م.حسان نديم حسن
سوريا ليست مجرد حدود مرسومة على الخريطة إنها وطن ضارب في عمق التاريخ ونسيج اجتماعي متشابك صُقل عبر قرون من التفاعل بين مكوناته المختلفة. هي أرض امتزجت فيها الثقافات وتشابكت فيها الأواصر التي تجاوزت حدود الطوائف والأعراق مما جعلها نموذجا فريدا للتعايش والتكامل.
ولذلك فإن أي دعوة إلى تقسيمها أو منح بعض أجزائها استقلالية موسعة تحت مسمى الفيدرالية لا تعني سوى تفكيك هذا النسيج وتحويله إلى كيانات منفصلة، قد تبدأ بإدارات مستقلة لكنها سرعان ما ستغرق في صراعات على السلطة والموارد والحدود وهو ما يهدد وجود الدولة في جوهره.
الفيدرالية كنموذج إداري ليست مجرد آلية حكم يمكن تطبيقها في أي بيئة، بل تتطلب تمايزا جغرافيا واضحا وبنية سياسية واقتصادية خاصة تضمن استمرارها. أما في سوريا فإن تطبيقها لا يمكن أن يكون إلا مقدمة لتفكيك الدولة وإضعاف سلطتها مما يفتح الباب أمام أزمات لا نهاية لها حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب خاصة على حساب المصلحة الوطنية.
وإذا كانت الفيدرالية تطرح إشكالات معقدة فإن التقسيم هو الفخ الأكبر الذي يجر البلاد نحو الفوضى والتبعية المطلقة للقوى الخارجية. حيث لن يكون أي كيان ناشئ قادرا على البقاء دون دعم إقليمي أو دولي يحميه ويموله ويوجه سياساته مما يعني أن سوريا ستتحول من دولة إلى ساحة نفوذ تتجاذبها المصالح الدولية والإقليمية فتُستهلك مواردها ويُشتت شعبها وتُجهض أي محاولة لاستعادة استقرارها.
وإذا كان التقسيم خطرا على الكيان السياسي فإن الاقتصاد سيكون أكبر الضحايا إذ أن الاقتصاد السوري يعتمد تاريخيا على التكامل بين المحافظات حيث تتوزع الموارد بين مختلف المناطق . فالنفط والقمح في منطقة والموانئ والمنافذ التجارية في منطقة أخرى بينما تتمركز الصناعات والتجارة في أماكن متفرقة . لذلك فإن ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب على المعابر بين المناطق وتعطل التجارة الداخلية لن تكون سوى نتائج حتمية لأي سيناريو يتجه نحو التقسيم أو إنشاء كيانات ذات حكم منفصل وهو ما سيؤدي إلى انهيار شامل ينعكس سلبا على حياة المواطنين في جميع المناطق دون استثناء.
الحل لا يكمن في الانفصال أو الفيدرالية بل في إعادة بناء الدولة على أسس حديثة تضمن توزيعا عادلا للسلطات والموارد من خلال تعزيز اللامركزية الإدارية بحيث تتمتع المحافظات بصلاحيات أوسع لإدارة شؤونها المحلية لكن ضمن إطار الدولة الموحدة بحيث يبقى القرار الاستراتيجي والسيادي مركزيا بينما تتولى السلطات المحلية إدارة القطاعات التنموية والخدمية بشكل أكثر استقلالية وكفاءة مما يحقق التنمية المتوازنة دون أن يمس بوحدة الدولة.
إن الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد لضمان الاستقرار و بناء سوريا التي نطمح ، دولة قوية قادرة على حماية نفسها وتأمين مستقبل أبنائها.
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)