| زياد ناصر الدين
هل بات المطلوب إفراغ الانتخابات البرلمانية من مفعولها قبل إجرائها عن طريق توقيع الاتفاق مع صندوق النقد؟
قُدّر للبنان منذ نشأته أن يقبع تحت سلطة الاقتصاد المُستورِد للأزمات والمُصدِّر للطاقات البشرية، ما أوصله في هذه المرحلة إلى أن يكون رهينة 3 حالات مأساوية: الانهيار، والإفلاس، والمجاعة.
وبات يمكن القول إنّ السياسات النقدية السيئة نجحت بتحقيق هدفها المرسوم، فمن انهيار كان متوقّعاً حدوثه عاجلاً أم آجلاً، تم نقل البلاد بطريقة منظمة نحو الإفلاس التام، وإيهام اللبنانيين بغياب أيّ حلّ لأزمة البلاد خارج المنظومة النقديّة التي تتحكّم فيها الدولة العميقة والقوانين المهترئة التي عفا عليها الزمن، من دون اتخاذ أي مبادرة لتحديثها وتطوير مضامينها، وصولاً اليوم إلى النتيجة المرجوّة: المجاعة بغرض الإخضاع.
تاريخ من الأزمات
قبل الخوض في أسباب ذلك، لا بد من العودة إلى محطات بارزة أثّرت بشكل كبير في الاقتصاد اللبناني.
في العام 1958، عصفت بلبنان أزمة كبيرة خلال عهد رئيس الجمهوريّة الراحل كميل شمعون كانت ستجرّه نحو حرب أهليّة مبكرة. تبع ذلك تداعيات خارجية تمثّلت بتدخّل أميركي مباشر، وأخرى داخلية ارتبطت بمطالبة المعارضة آنذاك بالإصلاح الإداري والسياسي، وهو مطلب مشروع لطالما أثارته منذ العام 1946.
لكنَّ الاقتصاد اللبناني نجح في تخطي الأزمة بناءً على عوامل عدة، أهمها عقيدة الاستثمار والتجارة المترسخة لدى المجتمع، والاغتراب اللبناني وعلاقاته العالمية، ومهارة اليد العاملة اللبنانية والطلب العربي الكبير عليها، والسرّية المصرفيّة التي كانت تؤدي الدور الأساسي في جذب الأموال والاستثمارات.
بعدها، كانت النكسة العربية في العام 1967، و”اتفاق القاهرة” في العام 1969، الذي أقرّ نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان. ووقع الاقتصاد اللبناني في الفخ السياسي، حين أُغرق بأموال السلطة الفلسطينية، ما أسَّس للحرب الأهلية في ما بعد.
في العام 1975، اندلعت الحرب الأهليّة، واستمرّت حتى العام 1990، إذ قُدِّرَت الخسائر المباشرة التي أصابت رأس المال الإنشائي والتجهيزي في القطاعين العام والخاص بنحو 25 مليار دولار أميركي، مع ما رافقها من انهيار في سعر صرف الليرة اللبنانية في العام 1992، وبناء منظومة مالية جديدة تثبّت سعر الليرة مقابل الدولار.
وفي العام 2005، أحدث اغتيال الرئيس رفيق الحريري زلزالاً سياسيّاً في البلاد، لكنها استطاعت تخطي الأزمة اقتصادياً ومالياً عبر رفع معدل الفوائد على الودائع بالليرة اللبنانية. وبعدها، وقع العدوان الإسرائيلي في تموز/يوليو 2006، وما نجم عنه من تدمير ممنهج للبنى التحتية والمدن والقرى اللبنانية.
من الانهيار إلى صندوق النقد
بالعودة إلى الماضي القريب، وتحديداً العام 2017، اتخذت إدارة الرئيس دونالد ترامب القرار بانهيار لبنان، وشكّلت زيارة وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو إلى بيروت في آذار/مارس 2019 إيذاناً عمليّاً ببدء مرحلة الانهيار التي أشرف على تفاصيلها منذ أيلول/سبتمبر من العام نفسه مساعد وزير الخزانة الأميركية مارشال بلينكسلي.
حينها، زار هذا المسؤول لبنان للمرة الثانية في مسيرته، وقال للبنانيين: “أنتم تستخدمون كميات من الدولارات أكثر من حاجتكم الفعلية، أي أنّ الدولارات تُسرّب من عندكم، وهذا يجب أن يتوقّف”.
بعد هذا الكلام، بدأ شح الدولار، وانطلقت لعبة سقوط الليرة اللبنانية أمام العملة الخضراء وتهريب ما تبقى من العملات الصعبة إلى الخارج، وصولاً إلى انفجار الشارع في 17 تشرين الأول/أكتوبر. وقد عاون بلينكسلي في إتمام ما أوكل إليه ثلاثي الخارجية الأميركية ديفيد هيل وديفيل شينكر والسفيرة دوروثي شيا.
ذهبت إدارة أميركية وأتت أخرى برئاسة جو بايدن، واستمرت بالنهج التدميري نفسه، بل زادت الوتيرة بفرض حصار سياسي واقتصادي على لبنان، سرّع خطوات الانهيار، وصولاً إلى مرحلة الإفلاس الممنهج.
وحتى لا يظنّ البعض أنّ الولايات المتحدة استطاعت بمفردها إتمام هذه المهمة، لا بدَّ من التأكيد هنا على المسؤولية الكاملة لبعض الحكومات اللبنانية والجهات السياسيّة التي اشتركت في مخططات واشنطن التدميرية، التي أفضت إلى فرض إفلاس سياسي، وإلى الارتهان للخارج وغياب المشاريع الإنقاذية الحقيقية قبل الوصول إلى المجاعة.
بالتأكيد، إنّ سماع تصريحات عن إفلاس الدولة والمصرف المركزي ليس جديداً، ولم يكن أمراً خافياً على أحد، لكنَّ الجديد هو توقيت هذا الكلام عشية الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو المقبل، والذي يراد به الآتي:
1- تثبيت خطّة الخسائر على حساب المودعين، وتحميلهم 75% منها، ومن ثم إعطاؤهم ما تبقى من أموالهم بالليرة اللبنانية التي فقدت قيمتها.
2- تحميل الدولة اللبنانية المسؤولية الكاملة، وتبرير القرار الذي يُعد لبيع أصولها لاحقاً لأصحاب النفوذ والأموال، كما تم في السابق تبرير الاعتداء على الأملاك البحرية العامة وخصخصتها.
3- إيجاد مبرّر لاستخدام احتياطي الذهب أو رهنه لمصلحة جهات دوليّة تحت عنوان “مساعدات لإنقاذ ما تبقى من الدولة في لبنان”.
4- إخضاع جميع الفرقاء السياسيين لقرار اللجوء إلى صندوق النقد الدولي كخيار إنقاذي وحيد.
ختاماً، هل بات المطلوب إفراغ الانتخابات البرلمانية من مفعولها عن طريق توقيع الاتفاق مع صندوق النقد قبل إجرائها، بحيث ترتبط نتيجة صناديق الاقتراع حكماً بالشروط والسياسة التي سيرسمها الصندوق، وبالتالي تصبح بلا أي جدوى سياسية واقتصادية واجتماعية؟
سيرياهوم نيوز3 – الميادين