يحيى دبوق
وصل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة، في زيارة وصفت بأنها «مفصلية»، تتركّز على ملفّات أمنية وسياسية ملحّة، أبرزها: الانتقال إلى «المرحلة الثانية» من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، ومسارا التصعيد تجاه إيران ولبنان، فضلاً عن التباينات العميقة بين الطرفَين حول الملفّ السوري ومستقبل النفوذ في هذه الساحة. ويُلاحظ أنّ جدول أعمال الزيارة لم يَنتظر عقْد اللقاءات الرسمية، بل سبقه «تظهير» إسرائيل لمواقفها و«خطوطها الحمراء»، وكذلك ترسيمها لحدود مصالحها الحيوية في كلّ من تلك الملفّات. كما لم يقتصر التحضير للزيارة على الإطار الثنائي فحسب، بل شمل عواصم إقليمية من مِثل أنقرة والقاهرة والدوحة، التي أسهمت بدورها في بلورة مواقف مسبقة أو فرض وقائع على الأرض.
وهكذا، صار واضحاً، حتى قبل وصول نتنياهو إلى فلوريدا، ما يريده كل طرف وما يسعى إليه، وما الذي يمكن عقد تسوية في شأنه وما هو خارج دائرة التفاوض؛ علماً أنّ بعض الملفّات لا يَنتظر حسماً فوريّاً، بقدْر ما يدار عبر آليات الضغط والمساومة وتدوير الزوايا، والتنازل في موضع لاستحصال تنازل مقابِل في آخر.
في غزة، رغم مضيّ أشهر على الهدنة الهشّة، لا تزال «المرحلة الثانية» من الخطّة الأميركية لإنهاء الحرب، غير متبلورة، وذلك في انتظار ما سيسفر عنه اللقاء الذي سيجمع نتنياهو إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خصوصاً أنّ الحديث لا يدور عن أمور تقنية، بل عن رؤى متعارضة جذريّاً يُختبر الآن مدى قابلية التوفيق في ما بينها.
فمن جهته، لا يزال يسعى نتنياهو إلى تحقيق «الانتصار الكامل»، وهو يرى ومعه شركاؤه في الائتلاف أنّ الحرب على غزة لم تُحسم بعد، وأنّ هذا الحسم لا يكون بإسقاط «حماس» أمنيّاً وتنظيميّاً أو تدمير بنيتها التحتية، بل بتفكيك الهيكل القيادي للحركة، واعتقال أو قتل قادتها، ومنع أيّ شكل من أشكال إعادة البناء التنظيمي لديها، ما يعني عمليّاً اجتثاثها من الوجود، والذي ترى تل أبيب أنّ «المرحلة الثانية» وجدت من أجله. وكغطاء لذلك، تَقرن إسرائيل أيّ تقدُّم نحو «المرحلة الثانية»، بتسلُّم جثّة آخر أسير إسرائيلي في القطاع، ما يعني أنه طالما أنّ «حماس» لم تعثر على الجثة، فإنّ تلك هي الحجّة «الأخلاقية» التي توفّر لنتنياهو إمكانية التسويف وتأجيل الاستحقاقات ما أمكن.
أيضاً، لا تزال إسرائيل ترفض أيّ دور لتركيا وقطر في غزة، سواء لجهة إعادة إعمار القطاع أو إدارته أو المشاركة في القوّة الدولية فيه، وهو الرفض الذي أصبح «جوهريّاً»، ويمكن مقارنته بمطلب اجتثاث «حماس». ويضاف إلى كلّ ما تقدّم، تمسّك إسرائيل بالمسؤولية الأمنية المطلقة، مع أو من دون وجود عسكري – أمني دولي، ومع إدارة مؤقّتة مدنية أو من دونها، ورفضها قيام أيّ جسم إداري في غزة، مرتبط بشكل أو بآخر بـ«حماس» أو غيرها من الفصائل، أو حتى بالسلطة الفلسطينية في رام الله. باختصار: تريد إسرائيل غزة منزوعة السلاح، منزوعة من «حماس»، ومنزوعة من أيّ تأثير عربي وإقليمي.
نتنياهو، رغم ضعفه أمام الرئيس الأميركي، لا يزال يمتلك أوراق ضغط مقابلة
في المقابل، يَنظر الرئيس الأميركي إلى «المرحلة الثانية» كمدخل استراتيجي لإطلاق مسار تعميق التطبيع الإقليمي. وممّا يرد من معطيات مسرّبة، تتبلور لدى ترامب رؤية مرتكزة على الآتي: منح مصر دوراً أمنياً مباشراً، يتحدّد في مراقبة الحدود والإشراف على المعابر، وربّما قيادة قوّة أمنية مدنية محدودة في المراحل الأولى؛ إيكال دور مالي وتنموي إلى الإمارات، يتعلّق بتمويل مشاريع البنية التحتية، وإشراك الشركات الإماراتية في إعادة الإعمار؛ تكليف الأردن بمهمة ذات بُعد مدني وإنساني، تتّصل بإدارة المستشفيات الميدانية ودعم المؤسسات التعليمية. أمّا تركيا وقطر – محلّ الفيتو الإسرائيلي – فدورهما مشروط بممارسة أنقرة ضغطاً على «حماس» لإجبارها على التنحّي، خصوصاً مع اعتقاد ترامب، أنّ «الدور التركي هو الذي أَخرج الأسرى»؛ وتولّي الدوحة مهمّة التمويل الإنساني، من دون أيّ دور في اتّخاذ القرارات السياسية أو الأمنية.
