أحرق محتجون مناهضون للحكومة في مدينة طرابلس شمال لبنان، ليل أمس السبت/الأحد، شاحنات تحمل موادا غذائية، كانت متوجهة إلى سوريا، بزعم أنها مهربة، وهو ما نفته السلطات اللبنانية.
وفيما أثارت القضية جدلا في لبنان، في ظل الاحتجاجات المنددة بغلاء المعيشة وانهيار الليرة اللبنانية، أوضحت المديرية العامة للجمارك في لبنان، أن “هذه الشاحنات تنقل مساعدات من مادة السكر وغيرها لصالح الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي من ضمن برامج الأمم المتحدة الغذائي، ووردت إلى مرفأ بيروت برسم الترانزيت الدولي إلى سوريا، وتنقل عبر الأراضي اللبنانية بواسطة شركة نقل مرخصة، علما أن هذا الامر يتم علنا وبشكل أسبوعي منذ بدأ الأحداث في سوريا”.
وأشارت المديرية في بيان إلى أن “بعض الصهاريج السورية التي دخلت إلى لبنان بشكل نظامي متوجهة إلى مرفأ بيروت وذلك بقصد نقل كمية من الزيوت النباتية الواردة أصلا برسم الدولة السورية، لذلك اقتضى التوضيح منعا لتضليل الرأي العام”.
من جهته، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن الشاحنتين اللتين تم اعتراضهما يوم الجمعة والسبت 12-13 يونيو في طرابلس، شمال لبنان، كانت تحمل مساعدات غذائية إلى سوريا وهي معنية بالوصول إلى العائلات والأفراد المتأثرين من النزاع في سوريا.
من جانبه، علق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على الحادث، وقال عبر تويتر إنه “من حق أي مواطن يعاني الغلاء وفقدان المواد الغذائية أن يرى في رتل شاحنات المساعدات المتوجهة إلى سوريا حلقة في مسلسل التهريب في ظل الحدود السائبة”، مشيرا إلى أن “هذا الحق يتوقف عند حدود المسؤولية الوطنية والأخوية تجاه المساعدات التي تنقلها الأمم المتحدة إلى الداخل السوري، وليس بين أهل طرابلس والبداوي والمنية من يمكن أن يمنع وصول المساعدات إلى الأشقاء السوريين الذين يعانون مرارات النظام”، بحسب قوله.
وكان رئيس وزراء لبنان، حسان دياب، اتهم أمس، معارضيه بتعميق أزمة العملة والتحريض على الاضطرابات، وقال في كلمة بالتلفزيون إن المعارضين السياسيين يسعون لتقويض جهود الحكومة للتحقيق في قضايا الفساد، وإنهم أثاروا الاضطرابات الأخيرة.
وتظاهر المئات في لبنان السبت، في ثالث يوم من الاحتجاجات التي شابتها أعمال عنف، رفضاً للواقع الاقتصادي المتردي وتنديداً بالطبقة السياسية الحاكمة.
وفي مدينة طرابلس الشمالية، أسفرت اشتباكات بين المتظاهرين والجيش اللبناني عن أكثر من 120 اصابة، حسب الصليب الأحمر وأجهزة الإسعاف المحلية.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، تتزامن مع نقص في السيولة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم، خاصة تلك المودعة بالدولار الأميركي.
وتظاهر عشرات الأشخاص في وسط بيروت سلميا، مستعيدين شعارات الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في 17 تشرين الأول/اكتوبر 2019 وأدى إلى استقالة الحكومة السابقة بعد أقل من أسبوعين.
وتشكلت حكومة جديدة برئاسة حسان دياب في كانون الثاني/يناير، فيما تراجعت وتيرة الاحتجاجات لاحقاً بعد تسجيل إصابات بوباء كوفيد-19 في لبنان.
وقالت نعمت بدرالدين التي كانت تشارك في التظاهرة في ساحة رياض الصلح في وسط العاصمة، “نحن هنا كي نطالب بحكومة جديدة موقتة بصلاحيات تشريعية استثنائية تضع قانونا انتخابيا عادلا يضمن صحة التمثيل النيابي وثم نتجه الى فرز طبقة سياسية جديدة”.
