آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » لقاء القاهرة والخنجر المسموم في خاصرة المقاومة

لقاء القاهرة والخنجر المسموم في خاصرة المقاومة

| خالد بركات

كُلّما تصاعدت نار المقاومة في فلسطين المحتلّة، وانتفضت الجماهير الشعبية ضد قوات الاحتلال ومستعمرات الصهاينة وتعزّزت الوحدة الميدانية، تستنفر أجهزة ومراكز السلطة الفلسطينية وتزيد من وتيرة القمع وحملات الاعتقال والتعذيب. وإلى جانب هذا النهج الفاسد، تُراوغ ثعالب أوسلو، وتتقمّص دور الضحية و«الحريص على مصالح الشعب»، فتدعو إلى «الحوار الوطني»، ولا نعرف كم مرة تكرر هذا الفيلم المحروق وكيف يمكن للقمع والحوار أن يجتمعا على طاولة واحدة، إنهما كالماء والنار، ومثل المقاومة والاستسلام، والصدق والكذب: نقيضان لا يلتقيان.

ومع كل فِعل مُقاوِم في فلسطين المُحتلة، وانطلاقة مُتجددة وهادرة لحراك ثوري وجديد في مواجهة الكيان الصهيوني يُهدّد استقراره وأمنه ويفاقم من أزمته، وينذر بالتحول التدريجي إلى انتفاضة شاملة، تستنفر سُلطة الحكم الذّاتي في الضفّة المحتلّة، وتبدأ في وضع خطط الخنق والحصار، إذ بالإضافة إلى دورها في إسناد قوات العدوّ ومخابراته تعمل السلطة الوكيلة على تفريغ جوهر الهبة الشعبية من مضمونها الثوري، وتهجم على المقاومة، تشتم أمهات من قاتلوا في المخيم وتعتبرهم «زعران» وتحرم أحزمة الفقر والبؤس من مرتكزات الصمود والمبادرة وتعمل على ضرب الجبهة الداخلية، هكذا تكبح فرصة الانتشار والتصاعد والديمومة.

هذا هو الدور الوظيفي المنوط بالسلطة الوكيلة للاحتلال في «يهودا والسامرة» منذ تأسيسها عام 1994، فالقمع وحراسة المستعمرات الصهيونية وظيفتها الوحيدة التي تقبض مقابلها ملايين الدولارات من وكالة المخابرات المركزية (السي آي إيه) والاتحاد الأوروبي والقوى الرجعيّة في المنطقة. وفي الوقت الذي تتوقف فيه السلطة عن القيام بهذا الدور سيقوم معسكر العدو بإنهاء وجود من يقوم على أمرها من خلال تغيير وتبديل مواقع القرار فيها. فهذا ما فعله أرئيل شارون وجورج بوش الابن بعد «انتفاضة الأقصى» أو ما عُرف بـ«الانتفاضة الثانية» حين استجلبا عصابة جديدة، سلّماها الهراوات ومفاتيح السجن وختم منظمة التحرير.
الحقيقة أعلاه ليست خافية اليوم على أحد، ولم تعُد موضِع جدل ونقاش في إطار الحركة الوطنية وقوى المقاومة، كما كان الحال في مرحلة ياسر عرفات مثلاً. ففي الفترة التي سَبَقت مرحلة محمود عباس كانت جماعة السلطة تحاول وضع قدم في الماء وأخرى في النار، وتظل تقفز، مرة هنا ومرة هناك، لهذا، ربما، قال شمعون بيريز مخاطباً ياسر عرفات: «اسمع، من يدخل نادي المدخّنين عليه أن يشفط الدخان كله». هذا ما فعله «ورثة ياسر عرفات» حين شفطوا المؤسسة والقرار والدخان وحسموا أمرهم، ورضخوا لكل الشروط الصهيونية والأميركية. تحوّلوا إلى رعايا ومخاتير عند ضباط الإدارة المدنية والجنرال الأميركي كييث دايتون صاحب مقولة «صناعة الفلسطيني الجديد» والذي أشرف على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية عام 2005.

