نبيه البرجي
لا فارق هنا بين نجمة داود وجمجمة يهوذا . متى لم تتقيأ النصوص التوراتية الدم , وتتقيأ الكراهية …؟
ما نقل الينا عن جولات التفاوض حول وقف النار في غزة تشي بمقاربة الاسرائيليين للديبلوماسية , كونها فن المستحيل لا فن الممكن . من يمد يده اليهم كمن يضع يده بين أشداق الذئب . كان ينقص دافيد برنياع أن يقول لوفد “حماس” “سلّمونا الرهائن , نعطيكم 40 يوماً للتفكير بين الموت والترحيل” . الفلسطينيون خبروا ذلك على امتداد أربعة عقود , وفي أكثر من مكان . الاسرائيليون يحترفون قتل الوقت مثلما يحترفون قتل العرب .
كنا قد وصفنا اسرائيل بالابنة الكبرى لأميركا . جاءنا التعليق من القطاع “… بل هي الابنة الكبرى للشيطان” . تلك الشراهة المروعة للقتل , وللخراب , تبدو كما لو أنها الثأر من البشرية جمعاء . هذه , أيها السادة , الوصية الحادية عشرة في تابوت العهد : اقتلوا …
آلاف الغارات الجوية , آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ لم تستطع , وعلى مدى 7 أشهر , من تقويض المقاومة في حيّز جغرافي مقفل من كل الجهات . هل هي اسرائيل التي رأى فيها موشي دايان “القلعة المقدسة التي لن تطأها أي قدم غير أقدامنا” ؟ خلال دقائق لا خلال ساعات , تداعت أسوار القلعة , ليبدو تيودور هرتزل وقد تعرّى حتى من ورقة التوت .
الهاجس الأميركي بدا واضحاً في محاولة انتشال اسرائيل من بين الأنقاض , وخشية أن يمضي بنيامين نتنياهو في سياساته الهيستيرية الى حدود الانتحار . من هنا كانت المساعدات العسكرية بأرقامها المذهلة , والتعهد بحمل السعودية على التطبيع , بالتداعيات الزلزالية للحدث على المسارات الاستراتيجية للشرق الأوسط (الكبير) , اضافة الى اقامة قاعدة عسكرية هائلة في جنوب اسرائيل , تستضيف 23000 جندي , مع تجهيزاتهم من قاذفات ومنظومات صاروخية تكرس “ابدية” الدولة العبرية .
المثير أن أولئك المجانين لا يثقون حتى بأميركا . هكذا قال توماس فريدمان . لن تعود اسرائيل مثلما كانت قبل 7 تشرين الأول , وحتى قبل صيف 2006 , حين وصل الجيش الاسرائيلي الى اليوم الثالث والثلاثين خائر القوى , ليحكى عن بكاء الميركافا في وادي الحجير .
طلاب في جامعة كولومبيا سألوا “هل ترانا ندفع الجزية الى القتلة ؟” . نتوقف عند قول أحد زعماء حزب “العظمة اليهودية” مايكل بن آري بأن أياً من أنبياء التوراة لم يقل بدولة للفلسطينيين . خلاف ذلك . غالباً ما دعوا الى اجتثاثهم من الوجود . تالياً , الوعد الالهي لا يتحقق فقط بالعودة الى أرض الميعاد , وانما أيضاً بازالة أي أثر لهم .
ما حدث , ويحدث , في القطاع بعيد كلياً عن المعايير الأخلاقية , وحتى المعايير اللاأخلاقية , للحرب . مثلما ألقى هاري ترومان القنبلة الذرية على هيروشيما للتدليل على الجبروت الأميركي في “كتابة التاريخ الآخر للبشرية” , كما قال دين أتشيسون , على اسرائيل القاء القنبلة على غزة , أو على طهران , لكتابة التاريخ الآخر للمنطقة . ألم يهدد بنيامين نتنياهو , يوم “طوفان الأقصى” , بـ”تغيير الشرق الأوسط” , ليزداد اصرارأ حين رأى حاملة الطائرات “جيرالد فورد” , ومعها الغواصات النووية , والبوارج الهائلة , تتجه الى شرق المتوسط .
جو بايدن رهينة بين يدي زعيم الليكود الذي يراهن على تمديد أيام الحرب حتى دخول الولايات المتحدة في الغيبوبة الانتخابية . أي ديبلوماسية في هذه الحال ؟ الأميركيون يعلمون أن الرجل , ومعه غالبية الاسرائيليين يرفضون حتى الكلام عن الدولة الفلسطينية , كـ”قنبلة في النخاع الشوكي , لا في الظهر , ولا في الخاصرة” , كما قال بسلئيل سموتريتش . وكان على الادارة , أن تحرك الاليزيه (كظل للبيت الأبيض) , للدخول الديبلوماسي من البوابة اللبنانية . بوابة النار بحسب غادي آيزنكوت .
القادة الاسرائيليون الذين دأبوا على التهديد اليومي بتحويل لبنان الى جحيم يمارسون الديبلوماسية حيالنا كما يمارسونها حيال الفلسطينيين . فن المستحيل . في نظرهم ما حدث يقتضي اعادة تركيب الخرائط . ليتم ابلاغ الأميركيين , ولفرنسيين , بأن الوقائع التي حصلت على الأرض منذ 8 تشرين , تعدّت القرار 1701 . لا بد من ترتيبات أمنية أكثر فاعلية .
بوضوح أكثر . وضع جنوب لبنان تحت الوصاية العسكرية الاسرائيلية , بعدما كان اتفاق 17 أيار 1983 لحظ وضع لبنان تحت الوصاية العسكرية الاسرائيلية .
“معادلة يهوه” : لا دولة فلسطينية , ولا دولة لبنانية , ولا دولة سورية , على حدود اسرائيل . ماذا يقول … القضاء والقدر ؟!
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)