محمد نور الدين
ينعقد، اليوم في موسكو، اللقاء الرباعي المنتظَر على مستوى مساعدي وزراء الخارجية بين تركيا وسوريا وروسيا وإيران، بعدما كان متوقَّعاً له أن يتمّ في منتصف شباط الماضي. إلّا أن الموعد القديم جرى إلغاؤه بطلب من دمشق، بعدما امتنعت أنقرة، آنذاك، عن تقديم أيّ خطة ولو أوّلية لسحب قوّاتها من الأراضي السورية، وفق ما أظهرته تصريحات الرئيس السوري، بشار الأسد، على هامش زيارته لموسكو، إذ ربط الأسد لقاءه نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، بوجود مبرّرات تعكس تقدّماً في المحادثات، معتبراً أن «أيّ ضمانات لا يمكن أن تضْمن إردوغان ولو لعدّة أيام». وكان الاجتماع الرفيع الأوّل انعقد على مستوى وزراء الدفاع في سوريا وتركيا وروسيا في موسكو في 28 كانون الأول الماضي، غير أن ما نتج منه ظلّ محدوداً، فضلاً عن أنه لم تَعقبه لقاءات على مستوى أعلى مِن مِثل وزراء الخارجية. اليوم، وبعدما دخلت إيران على خطّ اللقاءات الثلاثية، واستطاعت مع حليفتها الروسية الدفع نحو تنشيط الاجتماعات التي كانت تجمّدت عقب زلزال السادس من شباط، يلتئم اللقاء الرباعي المؤجَّل، وسط تفاوت في التوقّعات منه.
في هذا الإطار، نقلت صحيفة «جمهورييات» عن مسؤول تركي رفيع المستوى قوله إنه لا يتوقّع «صدور أيّ قرارات كبيرة»، وإن الاجتماع يستهدف «منع انسداد مسار المصالحة بين أنقرة ودمشق من جهة، وتبرير انعقاد لقاء قريب على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع من جهة أخرى». والجدير ذكره، هنا، أن اللقاءات بين مسؤولي مصر وتركيا، بما يشمل وزيرَي خارجية البلدَين، لا تزال مستمرّة منذ سنتين ونيّف من دون أن تفضي إلى نتائج حاسمة إلى الآن. لكن في ما يتّصل بالمسألة السورية، فإن الكُرة هي بلا شكّ في ملعب الجانب التركي، الذي بدا لافتاً حرص مساعد وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، على إبداء حُسن النيّة تجاهه، عبر المطالبة بإنهاء «التواجد التركي» في سوريا، من دون استخدام عبارة «الاحتلال التركي».
ad
ربّما يكون اللقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع «حلّاً وسطاً» وبديلاً من لقاء الرئيسَين إردوغان والأسد
وإذا كان اللقاء مع الأسد هو المطلب الرئيس بالنسبة إلى إردوغان، فإن دون ذلك عقبة يمكن لأنقرة وحدها أن تتجاوزها، بالإعلان أنها ستنسحب فعلياً، ووفقاً لخطّة مكتوبة ومجدولة زمنياً، من سوريا، إضافة إلى التعهّد بضرب الإرهاب في إدلب ومناطق السيطرة التركية، وهو ما يمثّل مطالب سورية معقولة وواقعية. لكنّ السؤال هو: هل يمكن تركيا تقديم مِثل هذه التعهّدات في خضمّ حملة انتخابية رئاسية شرسة ستَجري بعد أربعين يوماً؟ قد لا يميل إردوغان إلى اتّخاذ مواقف يمكن المعارضة أن تستغلّها لإثبات أخطائه في السياسة الخارجية والضرر الذي ألحقته بالبلاد. كما قد يتجنّب إغضاب الولايات المتحدة التي أعلنت معارضتها مسار التطبيع مع سوريا، علماً أن الرئيس التركي دفَع أخيراً البرلمان، حيث له الغالبية الآن، إلى التصويت (276 صوتاً) لصالح قانون انضمام فنلندا إلى «حلف شمال الأطلسي»، لتُسارع واشنطن إلى الترحيب بذلك، واعتبار أن أنقرة وفت بوعدها.
ad
بناءً عليه، يمكن التساؤل: لماذا قد يعطي إردوغان اليوم ما لم يُعطِه قبل عشرين يوماً، متسبّباً بفشل انعقاد اللقاء الرباعي في منتصف شباط الماضي؟ هنا، يرى البعض أن الرئيس التركي ربّما يحاول التقدّم بمقترحات غامضة، حتى يظلّ بإمكانه التنصّل منها لاحقاً، وهو ما لن يرضي البتّة الجانب السوري، الذي لا يخفى، في الوقت نفسه، وقوعه تحت ضغط الصديقَين الروسي والإيراني، اللذَين يفضّلان، كلّ لحساباته، بقاء إردوغان، إذ إن روسيا تتوجّس من سقوطه واحتمال عدم مضيّ المعارضة – في حال فوزها – في العلاقات مع روسيا بالزخم نفسه، فيما إيران لا تبدي مستوى الحماسة عينه لاستمرار الرئيس التركي في منصبه، ولكنها تأخذ في الاعتبار الرغبة الروسية، فضلاً عن أنها لا تزال تعتبر إردوغان «شريكاً» في بعض القضايا، ومنها العلاقة مع تنظيمات «الإخوان المسلمين» ولا سيما «حماس» والتنافس مع السعودية، على رغم أن تركيا الحالية، بدعمها ومشاركتها الفاعلة في الحرب الأذربيجانية – الأرمينية وما نتج منها من اتّفاقيات، ألحقت بالنفوذ الجيوستراتيجي لإيران ضرراً لا يمكن تعويضه أو مواجهته بسهولة.
ad
ربّما يكون اللقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع «حلّاً وسطاً» وبديلاً من لقاء الرئيسَين إردوغان والأسد، وهذا ما قد تَقبل به دمشق وترضى به موسكو وطهران، ولو على مضض. ولكن في ما لو أعقبه لقاء على مستوى وزراء الخارجية، ومن ثمّ الرؤساء قبل الانتخابات الرئاسية التركية، فستكون هذه «ضربة معلّم» تركية، مدعومة من روسيا وإيران، على أمل أن يلي ذلك انسحاب تركي شامل، وتصفية للجماعات الإرهابية، وعودة للسيادة السورية إلى كلّ ربوع سوريا، في انتظار طرد الاحتلال الأميركي في وقت لاحق.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية