كتب محمد خير الوادي :
زرت السودان عدة مرات ، وفي كل مرة كنت اعود من هناك ، كانت تترسخ لدي قناعة ، ان هذا البلد يقدم انموذجا حياً لما يسمى بمقولة ” لعنة وفرة الموارد ” .
لقد حبا الله السودان الشقيق بموارد قلما نجد لها نظيرا . فهذا البلد يتربع على مليون وثمانمائة الف كيلو متر مربع من الاراضي الشاسعة والخصبة ، والتي تشغل المساحة القابلة للزراعة فيها نحو الثلث – وهي من النسب العالية في العالم – . ويملك السودان موارد مائية من امطار وانهار ، تضعه في مقدمة دول العالم . ويعتبر الشعب السوداني الشقيق في طليعة شعوب والعرب وافريقيا، ثقافة وعلما وقدرة على العمل والانتاج .اضافة الى احتضان الارض السودانية لثروات اسطورية ، من الذهب والمعادن النادرة والنفط واليورانيوم والصمغ العربي ،وغيرها . ورغم ذلك كله ، تصدمنا كل يوم ،اخبار المجاعة التي تفتك الآن بثلثي السودانيين ، وتحزننا مناظر ملايين المهجرين والنازحين ، ويؤلمنا ما نراه من افلام ، عن التدمير والقتل ، والذي بات يطغى اليوم ،على كل ما عداه في هذا البلد المنكوب .
مشكلة السودان ، لم تكن في شعبه الطيب المعطاء العريق ، ولا في ندرة الموارد الطبيعية ، بل في القيادات التي تعاقبت على هذا البلد العربي الاصيل . كان ديدن معظم هذه القيادات الاحتفاظ بالسلطة باي ثمن، وكان هاجس المتنفذين جمع الثروة . ونظرة سريعة على الصراع الدموي ،الذي يحتدم اليوم بين قوات الدعم السريع وما تبقى من الجيش السوداني تؤكد ذلك . انه صراع بين طرفين ، قررا وضع مصالحهما الشخصية والسلطوية الضيقة فوق مصالح البلد والشعب . ولذلك يخوضان حربا ضروسا ، تطحن الاخضر واليابس في هذا البلد الغني ، حربا من اجل السيطرة على منابع النفط ومناجم الذهب واليورانيوم ، ومعامل انتاج الصمغ العربي . انها حرب دمرت مقومات التنمية في السودان ، وافقرت شعبه وشردت طاقاته العلمية والفكرية ،وفتحت الباب على مصراعيه امام التدخل الاجنبي البغيض . حرب جعلت سلة العرب الغذائية تستجدي المساعدات الغذائية الاجنبية . فياله من ذل وهوان!
والمشكلة ، ان المتصارعين لا يشعرون بهذا الهوان ،ولا يقيمون وزنا للنتائج الكارثية لخصوماتهم الانانية هذه .
لقد ابتلي السودان ، وهو ارض الخير والكرامة والعزة ، بقيادات ،حولت وفرة الموارد هناك الى نقمة على الشعب ، قيادات حطمت آمال السودانيين واحلامهم في بناء بلد ،يكون انموذجا للاخرين في استثمار موارده ،وبناء حياة رغيدة وعيش كريم . ولا ادري، هل سيملك اولئك الذين اشعلوا هذه الحرب العبثية ، جرأة – بعد الذي فعلوه – على النظر مستقبلا في عيون السودانيين؟ وكيف سيسوغون هذه الكارثة التي حلت بالسودان واهله ، نتيجة انانيتهم وسلوكهم اللامسؤول والمستهجن ؟
(أخبار سوريا الوطن1-مركز الوادي للدراسات الأسيوية)