كمال خلف”
يعيش لبنان مخاضا امنيا وسياسيا بالترافق مع أزمة اقتصادية ومعيشية باتت تهدد لبنان بشكل خطير. وما كادت الأوساط السياسية تستوعب مفاجأة الأجهزة الأمنية عن تدخل المخابرات التركية في إثارة الفوضى وتمويل جماعات للتخريب، حتى دخلت البلاد بأزمة مع السفارة الأمريكية على خلفية قرار قضائي يمنع وسائل الإعلام المحلية من نقل تصريحات السفيرة الأمريكية في بيروت والتي باتت تتحدث بالشأن الداخلي اللبناني على طريقة المندوب السامي في أعتى دول الاستعمار القديم.
في الشق التركي لم يكن كشف مرجع أمني لبناني عن تورط المخابرات التركية في أعمال التخريب ومحاولة جر البلاد إلى فتنة، سوى اول تصريح للعلن من الجانب اللبناني عن ما يقوم به الأتراك مبني على اعترافات صريحة للموقوفين وهم من جنسيات مختلفة حسب المصادر.
وتبدو مؤشرات الدخول التركي على ملف الأزمة اللبنانية ليست جديدة. فقد سبق أن واجهت مجموعات في منطقة العبدة في طرابلس قبل شهور الجيش اللبناني وهي ترفع العلم التركي، بينما زار السفير التركي في بيروت منطقة العبدة باحتفال صاخب، كذلك زارت عدة شخصيات لبنانية من قوى 14 آذار تركية سرا وعلانية حسب وسائل إعلام تركية.
ولم يكن التحرك المنظم وفي عدة مناطق ضد قناة الجديد والإعلامي اللبناني” نيشان” على خلفية انتقاده للرئيس أردوغان في برنامجه بالتزامن مع شكوى رسمية تقدمت بها السفارة التركية ضد الاعلامي، سوى مقياس ظاهر لمدى تقدم المخابرات التركية في بناء نفوذ لها في لبنان، يهدد بالحاق البلاد بركب الدول التي باتت أنقرة لاعبا أساسيا فيها وترسم فيها وعنها الخطوط الحمر.
وطلب النائب العام التمييزي في لبنان “غسان عويدات” من نقابة المحامين إعطاء الأذن بملاحقة رئيس منتديات لبنان المحامي” نبيل الحلبي” في ملف إثارة النعرات الطائفية وتهديد السلم الأهلي ودفع أموال مقابل ذلك، ربطا بالمعلومات الأمنية حول تورط تركية حسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية. وبما أن الحلبي موجود في تركية، وينسق مع بهاء الحريري، فإن مصادر لبنانية اعتبرت أن بهاء هو أحد وكلاء التحرك التركي في لبنان، إذ مازال ظهور بهاء على المسرح السياسي يثير علامات أستفهام كثيرة، ورد الحلبي عبر صفحته في فيسبوك مشيرا أن لا بلاغ من النيابة العامة التمييزية صدر ضده، متوعدا وسائل الإعلام التي نشرت الخبر بالملاحقة القضائية. ويبقى الحديث عن دور بهاء والحلبي في المشروع التركي في إطار التسريبات الإعلامية، إذ لم تصدر السلطات اللبنانية حتى الآن أي قرار أو تصريح رسمي يؤكد ذلك.
وتشير تقارير إلى ازدياد حجم الاهتمام التركي بلبنان وبشكل خاص بمدينة طرابلس شمالا، وظهر هذا النشاط بشكله اللافت مع بداية الحراك المطلبي في الشارع نهاية العام الماضي، وقد يكون مرد ذلك إلى ازدياد الاهتمام التركي بمنطقة شرق المتوسط حيث تبدو طرابلس مكانا مثاليا لانقرة كقاعدة على الساحل الأبيض، وقد يكون التوقيت مثاليا كذلك في أجواء الأزمة الاقتصادية والأمنية التي تعصف بلبنان.
وعلى الجانب الآخر تنشط السفير الأمريكية في بيروت دورثي شيا ضد حزب الله، متهمة الحزب بالإرهاب وبناء دولة داخل الدولة استنزفت لبنان وكلفت الدولة مليارات الدولارات التي ذهبت لدويلة حزب الله بدل خزينة الدولة حسب قولها، وهو ما اعتبرته أوساط لبنانية تحريضا على حزب لبناني مشارك في المجلس النيابي والحكومة خاصة ان اللبنانيين يعرفون أن الحزب بعيد كل البعد أموال الدولة، وأن تهم الفساد تلاحق حلفاء واشنطن في البلاد.
واستدع تدخل السفيرة في الشأن الداخلي اللبناني قرارا من قاضي الامور المستعجلة في مدينة صور “محمد مازح” يمنع فيه وسائل الإعلام المحلية من نقل تصريحات السفيرة الأمريكية، وهو ما أثار جدلا واسعا في لبنان حول قانونية القرار القضائي في شأن دبلوماسي وإنقسمت الآراء في بيروت بين من اعتبر أن القاضي بغض النظر عن قانونية قراره إلا أنه قام بإجراء معنوي كان يجب على الخارجية اللبنانية القيام به لوضع حد لتدخل السفيرة الأمريكية في شؤون البلاد. وبين من تضامن مع السفيرة ودافع عنها معتبرا أن لها حق التعبير ومن الخطأ منع وسائل الإعلام من القيام بدورها في نقل كافة المواقف التي تخص البلاد. ومن مفارقات المشهد أن القوى والشخصيات التي تنادي بالسيادة والاستقلال كانت في مقدمة المدافعين عن السفيرة الأمريكية.
وتحدت السفيرة شيا القرار القضائي وظهرت على قناة “ام اتي في” اللبنانية معلنة أن الحكومة اللبنانية اعتذرت منها على القرار، وقالت شيا أن على الأطراف اللبنانية الاهتمام بالأزمة الاقتصادية التي تواجه بلادهم مشددة على أن صوت سفارة امريكا لن يتم إسكاته، ونفت وزيرة الإعلام اللبنانية “منال عبد الصمد” في تصريح لوسائل الإعلام المحلية أن تكون الحكومة قد اعتذرت للسفيرة.
وسواء في الشق التركي أو الأمريكي فإن حجم التدخلات يكبر على وقع الأزمة التي تعيشها البلاد. ويأخذ شكل بدايات صراع قاس تتعدد فيه الأهداف والمشاريع والولاءات.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 28/6/2020