واعتبرت أنّ هذه الحكومة “تبنت نفس السياسات” الاقتصادية والاجتماعية للحكومات السابقة.
ونظّم متظاهرون آخرون لونوا وجوههم بالأبيض وارتدوا الأسود، مأتماً رمزياً “لشعب” تصرّ الطبقة السياسية على “دفنه”، حسب ما قالت الناشطة باولا ربيز. واضافت “أردنا إرسال رسالة قوية (..) لاحياء الحركة الثورية”.
وتجمّع محتجون أيضاً في مدينة صيدا وبلدة كفررمان في جنوب البلاد، داعين إلى رحيل الطبقة السياسية بمكوناتها كافة.
ومساءً، قطع متظاهرون غاضبون طريقًا رئيسيًا يربط بيروت بالجنوب.
ويطالب العديد من المتظاهرين بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لاتهامهم إياه بالتواطؤ مع السلطة السياسية الحاكمة وبالتقصير في ظل تراجع قيمة العملة المحلية.
وتخطى سعر صرف الليرة اللبنانية خلال هذا الأسبوع عتبة الخمسة آلاف في مقابل الدولار الواحد قبل أن يتراجع السبت إلى أربعة آلاف غداة اجتماعات حكومية. رسميا، سعر الصرف مثبّت في لبنان عند 1507 ليرات منذ عام 1997.
من جانبه، ندد حسان دياب في كلمة نقلت مباشرة عبر الهواء السبت، بما وصفه ب”مؤامرة التلاعب” بالليرة اللبنانية وبما قال إنّها “حملة مبرمجة تنظمها جهات معروفة”.
وأضاف أنّ حكومته أرادت “أن توقف مسلسل ابتزاز الدولة والناس”. وفيما تعهد بمكافحة “شرسة” للفساد، ندد بما اعتبره محاولة “الانقلاب على انتفاضة 17 تشرين الأول” وحكومته.
-“الموت جوعاً”-
ويُتوقع أن تلامس نسبة التضخم في لبنان خلال العام الحالي نسبة 50%، بينما يعيش نحو 45% من سكانه تحت خط الفقر وتعاني أكثر من 35% من قوته العاملة من البطالة.
وفي طرابلس (شمال)، اعترض متظاهرون السبت مسار شاحنات كانت متجهة إلى سوريا، اشتُبه في أنها تهرّب مواد غذائية، وفق ما نقلت مراسلة فرانس برس.
وأطلق عناصر من الجيش أعيرة مطاطية لإفساح المجال أمام عبور الشاحنات.
وقال متظاهر في طرابلس يبلغ 51 عاماً “لست مضطراً لأن أموت جوعاً مقابل أن يأكل غيري”.
وتثير أعمال التهريب بين لبنان وسوريا جدلا واسعا، إذ يعرب لبنانيون عن الاستياء إزاء قصور السلطات عن ضبط الحدود.
وعلّق متظاهر بأنّ “كيلوغراما واحدا من السكر يبلغ سعره أربعة آلاف ليرة”. وقال إنّ “الشعب يموت جوعاً”.
وقالت المديرية العامة للجمارك في بيان إنّ “هذه الشاحنات تنقل مساعدات من مادة السكر وغيرها لصالح الامم المتحدة والصليب الاحمر الدولي من ضمن برنامج الامم المتحدة الغذائي”.
وأكد برنامج الأمم المتحدة الغذائي في بيان صدر مساءً ان 39 شاحنة كانت متجهة الى سوريا لنقل مساعدات الى السكان الاكثر فقرًا هناك.
وفيما أدت الإجراءات المتخذة لمكافحة تفشي وباء كوفيد-19 إلى إغلاق العديد من المتاجر وتسريح عمّال وموظفين، فإنّ من شأن هذه الأزمة أن تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، في وقت يُتوقّع أن ينكمش الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 12%.
وطلب لبنان المساعدة من صندوق النقد الدولي في نهاية نيسان/ابريل.
(سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 14/6/2020)