آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » لبنان 2021… مرحلة جديدة من النزول إلى الجحيم في الأمور المالية والاقتصادية

لبنان 2021… مرحلة جديدة من النزول إلى الجحيم في الأمور المالية والاقتصادية

في جزء أوّل من هذه القراءة للأزمة المالية، نُشر تحت عنوان: «الأزمة المالية في لبنان كأزمة توأم» (الأخبار، 6/ 10/ 2021)، تم تعيين نقطة انطلاق الأزمة في القطاع المصرفي بوصفها ناجمة ليس عن تسليفات المصارف المشكوك في تحصيلها أو الهالكة، بل بوصفها أزمة ودائع وخصوصاً أزمة خروج للودائع اتخذت طابعاً حاداً عام 2019. وقد نجم عنها أزمة سيولة بالعملات الصعبة لدى القطاع المصرفي. وتوقّف هذا الأخير عن تمويل الاستيراد بدءاً من أيلول 2019. وأعلن المصرف المركزي في آخر ذلك الشهر توقفه عن توفير التمويل لكل المستوردات وحصره إياه بثلاثة أنواع من السلع هي المحروقات والأدوية والقمح على سعر الصرف المثبّت. وسوف تنقلب العلاقة السببية بين الأزمة المصرفية وبين انهيار سعر الصرف بعد ذلك التاريخ، وبحيث يصبح العمل على إنقاذ المصارف سبباً رئيسياً في انهيار دون قعر لسعر صرف الليرة.

1. الانتفاضة واستقالة حكومة الرئيس الحريري
ومع اندلاع التحركات الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، أقفلت المصارف أبوابها. واستمر الإقفال 12 يوماً. وبمجرّد أن فتحت أبوابها بدأ التهافت على سحب الودائع (run). واستطاعت المصارف أن تفرض تقييداً على السحوبات. وامتنع مجلس النواب عن إصدار قانون لتقييد السحوبات والتحويلات تاركاً هذا الأمر في عهدة المصارف. وقد فتح المجال لها للاستنساب وشراء ما يلزمها من الوقت للتعاطي مع ودائعها وتسليفاتها بما يمنع إفلاسها. 
واستقالت حكومة الرئيس الحريري في آخر شهر تشرين الأول. ومرّت شهور والناس ينتظرون تشكيل الحكومة التي ستخلفها. وقد استهلك اللبنانيون هذه الشهور في الحديث عن التكنوقراط الذين سيعوّل عليهم لإنقاذ البلاد.

2. سقوط برنامج حكومة الرئيس دياب
وجاء برنامج حكومة الرئيس دياب للإصلاح نسخة طبق الأصل عن «برامج التصحيح الهيكلي» للصندوق (داغر، الأخبار، 17/ 6/ 2020). وكان سبق إقرار هذا البرنامج في 30 نيسان 2020، إعلان الحكومة في 9 آذار التوقف عن تسديد مستحقات الدين للدائنين الأجانب. وذلك بالاستناد إلى مؤشر واحد هو نسبة الدين الخارجي القصير الأجل إلى الاحتياطي بالعملة الصعبة. وجاء إعلانها عن التوقّف عن الدفع كجزء من مقاربة لتبرير اللجوء لصندوق النقد الدولي. وكان الهدف الوصول إلى إدارة اقتصادية يشرف الصندوق عليها بنفسه. 
واعتبرت الحكومة أنها لا تحتاج إلى استشارة أحد في الداخل لاعتماد هذا البرنامج. وامتنعت عن الأخذ برأي أحد ولو أن مشروعها كان يفرض كلفة فادحة على عموم الشعب اللبناني من خلال التخلي عن تثبيت سعر الصرف ويهدّد بتصفية القطاع المصرفي برمّته في حال تطبيقه. 
وقد تصدّى هذا القطاع لعملية استهدافه بدعم من مجموعة من السياسيين. وفرَضَ صرف النظر عن اعتماد برنامج الصندوق. وصرّح هؤلاء السياسيون أن ثمة ما يبرّر الاعتقاد بوجود مؤامرة خارجية لتصفية القطاع المصرفي اللبناني لمصلحة أطراف خارجية وإقليمية بالتحديد. وذكر الكاتب الصحافي حسن عليق أن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في 12 حزيران 2020 أعطى من جهته موافقة الرؤساء الثلاثة بمن فيهم رئيس الحكومة الذي كان حاضراً للتخلّي عن البرنامج الحكومي للإصلاح أو «خطة التعافي» كما يسمونها (حسن عليق، الأخبار، 12/ 8/ 2021).
وقد بات الرئيس دياب في حالة عطالة منذ اللحظة التي تصدّى فيها القطاع المصرفي، مدعوماً بمجلس النوّاب لما جاء في البرنامج في شأنه. ونجمت عطالة الرئيس دياب عن أنه لا يفقه شيئاً في أمور الحكم، ولا يملك الحد الأدنى من الثقافة التي تخوّله الدخول في نقاش حول الشأن العام. 
ولم يكن لديه أي تصوّر بديل لإدارة الأزمة بعد إسقاط النخبة الاقتصادية والسياسية لـ «خطة التعافي». وقد استُهلكت أشهر في النقاش حول التدقيق المحاسبي والاتفاق على المعطيات وعلى احتساب الخسائر. وقيل إن هناك الكثير من اللجان التي «تنشط» في السراي من دون أن يعرف أحد ماذا تفعل هذه اللجان. وقد ترافق عدم الشعور بالمسؤولية عند الرئيس دياب مع فراغ كامل حوله على صعيد الإدارة. ولم يكن للإدارة أن تنجده في شيء لأنها غير موجودة. 