أمّا قطاع غزّة، فالحال فيه مختلف تماماً، إذ رغم الحصار والحروب والتضييق، وكلها جرائم تشارك فيها سلطة الحكم الذاتي في رام الله، تظل غزّة قادرة على حماية الجبهة الداخلية أكثر، وتنشغل المقاومة الفلسطينيّة في تطوير قدرتها التسليحيّة واللوجستيّة والأمنيّة ويتحسن أداء الإدارة العسكريّة والسياسيّة في تسيير شؤون القطاع الصعبة والمعقّدة. يحدُث هذا كلّه رغم كل ما يُقال عن أخطاء سلطة حماس، وبعض الملاحظات النقدية لا تخلو من الجد والصحة والمشروعيّة.
أمام تصاعُد المقاومة المسلّحة، تعمل السلطة الوكيلة في الضفّة على شق الموقف الوطني الفلسطيني وتضرب الجبهة الداخلية عن قصد. تفعل ذلك من خلال مصادرة القرار والسلطة الشعبية من الشارع والمخيم، وتتحرك وفق صيغ هلامية واستخدامية يغلب عليها طابع الهرتلة والعفوية والمخترة، فالهدف بالنسبة إلى فريق أوسلو هو بقاء السلطة وتلميع دورها لتحقيق بعض المكتسبات والامتيازات الصغيرة التي يستفيد منها تجار طبقة لا تتجاوز 1% من المجتمع الفلسطيني، فليس الهدف من الدعوة للحوار في القاهرة تحقيق الوحدة الوطنية، أو تعزيز الصمود، أو حتى الاستفادة من واقع الأزمة الطاحنة التي تعصف بالكيان الصهيوني في هذه الفترة. الهدف هو المراوغة وشراء الوقت من جديد!
ومع تصاعد العمليات الفدائية تعمد قوى السلطة إلى إعادة تموضع خطابها السياسي، شَكلياً، حتى تضمن موقعها فتُكثر من الحديث عن «الشرعية» و«السلطة الواحدة» و«القانون»، إنها ترى في أيّ عملية فدائية ضد العدو ضربة موجّهة إليها وتشكل تهديداً لوجودها ومصالحها، فتُطلِق صيحاتها وتهديداتها وتعبس في وجه الجماهير، تتقمّص ملامح الجد والحكمة وتلبس ثوب «المسؤول الذي لا يريد الانفلات الأمني في البلد»، ثم تدفع قطيع المثقفين المهزومين المأجورين إلى الواجهة لنشر الإحباط وزرع الشكوك في جدوى المقاومة. تتذرّع بـ«الحصار المالي»، تحرد وتتباكى، وتشكو قلة حيلتها، وترسل جبريل الرجوب للحوار «السري» مع قيادة «حماس» – نفس الفيلم. وهذا كله هدفه ضرب المقاومة وتصفيتها من الدّاخل.

ومع كل هبّة شعبية فلسطينية تتراجع أصوات قبيلة أوسلو وتدخل جحرها، غير أنها لا تذهب تماماً، إنها تنشط في حياكة خيوط الحصار وخنق المقاومة بالتنسيق المباشر مع العدو في غرف العار. صحيح أنك لا تراها لأنها تتوارى عن الأنظار عند وقوع عدوان صهيوني، لكن سرعان ما تخرج من جحرها رافعة سبابتها في وجه المخيم وطلائع المقاومة، وهذا السيناريو الجاهز حدث في كل مرّة على مدار ربع قرن تقريباً.
تعلو نار المقاومة فتخمد أصوات السلطة والسحيجة، ولا تتحرك ولو من باب «رفع العتب». تلتزم سفاراتها صمت القبور فيما تكون سفارات العدو ومؤسساته مجنّدة بالكامل لصالح الكيان وحركته الدولية. وإذ تكشف هبّة الجماهير الشعبية القناع عن حالة الخواء والفساد والعفن، يطلب العدو من أدواته القيام بدورها وتوجيه الطعنات المسمومة السريعة إلى طلائع المقاومة، كي لا تتفاقم أزمة الاحتلال والسلطة معاً، وحتى لا يظهر عجزهما الكامل أمام الشعب الفلسطيني و«المجتمع الدولي»!
تسمع الجماهير الفلسطينية المعذّبة في مخيم جنين رئيس السلطة وهو يحيي «شعبنا الصامد في جنين» فلا تصدقه ولا تطمئن إليه، بل تقول له: «لن أسمعك ولن أراك»، فالجماهير الشعبية تُدرك بحسّها التاريخي وتجربتها الكفاحية الطويلة، أن الصدق يكمُن في الفعل أثناء المعركة وليس بعدها. يكتوي الناس يومياً بنار حقيقة السلطة العميلة ولا تحتاج الجماهير إلى من «يحلل لها الواقع» وهي ترى كيف يزحف العدو، يقضم الأرض الفلسطينية ويبني المستعمرات، يجرّ معه أدوات القمع والفقر والمرض والجوع في أحزمة البؤس، فتقول: إلى متى ندفع كل الثمن ولا نحصد سوى العلقمِ وحديثٍ مُكرّر عن الحوار والمصالحة الكاذبة؟

 

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...