الدكتورة حسناء نصر الحسين
ما إن أعلنت الرئاسة السورية عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لدمشق حتى تسابقت الأقلام الساذجة لتكتب عناوينها المسمومة بغرض الاساءة لدمشق ولتاريخها الحافل بصمودها على ثوابتها الوطنية والقومية الغير قابلة للتفاوض ولا المساومة وحرصها على عدم المساس بها تحت اي ضغوطات وفي أي ظروف كانت .
لتذهب هذه الأقلام بتحليلاتها لهذه الزيارة للحديث والترويج بأن دمشق ستدفع أثمان وتقدم تنازلات للإمارات تتعلق بالحضور الإيراني على الأراضي السورية ومفاوضات سورية اسرائيلية برعاية الإمارات عرابة ملف التطبيع في المنطقة.
ليتضح من خلال هذه الأقلام مدى السذاجة في الفكر السياسي لناحية عدم قراءة تاريخ الصراع السوري الاسرائيلي منذ عقود مضت حتى يومنا هذا ودور الدولة السورية الذي يحتل موقع القلب في عملية الصراع العربي الإسرائيلي ولا يخفى على أحد دور سورية الرائد في دعم الفصائل الفلسطينية والعربية المقاومة للكيان وكل المشاريع المناهضة للقوى الإمبريالية والصهيونية في العالم مما دفع بهذه القوى الدولية والاقليمية لتشن عدوانها الغاشم على سورية خلال الحقب الماضية والتي كانت عشرية الدم والنار أكبر مراحل الاستهداف التي خاضتها هذه القوى الاستعمارية مع الدولة السورية التي استطاعت بصمودها ويقينها بأن النصر سيكون حليفها أن تعيد كتابة تاريخ المنطقة برمتها بسطور خطتها دماء الشهداء ودعم وتضحيات محورها المقاوم للمشاريع الامريكية الممتد من روسيا والصين وايران وفصائل المقاومة وأحرار العالم .
تمتلك الدولة السورية وقيادتها عقيدة شكلت من خلالها ثوابتها الوطنية ومن أهم هذه الثوابت موقعها المتقدم في مقارعة الاستعمار بكل أشكاله وعلى رأسه الكيان الصهيوني وهذه العقيدة تقطع الطريق أمام كل المراهنين على إحداث خرق مهما كان صغيرا في علاقتها بحلافائها على المستويين الإقليمي والدولي فهؤلاء حلفاء القضية والنصر وأي رهان من هذا النوع هو رهان خاسر والعالم بأسره يشهد على كل المحاولات الامريكية السابقة التي باءت بالفشل على طول حقب السياسات الخارجية للولايات المتحدة الامريكية والتي باءت كلها بالفشل ولم تستطع أن تؤثر قيد أنملة في علاقات الدولة السورية مع حلفاءها وهذا ما أكده وزيرالخارجية الإيراني عبد اللهيان الذي صرح في اليوم التالي لزيارة وزير خارجية الإمارات لدمشق قائلا : بأن هذه الزيارة لن تستطع أن تحرك قيد انملة في العلاقات السورية الإيرانية ليأتي تصريح سماحة السيد حسن نصر الله ليعطي خلاصات هذه الزيارة قائلا : زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق في عنوانها الأساسي هو الاعتراف بفشل مشروع الارهاب الممول عربياً وبالتحديد وخليجياً في الدرجة الأولى، هذه القراءة الدقيقة الصادرة عن الأمين العام لحزب الله تأخذنا إلى قراءة واضحة لهذه الزيارة وتجعلنا نستقرء جزء غاية في الأهمية وهو الدور الذي أعطته سورية للإمارات بقبولها أن تكون راعية العودة الخليجية إلى دمشق عبر البوابة الاماراتية وما أخذه وزير الخارجية الاماراتي هو قبول الدولة السورية الانفتاح مجددا على هذه الدول التي كانت رأس حربة في العدوان عليها وقبول الأسد باستقبال قادتها مجددا في دمشق وهذا الأمر كانت قد صرحت عنه الدولة السورية على لسان وزير خارجيتها فيصل المقداد بقوله بأننا منفتحون على كل الدول التي ترغب باستعادة علاقاتها مع الدولة السورية وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الدول العربية .
