م.حسان نديم حسن
“مخصص للسوق الأوروبي” أو “للسوق الخليجي”… عبارة تحولت في السوق السورية إلى شهادة جودة غير رسمية يروّج من خلالها التجار لبضائعهم بينما يتلقاها المستهلك كضمانة تتفوق على أي ختم رسمي محلي.
هذه الظاهرة أصبحت أكثر من مجرد أسلوب تسويقي فهي تعكس أزمة ثقة عميقة بين المواطن السوري والجهات المعنية بالرقابة على السلع . ففي حين تخضع المنتجات في أغلب دول العالم لمعايير صارمة تفرضها هيئات متخصصة تبقى الرقابة لدينا على السلع المستورة موضع شك بسبب ضعف الإمكانات وغياب الشفافية. ففي الاتحاد الأوروبي أي خلل بسيط في مكونات منتج غذائي أو دوائي أو حتى سيارة مستعملة يؤدي إلى سحبه فوراً من الأسواق وفرض غرامات مالية قد تهدد بقاء الشركة نفسها و كذلك الأمر في دول الخليج حيث تلعب هيئات مثل “الهيئة السعودية للغذاء والدواء” و”هيئة التقييس الخليجية” دوراً محورياً في ضبط الأسواق . بالمقابل تدخل إلى بلدنا بضائع كثيرة عبر المعابر دون فحوص دقيقة في وقت تعاني فيه جمعيات حماية المستهلك والجهات الرقابية من ضعف الموارد والصلاحيات.
والمثال الأوضح على ذلك هو السيارات المستعملة التي دخلت البلد مؤخراً إذ يتم تسويقها بعبارة “قادمة من أوروبا” أو “مخصصة للخليج” وكأن هذه الكلمات تكفي لإقناع المشتري لكن بعد فترة قصيرة من الاستخدام ظهرت أعطال جوهرية في الكثير منها كاحتراق المحركات واهتراء علب السرعة و غيرها إضافة إلى مشاكل كهربائية ناتجة عن تعرض بعضها لحوادث سابقة في بلدان أخرى وهي أعطال لم تكشف لأنها لم تخضع لأي فحص فني جدي لدى وصولها سوريا و الاكتفاء بإجراءات شكلية.
نتيجة لهذا الخلل أصبح المستهلك السوري يعتبر أن المرور عبر السوق الأوروبي أو الخليجي بحد ذاته ضمان كافٍ للجودة فعبارة بسيطة على الغلاف أو في إعلان السيارة تكفي لتغيير قرار الشراء حتى لو لم يطلع على تفاصيل الفحص الفني أو سجل الصيانة.
إن استعادة ثقة المواطن تبدأ من تعزيز عمل الهيئة السورية للمواصفات والمقاييس وربطها رقمياً بالمنافذ الحدودية وتفعيل مخابر رقابة مستقلة قادرة على فحص السلع المستوردة بشكل دوري ومنح جمعية حماية المستهلك صلاحيات الضبط القضائي أو إيجاد صيغ أخرى إضافة إلى نشر نتائج الفحوص بشكل علني وشفاف كما هو معمول به في أوروبا والخليج.
اليوم لم يعد الحديث عن حماية المستهلك ترفاً إدارياً أو إجراءً شكلياً بقدر ما هو ضرورة وجودية لاستعادة الثقة بالسوق المحلية وحماية صحة الناس وأموالهم. فإعادة بناء منظومة الرقابة على أسس عصرية وشفافة باتت الخطوة الأولى نحو سوق أكثر أماناً و عدالة وإلى أن يتحقق ذلك ستظل عبارة “مخصص للسوق الأوروبي أو الخليجي” جواز مرور سحري لأي منتج لكنها في الحقيقة شهادة إدانة بحق الرقابة المحلية قبل أن تكون شهادة جودة للمنتج.
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)