3. إطفاء خسائر القطاع المصرفي كعنوان للتعاطي مع الأزمة
وقد ثابر القطاع المصرفي على تصفية ما يمكن من الديون التي كان البرنامج الحكومي قد اعتبرها هالكة. واتخذ ذلك شكل تعويض للمودعين بتمليكهم عقارات. وقد باع المطوّرون العقاريون عقاراتهم وسددوا ديونهم للمصارف. ولم يبق من المخزون الممثل بـ 50-60 ألف وحدة سكنية في عام 2019 إلا 7 آلاف وحدة في آخر 2020. واستطاعت المصارف أن تستوفي من الديون العقارية المترتّبة لها بذمة المطوّرين العقاريين بما يعادل 15 مليار دولار (لبنان 24، 15/ 2/ 2021). 

4. الأدبيات حول إنقاذ المصارف والتجربة في لبنان
وفي الأدبيات حول إنقاذ المصارف (bailouts) يحصي الباحثون أربع طرق تعتمدها السلطات العامة لهذه الغاية وهي: منح ضمانات للمودعين، وتوفير سيولة للمصارف، وإعادة رسملة المصارف، وتخفيف وطأة القروض غير القابلة للاسترداد (“toxic” assets) عليها (غروسمان، وول، 2012: 4). وأعطت الأزمة المالية الكبرى لعام 2008 نموذجاً لتدخّل المصارف المركزية والدول في الغرب لمنع انهيار المصارف. وذلك عملاً بتوجيهات مؤتمر الدول السبع (G7) في تشرين الأول من ذلك العام. وتولّت المصارف المركزية توفير كميات «استثنائية» من السيولة للمصارف وتوفير عملات أجنبية لها من خلال تبادل العملات في ما بينها. وأنشأت الدول أجهزة جديدة لإدارة الأزمة من مثل «مؤسسة تمويل الاقتصاد الفرنسي» (SFEF) التي تولّت إقراض المصارف المتعثّرة، و«المؤسسة الحكومية لزيادة المساهمات» (SPPE) التي تولّت شراء الأسهم والسندات التي أصدرتها المصارف الفرنسية لتعزيز رساميلها الخاصة. وتولّت الدولة في ألمانيا شراء القروض غير القابلة للاسترداد. وجرى في مختلف الحالات تسهيل استحواذ المصارف القادرة على المصارف الضعيفة (وزارة المال، 2010). وأدى ذلك إلى تلافي الانهيار الاقتصادي في هذه الدول وعودة المصارف إلى سابق نشاطها بسرعة. واختلف الباحثون في ما بينهم حول تفسير التزام الدول الغربية الصارم بإنقاذ المصارف. وأظهر النقاش أن استخدام مفهوم «رأسمالية الأصحاب» (crony capitalism) غير دقيق لتفسير التزام الدولة تجاه هذه الأخيرة (راينكه، 2014: 141). ورأى الباحثون أن الخوف من تحوّل الأزمة المصرفية إلى انهيار اقتصادي كبير وما يترتب على ذلك من بطالة إضافية، هو ما أملى على هذه الدول وقوفها إلى جانب المصارف. وفي لبنان تولى مصرف لبنان الإشراف على الأمر برمّته بتكليف من مجلس النواب وإقرار من الحكومات المتعاقبة. 