لا نستطيع أن نُغفل المتغيرات الدولية والاقليمية الكبيرة التي حصلت خلال فترة العدوان على سورية وأهمها النصر السوري وانتصارات محور المقاومة ودور سورية في افشال المشاريع التركية العثمانية في المنطقة وهذا ما تعتبره الدول العربية حاجة ملحة لكبح جماح تركيا العثمانية، هذا بجانب تراجع الدور الامريكي المهيمن على المنطقة والهزائم الكبيرة في افغانستان والعراق وسورية واليمن .
بروز ايران كقوة شرق اوسطية ودولية كبيرة ودورها في رسم خرائط المنطقة على اساس خروج كل القوات الامريكية من المنطقة وما المشاهد التي رأيناها منذ ايام قليلة للحرس الثوري البحري وهو يأمر الحوامة وبقية القطع الامريكية بالخروج من منطقة عملياته الا نقطة البداية لمرحلة جديدة من الصراع مع واشنطن، وهذا إحدى الخلفيات الاساسية التي يمكن قراءتها كعوامل دفع للدول العربية المنخرطة في العدوان على سورية للاستدارة تجاه دمشق بالرغم من رفض الأخيرة لكل الاملاءات الامريكية المرسلة عبر الوسطاء العرب بقطع علاقاتها مع ايران او الحد من تواجدها في مناطق جغرافية من الاراضي السورية ورفض دمشق الذي جاء على لسان مسؤول رفيع المستوى بأن أي انفتاح على دمشق لن يعدل في موقفها من اسرائيل بمعزل عن نوايا الدول العربية وأن سورية لم ولن تغير موقفها من اسرائيل وسورية لن تنجر الى تحالفات لا تتناسب مع مصالحها وثوابتها .
ما افرزته عشرية النار على سورية داخليا والتداعيات الكبيرة على الصعيد الاقتصادي وحجم الدمار الذي خلفه العدوان على سورية ليس بالهين، لتضيف واشنطن المزيد من التعقيدات عبر جملة من العقوبات الاحادية الجانب والتي تهدف من خلالها إلى تأخير عجلة التعافي السوري خاصة في صعيد القطاع الاقتصادي والتأثير في مشهد النصر السوري بجانب محاولات فرملة تحقيق ما تبقى على صعيد القضاء على الارهاب في المناطق المتبقية في سورية، كل هذا تشكل من خلاله رؤية سورية حكيمة فتحت الباب أمام عودة العلاقات وتصفير المرحلة السابقة مع عدد من الدول التي ترى نفسها خسرت أكثر مما كسبت من إنخراطها في الحرب على سورية وهذا ما سمعناه على لسان وزير الخارجية الاماراتي خلال زياته لدمشق ، هذا المشهد السوري المليئ بالأمل في تجاوز كل ما خلفه العدوان على سورية يضع أولوية خيارات التعافي في رأس قائمة توجهاته، لكن- باستدراك كبير- لن تكون هذه الظروف والتعقيدات الحالية ذات تأثير في ثوابت الدولة السورية على كل مسارات المواقف السورية ذات الارتباط بالقضايا الكبرى، وهذه مسألة مفروغ منها ولا تقبل النقاش أو المساومة، وبعيداً عن ما لم يعلن عنه ضمن اجندات الزيارات العربية لدمشق، لا يوجد ما يثير القلق تجاه كل العناوين غير المعلنة والتي لا تجد لنفسها طريقاً على طاولة الانفتاح السورية، ونقولها بكل ثقة وإيمان بحكمة وبصيرة الدولة السورية وبالقيادة السورية لا تراهنوا على حرف بوصلة دمشق .
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم