آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » لاسلطة على النقابات سوى الدستور

لاسلطة على النقابات سوى الدستور

|علي عبود

لم أفاجأ بما حصل في مؤتمر اتحاد عمال حمص في شهر شباط الماضي ، فالمشهد يتكرر في جميع مؤتمرات النقابات المهنية بما فيها مؤتمر الصحفيين الذي انعقد في تشرين الأول من العام الماضي!

يلاحظ المشاركون في المؤتمرات النقابية  والمهنية إن شيئا لم يتغير على مدى الـ 50 عاما الماضية ، وكأنّه لم يصدر دستور جديد في عام  2012 يُقْصي أي تدخل حزبي لاختيار القيادات و”تعيين” رؤساء للإتحادات والنقابات في إطار إنتخابات شكلية نتائجها مقررة سلفا ، وكل من يتجرّأ على الإعتراض يُقمع أويُرغم على الإستقالة والإبتعاد عن العمل النقابي!

في مؤتمر اتحاد عمال حمص الذي جرى بتاريخ 20/2/2022 حدثت عدة مخالفات ، ففي مثل معظم المؤتمرات المماثلة ،كل شيىء يأتي “من فوق” ، وشملت المخالفات طريقة ملء الشواغر ، وتففقد الأسماء  ، واسلوب التصويت ، وحصر أسماء المتكلمين برؤساء النقابات ، بل كانت المداخلات مطبوعة وموزعة مسبقا أي “مُوافق عليها من فوق” !

الملفت إن أمين فرع حزب البعث في حمص شرح بإيجاز الآلية التي “ضبطت” مؤتمر العمال : هناك لجنة رباعية مؤلفة من أمين فرع الحزب ورئيس مكتب العمال الفرعي وعضو مكتب تنفيذي في اتحاد عام نقابات العمال وعضو مكتب تنفيذي لاتحادعمال حمص .. درست اللجنة أسماء المرشحين واختارت منهم “المناسبين” لطرحهم على المؤتمر العام للتصويت !

حسنا .. ماذا حصل عندما ترشح البعض من خارج قائمة أسماء “الرباعية” ؟

رفض رئيس اتحاد العمال أي مرشح جديد مؤكدا بحزم وجزم : هي قرارات حزبية ونقابية والكل “بدو يلتزم فيها وبس”!

نعم .. بدلا من أن “تتسلح” القيادات النقابية والمهنية بما منحه لها الدستور من إستقلالية فإنها تُكرس الآلية المتجذرة منذ عقود فتسمح بإجراء إنتخابات نتائجها مقررة سلفا من قبل القيادة الحزبية ، سواء المركزية أم  الفرعية !

وفي الأمس القريب تكرر المشهد في مؤتمر الصحفيين !

مع إن البداية كانت مشجعة إذ غاب عن فعاليات المؤتمر أي حضور حزبي أوحكومي إلى حد توهمنا إن المادة العاشرة من دستور 2012 ستنفذ للمرة الأولى ، وسيتمتع الصحفيون باختيار قيادتهم بحرية دون “استئناس حزبي” أو اختيار الأسماء من فوق”!

وفعلا ربما للمرة الأولى تتضمن قائمة الفائزين بعض ارباب  المهنة الفعليين بل إن زميلنا هني حمدان وليس أحد المتسللين أو الإداريين او المذيعين حصد النسبة الأكبر من الأصوات، رغم ماشاب عمليات فرزها من أخطاء أوشوائب أسفرت عن إلغاء 41 ورقة إنتخابية!

لكن .. ماحدث بعذ ذلك لم يكن مفاجئا ، فقد استدعت القيادة المركزية لحزب البعث الناجحين في انتخابات مجلس اتحاد الصحفيين لاختيار رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي في مقر القيادة ، وليس في مقر الإتحاد ،وكأنّ كل من فاز هو عضو أصيل في حزب البعث!

وكما يحصل غالبا إن لم نقل دائما نسمع أصواتا من المشاركين بالمؤتمرات النقابية والمهنية بعد إعلان النتائج : من وصل إلى القيادة  لايمثلنا !

حسنا .. إن كانت القيادات النقابية أومعظم أعضائها لاتمثل “القاعدة” العريضة للنقابيين ،فلماذا لايُنفذ الإعتراض من خلال رفض التصويت لأي أسماء تأتي من”فوق”!؟

ومهما كانت الإنتقادات لاذعة ومحقة ، فإن الحق يُقال أن من يتحمل المسؤولية المباشرة عن السماح بالتدخل في شؤون المؤتمرات العامة النقابية والمهنية خلال السنوات العشر الماضية هم القيادات النقابية أولا والنقابيون أنفسهم ثانيا !

وإذا كانت القيادات الحزبية تبرر تدخلها في انتخابات النقابات العمالية والمهنية بانه يهدف إلى اختيار الكوادر الكفؤة والنزيهة والمخلصة للبلاد والعباد فإن الرد على هذا التبرير جاء منذ سنوات على لسان أحد كبار صنّاع القرار السابقين : (أن معظم المدللين والمغنجين والمدعومين والمسنودين سواء من رجالات السلطة أوالمال وبخاصة ممن لايمتلكون الكفاءات اللازمة كانوا أول من غدر بسورية وبشعبها وبقائدها ، وكانوا أول المنضوين تحت جناح أعداء سورية في الخارج ، وأكثر الناس سفالة ونذالة وقذارة وحقارة ..!!)!

نعم ..  إن قيادة حزب البعث لاتزال تمارس نص المادة الثامنة من دستور 1973 الملغى (حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ..) وبالتالي تتجاهل تماما نص المادة العاشرة من الدستور النافذ منذ عام 2012 ، والتي تنص بوضوح مابعده وضوح على  التالي:

(المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات، هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها، وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين، وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها، ووفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون).

وبما انه لايوجد في الدستور كلمة واحدة سواء تصريحا أو تلميحا تجيز لأي حزب بما فيه حزب البعث الإشراف على عمل النقابات العمالية والمهنية وإدارة مؤتمراتها العامة واختيار مرشحيها وقياداتها ، وبما إن لاسلطة على النقابات سوى الدستور ،فإن السؤال من الجهة التي تضمن تنفيذ المادة العاشرة من دستور 2012 .. القضاء أم مجلس الشعب؟

بالمختصر المفيد :من واجب مجلس الشعب وبموجب صلاحياته إقرار قانون يضمن استقلالية النقابات المهنية وهولم يفعلها حتى الآن..فلماذا؟

وحسب الدستور فإن المحكمة الدستورية العليا وهي هيئة قضائية مستقلة تعتبر الجهة المناسبة لضمان تنفيذ المادة العاشرة من الدستور كي تضمن استقلال المنظمات الشعبية والنقابات المهنية ، وتمنع أي تدخل حزبي يحد من حريتها واستقلالية أعضائها باختيار قياداتها حسب الأنظمة النافذة .

نعم.. لقد آن الآوان لتفعيل استقلالية النقابات وتحريرها من المشرفين والأوصياء  ولكن من سيفعلها ..ومتى؟!

(سيرياهوم نيوز27-3-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرب على الوعي والمثقف الوطني المشتبك

  بقلم :د. حسن أحمد حسن   عندما يطوي السوريون تحت أقدامهم ثلاثة عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية، ويفلحون في الحفاظ على كيان ...