77% من العائلات اللبنانية لم تعد تجد ما يكفي من المال لشراء غذائها خلال شهر تموز 2021 حسب تقرير اليونيسف 

وذلك من خلال: 1) توفير ضمانات بعدم إشهار أي إفلاسات. وفي المؤتمر الصحافي لحاكم مصرف لبنان في 11 تشرين الثاني 2019، اعتبر هذا الأخير أنه «لن يكون هناك مصارف متعثّرة، ونكون بذلك حمينا كل الودائع في المصارف» (محمد وهبة، الأخبار، 12/ 11/ 2019). وعاد وأكّد هذا الأمر في كل تصاريحه؛
2) توفير سيولة بالليرة للمصارف لتمكينها من الاستجابة لطلبات المودعين لسحب ودائعهم. وقد أتاح هذا الأمر لها أن تحوّل الودائع بالدولار إلى ليرة وتتخلّص بهذه الطريقة من جزء مهم من هذه الودائع. ولجأ المصرف المركزي إلى طبع آلاف مليارات الليرات. وضخّ بين تشرين الأول 2019 وشباط 2020 نحو 30 ألف مليار ل.ل. وكان حجم الكتلة النقدية الورقية يساوي نحو 5.2 آلاف مليار ليرة لبنانية في آب 2019. وبحسب إحصاءات مصرف لبنان أصبحت الكتلة النقدية تساوي 40561 في نهاية تموز 2021. أي أنها تضاعفت نحو ثماني مرّات مقارنة بما كانت عليه في آب 2019.  
وكانت المصارف قد دأبت على إصدار شيكات لمن يرغبون من الزبائن بإقفال حساباتهم بالدولار. وكان هؤلاء يذهبون بها إلى الصرافين ويستبدلونها بدولارات ورقية بخسارة تصل إلى 70% من قيمتها (شروف، طليس، الحرّة، 17/ 5/ 2021). كما اعتمدت تنفيذاً لتعميم مصرف لبنان الرقم (151) بتاريخ 24 نيسان 2020، سعراً لاستبدال دولارات المودعين هو 3900 ل.ل./د. وتم تشجيع المودعين الصغار على إقفال حساباتهم. وبين آذار 2020 وآذار 2021، تم إقفال 1.2 مليون حساب لمودعين صغار ومتوسطين بحسب أحد الخبراء (قزي، الأخبار، 25/ 9/ 2021). وخلال عام 2021 جرى تفعيل عملية تحويل الودائع بالدولار إلى ليرة. وأصدر المصرف المركزي التعميم (158) الذي ينص على تقسيط تسديد ودائع المودعين الصغار على عدة سنوات. وطالبت المصارف بتخصيص عائدات حكومية لرد ديون مصرف لبنان للمصارف (قزي، الأخبار، 21/ 9/ 2021). 3) إعادة رسملة المصارف. وقد طلب المصرف المركزي في تشرين الثاني 2019 وفي آب 2020 من المصارف زيادة أموالها الخاصة بنسبة 20% من رأس المال على أن يُنجز ذلك قبل نهاية العام. وطلب في التعميم (154) أن تكوّن المصارف حسابات خارجية لدى المصارف المراسلة لا تقل عن 3% من مجموع ودائعها بالعملات الأجنبية. وطُلب منها أن تحثّ من حوّل أموالاً بعد تموز 2017 على إعادة 15% منها. وهي لم تتجاوب مع طلبات المصرف المركزي. وامتنعت غالبية المصارف عن تعزيز سيولتها الخارجية وفق النسب المطلوبة. وأشار المراقبون إلى أن تعاميم مصرف لبنان الهادفة لإعادة رسملة المصارف خلقت طلباً على الدولار في السوق المحلية كان أحد الأسباب الرئيسية للانهيار المتمادي لسعر صرف الليرة. 
وبدت فكرة ترك المصارف تعالج مشكلتَي ردّ ودائع الزبائن وإطفاء الديون الهالكة مع الوقت غير صائبة. وقد جعل استمرار تمنّع التدفقات المالية الخارجية عن الدخول إلى لبنان توزيع الخسائر كارثة تزداد وطأتها على العموم كل يوم. وبدا كل ذلك قدراً لا مناص منه بسبب غياب أي تصوّر آخر لدور الدولة في مواجهة الأزمة.

