آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » لا شيئا خارج التوقعات في بيان مؤتمر القمة العربية الإسلامية

لا شيئا خارج التوقعات في بيان مؤتمر القمة العربية الإسلامية

د. عبد الحميد فجر سلوم

وأخيرا تمخّض الجَبَلَين العربي والإسلامي سوية هذه المرّة، ولكن لم يلِدا ما كانت تطمح إليه الشعوب العربية والإسلامية..

إحدىً وثلاثون فقرة تضمنها البيان الختامي لـ 57 دولة عربية وإسلامية، لم تكُن سوى تكرارا لعشرات البيانات الصادرة عن مؤتمرات القمم العربية، واجتماعات مجلس الجامعة العربية، ومؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي.. وحسَب المناسبات والقضايا المطروحة..

عبارات الإدانة النظرية دون أي أفعال.. والتمنيات والمطالبات والمناشدات، وكل هذه المفردات التي تعودنا عليها منذ عشرات السنين..

لم يرتقي بيان القمة العربية الإسلامية الإستثنائية إلى قرارات استثنائية، وإلى مستوى المسؤولية التاريخية التي كانت تُعوِّلُ عليها الشعوب العربية والإسلامية في هذه الظروف والأوقات الصعبة والعصيبة التي يمرُّ بها شعب غزّة.. أو إلى طموحات بعض الوفود المشاركة في المؤتمر (كما الوفد السوري وغيره) والتي دعت إلى وقف أي مسار سياسي مع العدو الإسرائيلي..

وهذا هو الأمر الطبيعي والمنطقي أن لا تكون هناك أي مسارات تطبيع مع هذا العدو  إلى أن يستجِب لوقف إطلاق النار والالتزام بالقرارات الأممية التي تدعو إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وقبول المبادرة العربية للسلام التي تبنتها قمة بيروت العربية عام 2002 .. فلماذا الاستعجال بالتطبيع قبل ذلك؟. أليس هذا خدمة للعدو الإسرائيلي؟.

**

لم تكن هناك أي فقرات ضاغطة في هذا البيان يمكن أن تشكل نقلة نوعية في المواقف العربية والإسلامية، وترسل برسالة جدّية لإسرائيل وداعميها، من أن الكيل قد طفح ولم يعد بالإمكان الصمت أكثر من ذلك على جرائمها وغطرستها وعنصريتها وتحدّيها للقرارات الدولية وتجاهلها للمبادرة العربية للسلام..

ولذلك كان المطلوب من هذه القمة، وتلبية للتطلعات الشعبية العربية، اتّخاذ قرارات تاريخية تضع النقاط على الحروف هذه المرّة، كما:

ــ قطعُ كل العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بالنسبة للدول التي تقيم معها هذه العلاقات..

ــ إغلاق كل الأجواء العربية أمام حركة الطيران المدني الإسرائيلي..

ــ وقفُ كل المشاريع التي تهدف إلى إدماج إسرائيل في المنطقة..

ــ عدم دعوة إسرائيل للمشاركة في أي فعالية دولية تُقام في أي دولة عربية.. وسحب الدعوة لها للمشاركة في مؤتمر المناخ في أبو ظبي (كوب 28 ) في 12 الشهر القادم كانون أول / ديسمبر 2023 ..

فكيف يمكن للإنسان العربي والمسلم أن يرى وفدا إسرائيليا في أبو ظبي وقد يكون (رئيس إسرائيل، أو نتنياهو) بينما شلال الدم الفلسطيني ما يزالُ يتدفّق على يد هذا العدو..

ـ تخفيض كمية تصدير النفط والغاز إلى الغرب بنسبة 50 % على الأقل..

هذه القرارات هي أدنى ما يمكن أن تتبنّاه قمة عربية وإسلامية تمثل 57 دولة بالعالم بينها تركيا وباكستان(النووية) وأندونيسا، والسعودية، ومصر ونيجيريا.. الخ..

**

ما صدر عن القمة يعكس الموقف الضعيف للدول المُطبِّعة مع إسرائيل.. ولا يعكس موقف العديد من الدول التي كانت تطمح إلى قرارات تلبي طموحات الشعوب العربية والإسلامية، وتضغط على إسرائيل وداعميها في أمريكا وأوروبا..

**

نصّ البيان في الفقرة 11 على تشكيل لجنة من وزراء خارجية عدة دول عربية وإسلامية، برئاسة السعودية (لبلورة تحرُّك دولي لوقف الحرب على غزّة والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادّة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة)..

هذه اللجنة هي كمَن يضحك على نفسهِ.. يعني كل هذا الزمن لم يستطِع العرب في الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لإطلاق عملية سياسية جادّة، ورغم كل ما حصل بعد مؤتمر مدريد للسلام، ومفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وفي اتفاقية أوسلو، وفي مبادرة السلام العربية، ورغم كل اتفاقات التطبيع، وآخرها الاتفاقات الإبراهيمية، واليوم ستتمكن هذه اللجنة من تحقيق ذلك؟.

