آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » لبنان….. والمخاض الكبير….

لبنان….. والمخاض الكبير….

 

باسل علي الخطيب

 

قد يكون من أهم الثوابت في السياسة السورية خلال الأعوام الخمسين السابقة، أن سورية لا تتخلى عن أصدقائها أو حلفائها، ف

لطالما كانت سورية دولة وفية و شعب أوفى، من يراها (بعين) تراه (بالف عين)، و من يسمو في تطلعاته و فكره، ترفعه إلى المكان الذي يلائم هذه التطلعات، و من يكون جل طموحه دفتر شيكاته أو كرسي ما أو زعامة ما، تعرف كيف تقولبه وفق القياس الذي يرضيه، و تستعمله بالطريقة التي تناسب سعره….

 

خذوا علماً ..

سليمان فرنجية هو الرئيس القادم للبنان، وقريباً، هذا الرجل لم يخن سورية يوماً، و لم يتخل عنها، و كان معها دائماً كبيراً حيث تحتاج المنعطفات الصعبة و التاريخية مواقف كبيرة و تاريخية، و سورية لا تنسى هذا، لن تنس سورية للسيد سليمان فرنجية أنه انسحب من الانتخابات الرئاسية السابقة لصالح الجنرال ميشال عون، بناءً على رؤية سورية استراتيجية، أن المرحلة في لبنان و المنطقة تحتاج الإتيان بشخص مثل ميشال عون رئيساً….

 

سورية لم تتخل يوماً عن الصغار، فكيف تتخلى عن الكبار؟.. و لا أقصد الصغار أو الكبار حجماً أو إمكانات أو قدرات، إنما من حيث العقل و الرؤية و النفس و المروءة، سورية لم تتخل عن الصغير وليد جنبلاط، رغم أنه طعنها عدة مرات، ليس حباً به، إنما حفاظاً على دور و مكانة بل و حتى وجود المكون الطائفي الذي يمثله، و هذا الأمر ينطبق على نبيه بري بشكل أقل….

مدفعية الجيش العربي السوري، و عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، و حركة فتح الانتفاضة، هي من جعلت جنبلاط يحكم الجبل عام 1984، القوات الخاصة السورية هي من أنقذت نبيه بري وحركة امل في معارك الضاحية الجنوبية عام 1987…

و رغم أن هذين (الحليفين)، قد طعناها أو غدراها في الكثير من المواقف، و أقصد هنا جنبلاط، أو أداروا ظهورهم وأظهروا الحياد في المواقف التي كانت تحتاج موقفاً، و أقصد هنا نبيه بري، إلا أن سورية كانت دائماً و أبداً تتعامل معهما على أساس ركيزته الحفاظ على لبنان، و ليس وفق المصالح الضيقة لهما وصغر نفسيهما…..

 

قد يكون لبنان يعيش أكبر مخاض في تاريخه، ما بين أن يبقى أسيراً للانعزالية، و بالتالي أن يبقى أداة صهيونية للعبث بأمن سورية والمنطقة، أو ينتقل إلى الضفة الشرقية و أقصد ضفة سورية، قد يكون اتفاق مارمخايل، بين التيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون و حزب الله بقيادة حسن نصر الله 2006، هو أكبر إنجاز للمسيحيين في لبنان في العصر الحديث، أنه أخرجهم من بوتقة الانعزالية التي حصرهم فيها حزبا الكتائب و القوات اللبنانية، و التي عادت نغمتها للصعود حالياً مع سمير جعجع في تحالفه مع جبران باسيل قائد التيار الوطني الحر حالياً….

يعرف الكل أن هذا الاتفاق هو اتفاق أضداد، و أنه اتفاق مصلحة بحتة و لن يدوم طويلاً، و تعرف الكثير من القيادات في التيار الوطني الحر أن هذا الاتفاق ليس في مصلحة المسيحيين أبداً، و هو يناقض بالمطلق رؤية ميشال عون، و ترشيح صبي السنيورة جهاد أزعور ليس غايته إيصاله للرئاسة، إنما غايته حرق ورقة سليمان فرنجية، و لكن سورية و حليفها حزب الله ( الذي أوكلته بالملف الرئاسي في لبنان)، كما قلنا لا يتخلوا عن حلفائهم…..