5. النزول إلى الجحيم اللبناني

– سعر الصرف 
وما جرى عنى أن الأولوية هي مرّة أخرى للمصارف وعلى حساب الجميع. وهناك استعادة لسيناريو خفض سعر صرف الليرة لحقبة الثمانينيات. وفي لبنان كانت الثمانينيات فترة «تصحيح هيكلي بواسطة سعر الصرف»، ولو أنها لم تتسمّ بهذا الاسم. انتقل سعر صرف الليرة من 6.8 ل.ل./د. في آخر عام 1984 إلى 2875 ل.ل./د. في أيلول 1992. ووضع بعض الدراسات أصل المشكلة في النزاع الذي نشأ بين الدائنين ممثلين بالمصارف والمدينين ممثلين بالدولة بشكل رئيسي (داغر، 2002). وبعد 1984 تأكد للدائنين أن الدولة لن تتمكن من السيطرة على المرافئ وتسديد المبالغ التي اقترضتها بواسطة الرسوم الجمركية المحصّلة. وبدأت بالتالي سيرورة هروب من الليرة نحو الدولار. وبدءاً من عام 1987 انفردت المصارف السبعة الأولى بتحديد سعر صرف الليرة. وذلك بعد كفّ يد حاكم مصرف لبنان وجعله يمتنع عن التقرير في هذا المجال. وقد أمكن اعتبار أن انهيار سعر الصرف على امتداد الحقبة كلها كان يعكس «الصراع على توزيع الدخل» (distributional conflict)، بمعنى لجوء المصارف وقطاع الأعمال بوجه عام لرفع سعر الدولار لخفض القيمة الشرائية للأجور. وأقر باحثو صندوق النقد الدولي بدورهم أن خفض مستوى الأجر الفعلي كان السبب الدافع إلى خفض سعر صرف الليرة (داغر، 2002: 27-29؛ إيكان وآخرون، 1995: 32). وقد بقي الحد الأدنى للأجور تحت سقف المئة دولار على امتداد حقبة 1985-1990 (داغر، 2002: 33).
ويدرس الطلاب في مقررات «النظرية النقدية الدولية» أن ارتفاع الأسعار أو التضخم الكبير يتلازم (simultanéité) مع انهيار سعر صرف العملة (فيدال، 1999: 49 و 125). وتجد هذه النظرة أصلها في نظرية «تعادل القدرة الشرائية» (PPP) النيو-كلاسيكية التي طوّرها غوستاف كاسيل. والرأي النيو-كلاسيكي مخالف للذي عبّر عنه الما-بعد كينزيون. وبالنسبة إلى هؤلاء، فإن سعر الصرف يلعب دور القاطرة وتتبعه الأسعار (سبافنتو، 1983: 572).
وخلال عام 2021 كان هناك أربعة أسعار للدولار هي، المثبّت على 1500 ل.ل./ د، وسعر التعميم (151) لاستبدال ودائع الزبائن بالليرة الذي هو 3900 ل.ل./ د، وسعر السوق الحرّة الذي كان يتحرك بين الـ 13000 ل.ل./ د. وما فوق الـ 20000 ل.ل./ د. خلال عام 2021. وأضيف سعر منصة «صيرفة» التي أنشأها مصرف لبنان وفضّل المتعاملون السوق الحرّة عليها. وقيل إن تحريك أسعار السوق الحرّة يتم عبر تطبيقات على الهواتف وأن ذلك يجري من داخل لبنان أو من خارجه.
ويُظهر انهيار سعر صرف الليرة منذ أيلول 2019 أن سعر الدولار كان يرتفع إلى حد معيّن ثم يحافظ على هذا المستوى بضعة أشهر قبل أن يرتفع مجدداً إلى مستوى جديد. وفي كانون الأول 2019 كان قد بلغ 2000 ل.ل./ د. وحين أعلنت حكومة الرئيس دياب برنامجها في 30 نيسان 2020، كان سعر الدولار يساوي 3350 ل.ل./ د. وحين أعلنت لجنة المال والموازنة النيابية رفضها في حزيران 2020 لـ «خطة التعافي» الحكومية، كان سعر الدولار قد أصبح 4500 ل.ل./ د. 
وسوف يرتفع هذا السعر خلال شهر تموز إلى 8500 ل.ل./ د. ويحافظ على هذا المستوى حتى أول شهر من عام 2021. لكنه ارتفع إلى مستوى 12250 ل.ل./ د. في شهر آذار 2021. وعزا المراقبون هذا الارتفاع إلى شراء المصارف 16 مليون دولار يومياً خلال شهر شباط من السوق لتطبيق تعميم مصرف لبنان الرقم (154)، لجهة تكوين سيولة لدى المصارف المراسلة. وقد اعتُبرت ودائع المصارف أنها تساوي 114 مليار دولار (محمد وهبة، الأخبار، 4/ 3/ 2021).
وانتقل هذا السعر إلى 17000 ل.ل./ د. في آخر شهر حزيران 2021. وبلغ 23300 ل.ل./ د.في 16 تموز 2021. وعزا المراقبون هذا الارتفاع إلى شراء مصرف لبنان 600 مليون دولار من السوق خلال النصف الأول من تموز. وتزامن ذلك مع اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة. وقيل إن انخفاض سعر الدولار مجدداً كان بمثابة ترحيب بتكليف الرئيس ميقاتي بتشكيل الحكومة. وقيل إن تراجع السعر من 19000 ل.ل./ د. إلى 14000 ل.ل./ د. في أيلول 2021 كان نتيجة اتفاق بين مصرف لبنان والمصارف والصرافين. لكن سعر الدولار عاد للارتفاع بعد تشكيل الحكومة. وقفز نحو 7000 ل.ل. خلال شهر بين 15 أيلول و 15 تشرين الأول. وذلك بسبب سحب شركات المحروقات 8 ملايين دولار يومياً من السوق لاستيراد المازوت (محمد وهبة، الأخبار، 14/ 10/ 2021).

– رفع الدعم 
وكان تعميم مصرف لبنان الرقم (530) في أول تشرين الأول 2019 قد ضمن استمرار استيراد البنزين والمازوت والغاز والدواء والقمح على سعر الصرف المثبّت. وأضيفت سلّة غذائية إلى هذه السلع المدعومة لفترة امتدت بضعة أشهر. وقُدرت كلفة الدعم هذه في عام 2020 بـ 6.4 مليارات دولار. وأُضيف إليها استخدامات أخرى للاحتياطي في مصرف لبنان لمصلحة المصارف والمودعين وللإيفاء بالتزامات خارجية بقيمة 7.8 مليارات دولار (قزي، الأخبار، 22/ 9/ 2021). وقد انخفض الاحتياطي هذا من 29.3 مليار دولار عند بدء الدعم إلى 15.7 ملياراً في أيار 2021. ويمثل المبلغ المتبقي الاحتياطي الإلزامي الذي يتوجّب على المصارف إيداعه في مصرف لبنان. وطلب حاكم مصرف لبنان أن يكون استخدام هذا المبلغ بناءً على تشريع يصدر عن مجلس النواب. وامتنع هذا الأخير عن اتخاذ هذه الخطوة. 
وبدأت مذَّاك مرحلة جديدة من النزول إلى الجحيم بامتناع مصرف لبنان تدريجياً بين شهرَي حزيران وآب 2021 عن توفير دولارات لاستيراد المازوت والبنزين. وكان على اللبنانيين أن يقفوا على امتداد الفترة في الطوابير لشراء البنزين من محطات الوقود. ولم تختفِ هذه الطوابير إلا بعد ارتفاع أسعار المحروقات نحو عشر مرّات. وفي آخر أيلول كان سعر البنزين قد بلغ 213800 ل.ل. مقارنة بـ 26400 ل.ل. في مطلع العام، أي تضاعف ثماني مرّات. وبلغ سعر تنكة المازوت في ذلك التاريخ 183600 ل.ل. مقارنة مع 18700 ل.ل.في مطلع العام، أي تضاعف نحو عشر مرّات (محمد وهبة، الأخبار، 30/ 9/ 2021). ولأن سعر هاتين المادتين كما غيرهما يتغيّر على أساس سعر صرف السوق الحرّة، فقد ارتفع سعرهما مجدداً خلال شهر تشرين الثاني ليصل إلى 302700 ل.ل. للبنزين، أي أعلى بـ 11 مرّة مما كان عليه في بداية العام. وأصبح سعر المازوت يساوي 345000 ل.ل.، أي أعلى بـ 18 مرّة مما كان عليه في بداية العام. 