إنها تمييع للأمور، وتخدير لمشاعر الشعوب العربية، طالما لم يكن هناك قرارا واحدا ضاغطا كما ورد أعلاه في هذا المقال، يُلزِم إسرائيل والولايات المتحدة بالتوقُّف وإعادة التفكير بمواقفهم وسياساتهم المرفوضة..

**

تُذكِّرني هذه اللجنة باللجنة العربية التي صدرت عن مؤتمر القمة العربية في (فاس) في المغرب في أيلول عام 1982 (بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان) برئاسة ملك المغرب حينها (الحسن الثاني) وعضوية عدة وزراء خارجية عرب، لتجري حوارات مع الدول الدائمة في مجلس الأمن الدولي حول القضية الفلسطينية والإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في عدوان 1967 ، وتطبيق القرارات الأممية..

وجاءت اللجنة إلى نيويورك، وهناك ألقى الملك الحسن الثاني كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة( وكنتُ حينها عضوا في وفد بلادي لدى الأمم المتحدة، وأجلسُ في قاعة الجمعية العامة وأصغي إلى خطابه) وحينما قال في الخطاب هذه الآية الكريمة: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، وإذْ بوزير خارجية عربي يُعلِّقُ على ذلك من مقعدهِ بصوتٍ منخفض، قائلا: ما شفت بكل القرآن غير هالآية؟!.

**

طبعا منذ ذك التاريخ وحتى اليوم لم نرى إسرائيل تجنح إلا للعدوان والقتل والإجرام والاعتقال والسَّجن ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وتوسيع المستوطنات وسياسة الفصل العنصري.. وكل ذلك..

وطالما العرب بهذه الليونة و”الوداعة” مع هذا العدو، فلن يحصدوا منه سوى المزيد من التعنُّت والتصلُّب والغطرسة.. وهذا هو التاريخ أمامنا.. كلما زاد العرب ليونة زاد العدو تصلُّبا وتطرُّفا وعدوانية..

**

هذه القمة العربية الإسلامية، غير العادية، ما هي سوى تبرئة ذمة أمام الشعوب العربية والإسلامية..

فمعلومٌ للجميع أن العديد من الدول العربية والإسلامية هي صديقةٌ لإسرائيل وحليفةٌ للولايات المتحدة.. ومنها من هو عضوٌ في حلف الناتو الذي يحشد اليوم كل أساطيلهِ وبوارجه وغوّاصاته النووية في المنطقة تطمينا ودعما لإسرائيل.. وتهديدات الحلف لا تخفى ضد كل من يفكر أن يدخل هذه الحرب بشكلٍ واسعٍ وفعلي ومؤثِّرعلى سير الأمور، ضد إسرائيل..

غالبية الدول التي تربطها علاقات قوية مع إسرائيل (عربية وإسلامية)لم يشارك قادتها في هذه القمة، وأرسلوا من يمثلهم من الصف الثاني أو الثالث (بما فيهم رئيس لجنة القدس)..

وزير خارجية أذربيحان، الذي مثّل بلادهِ، والذي تربط بلاده علاقات قوية جدا مع إسرائيل لم يهاجم وحشية إسرائيل في غزة بكلمة واحدة.. بل استغلّ المؤتمر للحديث عن الصراع بين أذربيجان وأرمينيا والحروب بينهما.. بدل أن يتحدث عن حروب إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين.. انتهازية دبلوماسية بطعمِ الوقاحة..

**

بل في أكتوبر / تشرين أول 2020 حاز خمسة قادة عرب على جائزة (أصدقاء صهيون) من بين 15 زعيم عالمي.. وهذه الجائزة يمنحها عادة مركز (أصدقاء صهيون للتراث) ومقرّهُ في الولايات المتحدة(التفاصيل موجودة على غوغل للمهتمين).. لم نسمع أن أيٍّ من هؤلاء وقف ورفض وتنكّر لهذه الجائزة..

ولذلك لا يمكن لتلك الدول أن تُقدِم على اتّخاذ أية مواقف تثير حفيظة الولايات المتحدة وإسرائيل..

فقبل أن نطلب من العالم الضغط على إسرائيل، لنضغط عليها نحن أولا من خلال اتّخاذ الخطوات التي أشرتُ إليها آنفا في هذا المقال..

الولايات المتحدة لا تفهم إلا بلغة المصالح.. وحينما تتهدد مصالحها في المنطقة فحينها فقط سوف يتغيّر موقفها.. ولكن تهديد هذه المصالح يحتاج إلى قرار عربي شامل وإجماع عربي كامل، فهل سيتوفّر ذلك؟.  أكيد لا ..

 ولذلك الجميع يتحمل المسؤولية عمّا يحصل، وليس أطرافٌ بعينها..

أعان الله أهلُ غزّة.. والرحمة لكل من قضُوا على يد هذا العدو البربري الهمجي المتوحش الذي لا يمتُّ للبشرية والحضارة بصلة..

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...