| بقلم وضاح عبد ربه
كثر الحديث في الأيام والأسابيع الأخيرة عن احتمال عقد قمة سورية تركية بمساعٍ روسية وإيرانية، وتسريب أخبار عن رفض الرئيس بشار الأسد عقد أي لقاء مع أردوغان ما لم تتحقق الشروط السورية المعلنة، وفي مقدمتها وقف دعم وتمويل الإرهاب، ووضع برنامج زمني علني لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية التي تحتلها.
و«الشروط» السورية المذكورة أعلاه هي ليست شروط الرئيس الأسد، بل هي الشروط التي تلبي مصالح كل الشعب السوري، وهذا ما تعلمه موسكو جيداً حيث أعلن معاون وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف منذ أيام أن بلاده لا تفرض وساطتها على دمشق وأنقرة، ولم تمارس أي ضغوط على البلدين، وخاصة أن روسيا أكثر من أي دولة غيرها تعرف جيداً أن دمشق ليست بوارد المساومة على حقوقها وحقوق شعبها، ولا بد أن المسؤولين الروس سمعوا من الرئيس الأسد رأيه الواضح تجاه أي تقارب مع تركيا، فكانت وساطتهم تتمحور حول تقريب وجهات النظر والحوار الذي يبقى وفق وجهة نظرهم أفضل من اللا حوار والقطيعة التامة بين البلدين.
في تصريحات صحفية سابقة، أجاب الرئيس الأسد عن سؤال حول إمكانية عقد مثل هذه القمة، وقال إنه بالفعل مستعد للقاء أردوغان إذا كان ذلك يلبي مصلحة السوريين. إذاً ثمة فرق بين اللقاء لمجرد اللقاء، وبين اللقاء لأجل تحقيق خطوات سياسية بين دمشق وأنقرة لأجل مصلحة وفائدة الشعب السوري، وبالتالي المبدأ في أجندة الرئيس الأسد هو أن تكون نتائج اللقاء لمصلحة السوريين، أما اللقاء من أجل اللقاء مع أردوغان أو غيره فهو بكل تأكيد ليس هدفاً بالنسبة للرئيس الأسد بل يجب أن يكون وسيلة لتحقيق مصالح الشعب السوري، ما يعني أن لقاء أردوغان اليوم دون تلبية شروط دمشق هو بكل بساطة سيحقق مصلحة أردوغان وحزبه من دون أن يعود بأي نفع للسوريين الذين يريدون لدولتهم أن تبسط سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية والقضاء على الإرهاب وعودة الأمن والأمان وفك الحصار الاقتصادي الذي أرهق كل الشعب السوري.
إذاً، لا مصلحة اليوم للسوريين بعقد مثل هذه القمة، ولا مصلحة للدولة السورية بتقديم هدايا مجانية لأردوغان وحزبه قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد قرابة ستة أشهر من الآن، والمصلحة السورية تتحقق حين يعلن أردوغان أمام عدسات ووسائل الإعلام كافة موعداً لانسحاب قواته من الأراضي التي يحتلها في سورية، ويعلن وقف تمويل واحتضان التنظيمات الإرهابية التي تم تأسيسها وزرعها في الشمال السوري وفي محافظة إدلب تحديداً، ودون كل ذلك لا يمكن أن يكون هناك مصلحة لأي سوري بحصول هذا اللقاء، وخاصة أننا بتنا معتادين على مراوغة النظام التركي ومحاولاته الاستفادة من كل تغيير دولي وممارسة الابتزاز السياسي، تارة من خلال استخدام اللاجئين السوريين كورقة، وتارة من خلال التنظيمات الإرهابية التي دعمها ولا يزال، وكذلك الأمر بالنسبة لورقة الأكراد التي يريد استغلالها لغزو مزيد من الأراضي السورية وتحقيق ما يسمى المنطقة العازلة بعمق ثلاثين كيلومتراً على كامل الشريط الحدودي.
لا موانع سورية من مصالحة ولقاء مع أردوغان لكن ليس قبل أن يتأكد كل سوري بأن هذا اللقاء سيكون في مصلحته ومن أجل سورية، وليس من أجل أردوغان أو تركيا التي مارست أبشع أنواع الحرب بحق كل السوريين وكانت لسنوات مضت الداعم الرئيسي للتنظيمات الإرهابية التي قتلت وشردت ملايين السوريين من بيوتهم وأراضيهم.
في لغة كرة القدم المستخدمة في أيامنا هذه نقول: الكرة في ملعب أردوغان، وإذا بالفعل أراد لقاء الرئيس الأسد فعليه أولاً تلبية شروط دمشق ومن ثم إعادة تطبيع العلاقات مع الجارة سورية وبين الشعبين التركي والسوري.
خلاف ذلك يعني أن ما ينشر من تصريحات في الإعلام التركي ليس سوى حملة انتخابية لا هدف لها سوى وضع حد لانتقادات الداخل التركي وأحزاب المعارضة لكسب كل ما يمكن من أصوات في الانتخابات الرئاسية.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن