علي عبود
لانشك أبدا بمصداقية الحكومة عندما أكدت، بعد طلبها من حاملي البطاقات الأسرية فتح حسابات مصرفية خلال ثلاثة أشهر: “لا يوجد أبداً أي تغيير في سياسة تقديم الدعم للمواطنين، أو الإخلال بإيصال الدعم إلى مستحقيه”!!
صحيح أن الحكومة ألغت ـ دون إعلان رسمي ـ توزيع بعض المواد المدعومة كالسكر والأرز والزيت، وخفّضت كمية المازوت إلى 50 ليترا والغاز إلى ثلاث أسطوانات سنويا، وزادت سعر ربطة الخبز أكثر من مرة ، وزادت تعرفة الكهرباء المدعومة ..الخ، لكنها فعلت كل ذلك ، مثل كل الحكومات السابقة، في سياق “سياسة الدعم المقدم إلى المواطن”!!
والحق يُقال أن مامن حكومة خلال الـ 16 عاما الماضية على الأقل إلا وكانت شفّافة مع مواطنيها فهي رفعت علنا شعار “إيصال الدعم إلى مستحقيه” وكانت ترجمته العملية تحرير الأسعار المدعومة تدريجييا وتقليص المواد المقننة ورفع أسعارها المرة تلو المرة “المازوت والغاز والكهرباء”، وصولا إلى إلغائها نهائيا “السكر والأرز والزيت” وفعلت الحكومات المتعاقبة كل ذلك من خلال تبنيها لسياسة “دعم المواطن” التي بدأت بتنفيذها في عام 2008 مع أول “رفع” لسعر مادة المازوت!
والحق يُقال أن الحكومة تابعت بحرص شديد ملف إعادة هيكلة الدعم في اجتماعات مجلس الوزراء “بشكل مخطط ومدروس ضمن سياسة عقلنة الإنفاق العام والسعي لإيصال الدعم إلى مستحقيه بكلِّ كفاءة وعدالة”!
طبعا، تجسدت “العقلنة والكفاءة والعدالة” بالتخفيض التدريجي لحصة الأسرة من 12 أسطوانة إلى 3 أسطوانات غاز سنويا، وبتخفيض مدة توزيع بعض المواد الغذائية الأساسية من شهر إلى كل أربعة أشهر فمرة في العام فإلغائها كليا، وبتقليص حصة الأسرة من المازوت المدعوم من 1200 ليتر إلى 50 ليترا سنويا حاليا، والكثير من الأسر لم تستلم هذه الكمية الهزيلة حتى الآن!!
نعم، لقد فعلت الحكومات المتعاقبة كل ذلك، وتحديدا الحكومة الحالية “حرصاً على إدارة ملف إعادة هيكلة الدعم بكل تأنٍّ وعناية، ووفق الخطط المادية والمالية والزمنية المعتمدة”!
وبما أن المبالغ المرصدة للدعم تتضاءل من موازنة إلى أخرى، فإن السؤال: هل سياسة الحكومة الفعلية تقليص الدعم أم “إيصاله إلى مستحقيه”؟
مالفتنا عبارة “إن مجلس الوزراء واللجان الوزارية والوزارات المعنية تتابع البرامج التنفيذية بكل عناية وهدوء حرصاً على استكمال متطلبات إرساء سياسة دعم شاملة وعصرية تلبي متطلبات الإخوة المواطنين بشكل مباشر وتعزز من الثقة بقدرة المواطنين على أن يكونوا شركاء حقيقيين في إدارة الدعم، وتحييد أي حلقات وسيطة قد تكون سبباً للهدر أو الفساد”.
ترى هل إدارة الدعم تسعى إلى إلزام ملايين المواطنين الذين يتقاضون أجرا هزيلا بتحمل مايلحقه الفساد من خسائر بالدولة؟
وعندما تكون سياسة الحكومة تتيح توفير المواد المدعومة في السوق السوداء فقط فأين هي “سياسة الدعم الشاملة والعصرية التي يمكنها اجتثاث المتاجرة بالمواد المدعومة؟”.
والسؤال المهم جدا: هل الدعم النقدي سيتيح لأكثر من حاملي 4.6 ملايين بطاقة أسرية الحصول عل احتياجاتها من المازوت والغاز والخبز..الخ، بعد تحرير أسعارها؟
باستثناء الخبز، فإن مامن أسرة تكفيها 3 أسطوانات غاز و50 ليتر مازوت سنويا، فهل الدعم النقدي سيقتصر على هذه الكميات الهزيلة مع استحالة الحصول عليها إلا من السوق السوداء؟
من المهم أن توحي الحكومة بأنها حريصة من خلال الدعم النقدي “على تمكين المواطنين من الحصول على مستحقاتهم الكاملة من الدعم ومنع أي تعد على هذه المستحقات من أي جهات وسيطة قائمة أو محتملة”، لكن الأهم أن يكون البدل النقدي كافيا ووافيا ليس للخبز فقط وإنما لمواد أساسية أيضا كالسكر والأرز والزيت والغاز والمازوت..الخ!
والملفت أن الحكومة لم تتحدث عن دعم الكهرباء المنزلية، ولا عن كيفية تحويلها إلى بدل نقدي، ربما لأنها غير متوافرة حاليا بالحد الأدنى من حاجة المواطنين، لكن الحكومة تعرف جيدا ان فاتورة الكهرباء بعد “الرفع” الأخير لقيمة الكيلو وات ستكون أعلى من قدرة ملايين العاملين بأجر فور زيادة ساعات الوصل إلى 12 ساعة مثلا، وبما أن هذا الأمر غير وارد في الأمد المنظور فإنه سيكون من مشكلات الحكومات القادمة.
الخلاصة: على عكس ماتؤكده الحكومات المتعاقبة فإننا نأمل أن تغيّر الحكومة القادمة سياسة الدعم جذريا، فتقوم بتحرير كل السلع والخدمات المدعومة “باستثناء الصحة والتعليم” مقابل منح أجر للعاملين في القطاعين العام والخاص يكفي لتأمين مايزيد عن الإحتياجات الأساسية للأسرة مع السكن بدلا من تكرار معزوفة “إيصال الدعم لمستحقيه” أو اسطوانة “عقلنة الدعم” التي مللنا سماعهما منذ عام 2008 !!
(موقع سيرياهوم نيوز-3)