وفي ما يتّصل بخطوات المرحلة الثانية، يبدو أنّ تعديلات طرأت على المقاربة الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وذلك نتيجة الصعوبات الميدانية المتراكمة؛ إذ لم يَعُد الحديث يدور حول «قوة دولية، فحكم مدني، فنزع سلاح حماس»، بل إنّ الترتيب المقترح هو تشكيل حكومة مدنية فورية (من تكنوقراط خارج حماس والسلطة) فإطلاق مشاريع إعمار محدودة، ومن ثم نشر قوة دولية لاحقاً، على أن يلي ما تقدّم نزع السلاح كعملية تدريجية موازية. ويعكس هذا التحوّل «مرونة اضطرارية»، لا سيّما مع رفض الجهات الإقليمية والدولية المشاركة في «المرحلة الثانية» كما جرى الإعداد لها في البدء.
لكن، هل يمكن التوفيق بين الموقف الأميركي الذي بات متواضعاً جدّاً، والموقف الإسرائيلي عالي السقف؟ السيناريو الأكثر ترجيحاً هو «توافق جزئي مؤقّت»، عنوانه تأجيل الانتقال الرسمي إلى «المرحلة الثانية» لأسابيع معدودة كـ«هدية رمزية» لنتنياهو، تُستخدم داخليّاً لتخفيف الضغط. وفي أثناء هذه المدّة، تطلَق مشاريع إعمار محدودة ومُحكمة في مناطق محدّدة، بإشراف مصري – أردني، ومن دون وجود تركي أو قطري ميداني، ثم يصار إلى تحسين آلية عبور المساعدات عبر معبرَي رفح وكرم أبو سالم، مع إشراف ثلاثي إسرائيلي – مصري – أميركي.
ورغم الخطاب الإسرائيلي المتشدّد – الذي يروّج منذ تقرَّرت زيارة نتنياهو إلى أميركا، لِما يرى أنها «نهاية رئيس الحكومة» إذا خضع الأخير لضغوط ترامب -، فإنّ هذا السيناريو يبالغ في التشاؤم. فالواقع أنّ ترامب لا يمتلك رفاهية «إجبار» نتنياهو علناً على ما يريده، فيما الأخير، رغم ضعفه أمام الرئيس الأميركي، لا يزال يمتلك أوراق ضغط مقابلة.
في المحصّلة، يبدو أنّ الأمور تتّجه نحو صفقة ضمنية، تتضمّن تنازلات صغيرة مغلّفة بلغة ديبلوماسية، وإعادة تصدير للواقع كإنجاز من كلا الجانبَين. وإذا كانت غزة واجهة زيارة نتنياهو إلى أميركا، لكنها ليست محورها الاستراتيجي الوحيد؛ فالتصعيد المتواصل تجاه إيران ولبنان وسوريا وأيضاً اليمن، لا ينفصل عن الحسابات التي يدور حولها لقاء الرجلين، بل إنّ بعض هذه الملفات، قد يستخدم كـ«عملات مساومة» لانتزاع تنازلات في غزة، أو العكس.
مصر: إسرائيل تريد تكريس الوضع القائم
القاهرة – الأخبار
رغم تركيز زيارة الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة نهاية الأسبوع الماضي، في إطارها المعلن، على استعادة رفات آخر جندي إسرائيلي في قطاع غزة، إلا أنّ جزءاً رئيساً من المباحثات التي أجراها مسؤولو «الشاباك» و«الموساد» مع مسؤولي المخابرات المصرية، تناول مسألة إعادة الإعمار في القطاع وجوانب أخرى من متطلّبات المرحلة الثانية. وفي هذا السياق، أفاد مسؤول مصري، «الأخبار»، بأنّ تل أبيب أبدت «استعداداً للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن بصيغة لا تتيح حتى استكمال جميع تفاصيل المرحلة الأولى»، وتؤدّي إلى إطالة الوضع القائم إلى أقصى مدّة ممكنة. وأضاف أنّ المسألة باتت رهناً بالضغوط الأميركية المباشرة، وهو ما يفسّر حال الترقّب السائدة لنتائج الاجتماع المنتظر بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي دونالد ترامب. كذلك، أكّد مسؤول دبلوماسي أنّ كل من مصر وقطر وتركيا تبدي تحفّظات واضحة على عدد من النقاط الجاري بحثها، ولا سيّما تلك المرتبطة بـ«تجزئة عملية إعادة الإعمار»، وربط إعادة الإعمار بنزع سلاح المقاومة، وهو ما لم يكن منصوصاً عليه في الاتفاق. ولفت إلى أنّ «التحرّكات الإسرائيلية تتركّز على التذرّع بسلاح المقاومة لتبرير البقاء داخل القطاع وعرقلة إدخال قوات دولية»؛ علماً أنّ مسألة نشر قوة دولية لا تزال تواجه عقبات عدّة، في ظلّ غياب الدعم من دول أوروبية وازنة إليها، وتحفّظ الأطراف العربية والإسلامية عن المشاركة فيها.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