– انقطاع الكهرباء والمحروقات: 
وفي خطة وزارة الطاقة لعام 2010 كان الهدف إضافة 700 ميغاواط. وصدر القانون-البرنامج (181) لهذه الغاية عام 2011. ورفض وزير الطاقة آنذاك أن يتم التمويل من الصناديق العربية مصراً على أن يكون من الخزينة (الفرزلي، الأخبار، 16/ 9/ 2021). وكان البديل الجاهز هو البواخر التركية. وقد سدّدت الدولة لها مليار دولار خلال 8 سنوات. ولم تستطع الدولة إضافة أكثر من 270 ميغاواط في الجيّه والذوق (الفرزلي، الأخبار، 8/ 10/ 2021 ). وزارت المستشارة ميركل بيروت عام 2018 وعرضت تأمين حاجة لبنان من الكهرباء بكلفة 800 مليون يورو. وقد رُفض هذا العرض كما رُفضت عروض إيران والصين وروسيا. 

في 19 آب 2021 أعلن الأمين العام لحزب الله عن بدء استيراد المحروقات من إيران. وسارعت السفيرة الأميركية إلى الإعلان عن موافقة بلدها على استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، بتمويل من البنك الدولي


وكانت شركة كهرباء لبنان قد طلبت 1500 مليار ل.ل. في مطلع عام 2021 لتأمين الوقود والصيانة حتى آخر العام. وضغط عدد من الكتل النيابية لخفض السلفة إلى 300 مليار ل.ل. وكان ذلك بمثابة حجب للأموال عن كهرباء لبنان (حسن عليق، الأخبار، 21/ 8/ 2021). ولم تعد هذه الأخيرة قادرة على تأمين أكثر من 4.5 ساعات تغذية في اليوم. وأصبحت المولدات الخاصة تنتج بمعدل 12 ساعة في اليوم. وبعد جلسة المجلس الأعلى للدفاع في 11 آب 2021 أعلن حاكم مصرف لبنان التوقف عن توفير دولارات لاستيراد المحروقات. ثم أصدر بياناً بأنه «سيؤمن المحروقات تبعاً لأسعار السوق» (الأخبار، 12/ 8/ 2021). وكانت أكثرية في مجلس النواب قد وافقت على رفع الدعم. وغطّت الكتل ذاتها رفع الدعم عن المحروقات.
وشهد شهرا آب وأيلول توقّف مؤسسة كهرباء لبنان عن العمل بشكل كلّي مرّات عدّة بسبب عدم توفر مادة الفيول. ولم يكن إنتاجها يتجاوز أحياناً ساعة تغذية في اليوم. 
وفي 19 آب 2021 أعلن الأمين العام لحزب الله عن بدء استيراد المحروقات من إيران. وسارعت السفيرة الأميركية إثر ذلك للإعلان عن موافقة بلدها على استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن على أن تجري مفاوضات مع البنك الدولي لتمويل ثمن الغاز المصري (الفرزلي، الأخبار، 21/ 8/ 2021). ونال الوفد اللبناني برئاسة وزيرة الخارجية موافقة مسبقة من السفيرة الأميركية للانتقال إلى سوريا. وحصل الأمر نفسه بالنسبة إلى ذهاب وزير الطاقة إلى الأردن وتوقيع مذكرة التفاهم لنقل الغاز المصري (الأخبار، 7/ 9/ 2021). 
وبات الهدف بعد تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي الوصول قبل آخر العام إلى 12 ساعة تغذية في اليوم، منها 4 ساعات من الغاز المصري و4 ساعات من الفيول العراقي وساعتان من كهرباء الأردن. وتضاف إليها ساعتان من المعامل المائية في لبنان (الأخبار، 27/ 10/ 2021). وأوضحت حكومة الرئيس ميقاتي أن استخدام قرض البنك الدولي مشروط بإقرار تعرفة لكهرباء لبنان هي 3500 ل.ل. للكيلوواط. وهي كانت لا تزال تساوي 135 ل.ل. للكيلوواط على سعر الصرف المثبّت (الأخبار، 8/ 11/ 2021).
وفي آب 2021 سعّرت وزارة الطاقة سعر كيلوواط الكهرباء من المولدات على أساس 2603 ليرات للكيلوواط الواحد (الأخبار، 13/ 9/ 2021). وجرى التسعير على أساس 5200 ل.ل. عن شهر تشرين الأول. وهو كان يساوي 633 ل.ل. في مطلع العام. أي أنه تضاعف أكثر من ثماني مرات مقارنة مع بداية العام .

