد وليس ما يمنعها بالعودة الى تكتيك زرع العبوات الناسفة في ارض الخصم ونصب الكمائن، والسيطرة على مواقع ونسفها والانسحاب منها وهذه اعمال نوعية تخل بالتوازنات وتراكم بالنقاط لا يقوى على مواجهتها وتحملها العدو ولا يجرؤ على توسيع نطاق القصف والاستهداف خوفا ورهابا من تحفيز الرضوان لتنفيذ قفزتها الى الجليل بدل التراجع الى ما بعد الليطاني.
كما والظروف وفي الشهر الثالث للحرب وبعد ان جرت التعبئة العامة وتحشيد القوى وزجها في الجبهات والهجوم البري على غزة وعدم تحقيق اية مكاسب تذكر، وما يدفعه الجيش والقوات المهاجمة من خسائر فادحة، وما يصاب به الجيش من حالة انهاك واسترخاء توفر فرصة لتصعيد العمل والنوعي منه في جبهة الجنوب والتحكم بمسارات الحرب وجعلها تحت السيطرة وتتحقق مهمة الجبهة بإسناد غزة ومشاغلة الجيش الاسرائيلي.
لن تفقد المقاومة التي تميزت بخصائصها وطبيعتها وبنيتها وعقائديتها لابتداع وسائل وتكتيكات للجم الاعتداءات الاسرائيلية واسناد غزة ومشاغلة اسرائيل وانهاكها والحل الوحيد للخروج من حال الاستنزاف ومقارعة التكنولوجيا المتقدمة لإسرائيل والغرب مجتمعا بتكنولوجيا المقاومة والتي مهما تقدمت لن تبلغ قدرات الخصم والاجدى في الحرب ان تعتمد المقاومة تكتيكات تعطيل فاعلية التكنولوجيا والمسيرات والتجسس والرقابة والقصف عن بعد. بالالتحام بقوات الخصم ففي معارك رجل لرجل تتفوق المقاومة بأشواط كثيرة اما في منافسة التكنولوجيا والسلاح فتتفوق اسرائيل وحلفها وهذا منطق الاشياء.
استقرار الجبهة عند قصف المقصوف دون تغير نوعي في التكتيكات والسلاح بالقدر الذي يستنزف اسرائيل بات يستنزف المقاومة وجمهورها، ويحفز الاسرائيلي على التهويل والامريكي محاولة الاستثمار.
لا بد من تغيير وتكتيكات وانماط عمل مختلفة، فالزحف الى القدس يحمي الجمهورية الاسلامية ويعظم مكانتها ايضا، اما الانكفاء فيعطي امريكا واسرائيل دفعا للاعداء على ايران والعدو الامريكي لا ينتظر ولا يبحث عن ذرائع عندما يقرر ويرى الامور تناسبه. فالأفضل لتحقيق مهمة حماية الجمهورية الاسلامية واسناد غزة يتحقق في الجبهة والاشتباك والشراكة النوعية في حرب تحرير فلسطين كلها.
وهذه امور تعرفها المقاومة وقيادتها وغالب الظن وكل الامل انها لن تفوت الفرصة ولن تستجيب للمحبطين والمرتجفين ان وجدوا في بيئتها.
(سيرياهوم نيوز ٢-الكاتب)