 

سليمان فرنجية بالنسبة لسورية ليس خياراً تكتيكياً إنما خياراً استراتيجياً غايته أبعد من مجرد منصب الرئاسة، غايته إخراج لبنان بالنسبة لسورية من حالة الخاصرة الرخوة، هذا الكلام قد يكون سمعه بن سلمان من السيد الرئيس في القمة العربية، و يبدو قد وافق عليه، فالرجلان لديهما رؤية في ما خص عموم المنطقة ليس فيها مكان لمناوشات الصغار، و قد نقل بن سلمان رؤية الأسد في ما خص لبنان إلى ماكرون خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، والتي أكاد أجزم أن محورها هو العقوبات على سوريا، والملف الرئاسي في لبنان، نقل بن سلمان اتفاقه مع الاسد حول لبنان لماكرون، ليس لنيل موافقته إنما لإفهامه أن عبثه في لبنان لا طائل له من خلال دعمه التيار الانعزالي هناك، لاسيما أن هذا الدعم يقتصر على الدعم السياسي والاستخباراتي فحسب….

 

على فكرة محمد بن سلمان والفريق الذي يعمل معه يجيدون التقاط الفرص، هذا الأمر ينطبق على محمد بن زايد في الامارات، وهذه تحسب لهم، أنهم بارعون في السياسة، استطاعوا أن يصنعوا لأنفسهم هامش أوسع للحركة بعيداً عن بعض الخيارات والاملاءات الامريكية والاوروبية، وكما يقال مصائب قوم عند قوم فوائد، الحرب الأوكرانية سببت ضغطاً اقتصادياً كبيراً على الدول الغربية، وتحاول هذه الدول التخفيف منه عبر الفائض المالي في الدول النفطية عبر الصفقات التجارية، سواء مع دول الخليج أو الجزائر، أضف إلى محاولات الانفتاح على فنزويلا، والرغبة المحمومة في توقيع الاتفاق مع ايران، الدول الغربية في حالة وهن اقتصادي نسبي، وهذا الأمر يدركه المحمدان ويلعبان عليه….

 

سمع ماكرون من محمد بن سلمان أن فرنجية سيصير رئيساً قولاً واحداً مع إعطاء ضمانات للبقية، نقصد هنا جعجع و باسيل و بقية الصغار، أما بالنسبة للحريري فقد يكون له دور ما في الحياة السياسية، ولكن كفرد و ليس كتيار الحريرية السياسية. وسمع كذلك أن هناك قراراً سورياً – إيرانياً توافقهم عليه السعودية وتركيا على تحويل لبنان من مجرد كانتونات طائفية إلى كيان شبه مركزي، وفق أسس جديدة للحكم، قد يستوجب إقراره مؤتمر طائف جديد، مع دمج لبنان في النظام الإقليمي القادم الذي ستكون أركانه سوريا والسعودية وإيران وتركيا….

على باسيل أن يتخذ القرار الاصعب في تاريخه، إما الانتحار السياسي و أقصد هنا كفرد و ليس كتيار، لأني أتوقع أن تياره سيتخلى عنه إن استمر في خياره المجنون مع جعجع، أو أن يجد له مكاناً عبر الانضمام إلى الحل السوري، وقد يكون الخيار بعد القادم لموقع الرئاسة….

 

بالنسبة لجنبلاط أعتقد أن دور قصر المختارة السياسي قد انتهى للابد في لبنان، و لن يفيد في ذلك توريث تيمور زعامة الحزب، سورية ملت من مسامحته، وقرار إنهائه سياسياً قد اتخذ، و حتى يضمن جنبلاط أن يبقى لابنه بعض المكان في مستقبل لبنان سيكون هذه المرة ذكياً ويصوت هو و كتلته لانتخاب سليمان فرنجية….

 

أما بالنسبة لسمير جعجع، فهو الوحيد القادر في لبنان نظرياً على عرقلة ذاك الترتيب اعلاه، من خلال القوة العسكرية المؤدلجة التي يمتلكها، ومن خلال بعض المصادر المالية…

هذه المصادر سيتم تجفيف منابعها، ولن يكون هناك دعم مالي سعودي بعد الآن، حتى قطر التي راهن عليها جعجع، قد أخذت قرارها بالسير مع الخيار السعودي، فتميم اثبت انه يمكن أن يكون ذكياً لمرة واحدة في العمر على الأقل، فقد أدرك أن دور امارته في المنطقة قد انتهى مع تنظيم قطر لكأس العالم، وهناك من ينتظر ليقتنص العرش، وهناك الكثير من الثارات مابين عائلته و حكام السعودية والامارات، وقد يكون حكمه ضحية أي صفقة كبرى، لذلك اتت زيارته للعراق، ليطلب من رئيس وزرائها السوداني ان يلعب دور الوساطة مع السيد الرئيس بشار الأسد، عله يحصل من دمشق على صك البراءة….

 

أما بالنسبة للقوة العسكرية للقوات اللبنانية، فجميعكم تذكرون مناورتي حزب الله، المناورة الاولى والتي جرت في البقاع، كانت موجهة للقوات اللبنانية وجعجع، حتى يتخذوا القرار الأصح ولايتهوروا، علماً أنه إن وقع القتال فإنه لن يطول كثيراً…..

(سيرياهوم نيوز1-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...