– القدرة الشرائية
وقد رأى البنك الدولي أن انخفاض الناتج أو الدخل الوطني كان بنسبة 20% خلال عام 2020، وأنه سينخفض مجدداً بنسبة 10% في عام 2021 (الأخبار، 25/ 10/ 2021). وهناك معطيات بأن تحويلات العاملين في الخارج التي تصل إلى 220 ألف مستفيد عبر شركات التحويل، بلغت 120 مليون دولار شهرياً (الأخبار، 27/ 8/ 2021). ويقال إن اللبنانيين القاطنين في الخارج حوّلوا إلى لبنان هذا العام مبلغاً يساوي 7.2 مليارات دولار. وقد ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك الذي يصدر عن إدارة الإحصاء المركزي بنسبة 473% من بداية 2019 إلى أيلول 2021، أي خمس مرّات. وهو أقل من الواقع لأنه يحتسب حصة الغذاء في ميزانية الأسرة باعتبارها لا تزال تساوي 20.6% من المجموع. أما تفاصيل المؤشر فهي أكثر دقة وتُظهر ارتفاع أسعار المواد الغذائية بين هذين التاريخين بنسبة 1819%، أو 18 مرّة، وأسعار النقل بنسبة 1034%، أو عشر مرّات (الأخبار، 25/ 10/ 2021). 
وكانت اليونيسف قد نشرت تقريراً ورد فيه أن 77% من العائلات اللبنانية لم تجد ما يكفي من المال لشراء غذائها خلال شهر تموز (الأخبار، 29/ 7/ 2021). وفي تشرين الثاني 2021، كانت الرواتب قد فقدت 93% من قيمتها الشرائية. وكان وزير المال قد أعد قراراً في 16 أيلول بإعطاء مساعدة اجتماعية لموظفي القطاع العام لمدة شهرين تساوي نصف أساس الراتب. وكان حاكم مصرف لبنان قد اقترح على هذا الأخير تقديم مساعدة لموظفي القطاع العام لمدّة عام (قزي، الأخبار، 4/ 11/ 2021). وحصل هؤلاء الموظفون بدءاً من أيلول على زيادة تساوي 50 % من رواتبهم. وهي زيادة تمثّل 10 % من زيادة مؤشر أسعار الاستهلاك، وتعوّض أقل من 3% من زيادة كلفة المواد الغذائية على المواطنين. وقد اجتمعت لجنة المؤشر التي تضم ممثلين عن هيئات العمل والاتحاد العمالي العام مع خبراء. وتمّ اقتراح زيادة بدل النقل وأجور العاملين في القطاعين الخاص والعام على أن لا تدخل الزيادات في صلب الراتب ولا تُحتسب ضمن تعويضات نهاية الخدمة (محمد وهبة، الأخبار، 25/ 10/ 2021). 
* أستاذ جامعي

(سيرياهوم نيوز-الاخبار27-11-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها

يقيم مصرف سورية المركزي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها بعنوان: “نحو إطار تمويلي ...